نؤشّر اولاً , بأنّ المنطقة الخضراء ومنذ الأيام والأسابيع الأوائل للغزو الأمريكي في عام 2003 ولغاية هذه الدقائق , فتلك المنطقة لم تتعرض الى اية عملية تفجيرية – انتحارية من تنظيم القاعدة او داعش او اي مجموعة ارهابية اخرى عبر عجلة مفخخة او سواها , بالرغم من انّ مداخلها وبواباتها مفتوحة وتسير من امامها المركبات والحافلات وسيارات الاجرة , بالأضافة الى المارّة من عامة الناس , ويمكن مشاهدة موظفي وعمال تلك المنطقة بسهولة اثناء دخولهم وخروجهم .
وإذ لا نزعم بالضرورة أنّ القاطنين في المنطقة الخضراء هم المسؤولين عن تفجيرات القاعدة وداعش وغيرهم على الأماكن العامة ودور العبادة والأسواق المزدحمة وسواها , لكنّ عدم تعرّض ” الخضراء ” الى اية عملية اقتحامية بواسطة مركبة مفخخة طوال هذه السنين الطوال فأنه يرسم سلسلة متداخلة من علائم الأستفهام والإبهام المجسمة وبحجم EXTRA LARGE ! وهذا ماكان يدور بصمتٍ على الألسن والشفاه منذ زمنٍ بعيد .
من جانبٍ آخرٍ من الجوانب الأخرى , كان من الطبيعي أن يختار ” بول بريمر وقبله جي غارنر ” مع القيادة العسكرية العليا الأمريكية مقراً ثابتاً وجاهزاً في ابنيته ومتطلباته الأخرى والتي قامت بتسميته ” بالمنطقة الخضراء ” والتي هي في الحقيقة القصر الجمهوري العراقي ومقر رئاسة الجمهورية والدوائر التابعة لها , منذ عهد الرئيسين عبد السلام وعبد الرحمن عارف , وانّ اختيار هذا المكان كمقرّ لهم وللسفارة الأمريكية في بغداد وهي الأكبر من كلّ سفارات امريكا في العالم والتي يبلغ تعداد العاملين فيها نحو 5000 موظف واغلبهم من الضباط ورجال المخابرات , كما أنّ الأختيار الأمريكي للمكوث والأستقرار في هذه ” المنطقة ” قد كان له اهدافاً مزدوجة , وخصوصاً للتجاوز على رمزية السيادة للدولة العراقية , بالأضافة الى حماية عملائهم والمتعاونين معهم ولتوفير الأمان لأصحاب العملية السياسية , وكذلك للذين جيء بهم من خارج الحدود ومن العواصم المختلفة .!
هنالك تساؤلات جمّة جرى تضييعها بين مآسي الشعب العراقي ومعاناته في كلّ مناحي الحياة وجزئياتها , فلماذا الإبقاء على التسمية الأمريكية بِ ” المنطقة الخضراء ” وهي تسمية مستحدثة ” سلباً ” في المجتمع العراقي , ورافقها سرقة او الأستيلاء على الجسر المعلّق وضمّه الى ممتلكات احزاب السلطة .! , ثمّ طالما أنّ القوات الأمريكية انسحبت من العراق في عام 2011 , فلماذا منتسبوا الرئاسات ومعظم قادة احزاب الأسلام السياسي ومعهم الوزراء والقادة العسكريون وعوائلهم وسواهم وغيرهم يسكنون داخل اروقة هذه المنطقة ويتمتعون بأمتيازاتها السريّة ! وهل حياتهم اغلى من حياة الجماهير .! إنْ لم تكن ارخص بكثير , ينبغي ويتوجب على العبادي إخلاء ما يسمى بالمنطقة الخضراء من هؤلاء الغرباء وفتحها وتخصيصها لرئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء فقط , وبعكسه فهو تهاون وتواطؤ مباشر او غير مباشر .
الجانب الحيوي الآخر , فهو ضرورة قيام الحكومة العراقية برئاساتها الثلاث وملحقاتها , وكذلك قادة الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام كافة , بالمطالبة بأخراج السفارة الأمريكية من هذه ” الخضراء ” ونقلها الى منطقةٍ اخرى , فبقاؤها يمثّل انتهاكاً صارخاً للسيادة واللدولة العراقية , وهذه المطالبة ينبغي ان لا تغدو فاترة بل مصحوبة بصيحاتٍ وتظاهراتٍ جماهيرية مستمرة , وينبغي ايضا ملاحظة أنّ الأمريكان يلعبون على الحبلين ! بين الحكومة المركزية وبين اكراد البرزاني وبيشمركته , اذا لم يلعبوا على عدّة حبال في ذات الوقت !