17 نوفمبر، 2024 4:46 م
Search
Close this search box.

المندسون وحكام القبضة الواحدة

المندسون وحكام القبضة الواحدة

إن أغلب حكام القبضة الحديدية الواحدة، خصوصا في شرقنا المتوسط، عندما تهب العواصف والانتفاضات والثورات، وتقترب من جدران قصورهم، يلجأون إلى شيئين متلازمين، الأول محاولة تنويم شعوبهم بوعدها بالحياة الكريمة التي انتظرتها لا بالأشهر ولا بالسنين بل بأرباع القرون وأنصافها، والثاني اتهام المندسين الخونة والعملاء باستغلال الظروف المعيشية الصعبة لإثارة الشغب والفوضى والخراب.

ونادرا، ما خرج حاكم منهم، كلِّهم، علانيةً ليعترف بأنه وأسرته وبطانته أصلُ الداء والبلاء، وبأن هؤلاء المنتفضين مواطنون لهم حقوق مشروعة عادلة مغتصَبة وقد عيل صبرهم، وتقطعت بهم حبال الأمل في فرج قريب، ثم راح يُكفر عن ذنبه، مشمرا عن ساعديه بادئا العمل الصادق المخلص النزيه العاجل من أجل تحقيق تلك المطالب،وتعويض أصحابها بالتي هي أحسن، بدون وعود، ولا اتهامات، ولا تهريج.

إنهم لا يتوقعون، أو لا يصدقون بأن لشعوبهم قدرة على الاحتمال ولكن حبلها قصير.فحين تحين الساعة ويحل الأجل ستثور براكينها، وتتفجر طوفاناتُها، وتدخل قصورهم، فتندكها دكا دكا، ثم تجعلها خرائب تنعق فيها الغربان وتسكنها البوم.  

فكلـُهم، حين تمتليء الشوارع والساحات بآلالاف من مواطنيهم المطالبين بالخبز والعدالة والكرامة يسارعون إلى إنزال جنودهم ورجال مخابراتهم ومليشياتهم لتواجهالجموع المسالمة بقنابل الدخان المسيل للدموع، فإن لم تعقل فبخراطيم المياه الساخة، فإن لم تتفرق فبالرصاص الحي، ثم بمهرجانات السحق والصعق والحرق والشنق حتى يتحول الوطن إلى مقبرة، والمشكلة التي كانت بسيطة والتي كان حلها أبسط  منها صارت عصيةً على أي حل، ولم يعد سوى أن يموت الوالي، أو يموت جحا، أو يموت الحمار.

مناسبة هذا الكلام ما يجري في السودان، هذه الأيام الحزينة. فقد أبى الرئيسالسوداني عمر البشير إلا أن ينهج نفس ما نهَجَه الذين سبقوه من حكام القبضة الحديدية الواحدة الذين أخطأوا الحساب فسقطوا تحت أقدام جماهيرهم قتلى أو هاربين ملعونين إلى يوم يُبعثون.

والذي يجري في الخرطوم والمدن الأخرى المتململة في السودان هو نفس ما جرى، ويجري، في البصرة العراقية وبغداد ودمشق وحلب ودير الزور وبنغازي وطرابلس وبيروت وعبادان وقم وطهران، وفي جميع انتفاضات الجماهير واعتصاماتها كانت سلطات الرئيس القائد تحاول خداع المتظاهرين، وتُمنيهم بالمنِّ والسلوى، ثم، في الوقت نفسه، تدين المندسين، وتلقي بالجريرة كلها على العدو القادم من وراء الحدود .

إن عمر البشير الذي حكم 29 سنة، رئيسا للجمهورية ورئيسا للوزراء وقائدا أعلى للقوات المسلحة، لم يحقق لشعبه الحياة الكريمة التي يتحدث عنها، ولكنه اليوم يعده بتحقيقها، ثم ينذره، في الوقت نفسه، بأن صبر حكومته وجيشه لن يطول إذا لم يَعقل، ولم يعد إلى طاعته قبل فوات الأوان.

يقول: “بعض الخونة والعملاء والمندسين استغلوا الضائقة المعيشية للتخريب. إن هناك “مرتزقة يعملون على التخريب خدمةً لأعداء السودان، “نحن نعلم بأننا نعاني من مشاكل اقتصادية ولكن السبب هو الحصار“.

سؤال مهم، ماذا ستكون دولة السودان عن قريب، ليبيا أم اليمن أم سوريا؟ وماذا سيكون البشير، حافظ وبشار أسد، أم حسني مبارك وزين العابدين؟. من يدري؟، ولكن خواتمالأمور لا تأتي إلا من بداياتها، وشجر الصبير لا ينتج عسلا، والأفعى لا تعطي إلا ما في جوفها من سموم.

أحدث المقالات