18 ديسمبر، 2024 8:53 م

المندائي عزيز سباهي: اليساري الذي عرفته

المندائي عزيز سباهي: اليساري الذي عرفته

أعتز كثيراً بالمندائيين العراقيين. وأعتز أكثر باليساريين منهم. وهناك أسماء ورموز من هذه الطائفة، قامت بيني وبينها علاقة إحترام متبادل، من أبرزهم: ستار جبار حلو الزهيري، رئيس طائفة الصابئة المندائيين في العراق والعالم. والأسماء عديدة.
خيمة الصحافة..
وتحت خيمة الصحافة العراقية، التقيت وعملت مع شخصيات مندائية، منهم: الكاتب همام عبد الغني المراني. بوضوح: أجد في المندائيين طائفة مسالمة.. ودودة.. مبدعة.. ويكفي أنهم: عشاق شواطئ الانهار الجارية. في مثل هذه البيئة المجتمعية، عشت مع مندائيين، وأقول هنا: أن من درسني في الابتدائية، المعلمان المندائيان: ورد عنبر، و.. ورد شجر.
وتقريباً، فان هذه الطائفة، مغلقة لليسار بشكل كامل، مع استثناءات قليلة جداً. ولا يتسع المجال لتعداد أسباب ذلك. لكن الدوافع مفهومة، والكثير منها يحمل مبرراته.
عزيز سباهي: أبو سعد..
ومن الشخصيات الصحفية المندائية (الصابئية)، كان: عزيز سباهي (أبو سعد). ولم تكن المعلومات المتوفرة لدي كافية للكتابة عنه. لم اجد ما أبحث عنه في المصادر الموسوعية.
طرقت باب (المواقع الالكترونية)، فوجدت معلومات تركز على الجانب الساسي في حياته، وكتبت بعد رحيله. لكن (الجانب الاجتماعي) شحيح جداً. أميل للقول: أنه عراقي مندائي (صابئي)، ولد في ميسان. بايع الحزب الشيوعي منذ شبابه. وجاء في بعض المصادر ذات الصلة: (..الرفيق عزيز سباهي مناضل معروف في صفوف الحزب الشيوعي العراقي منذ سبعة عقود. وقد تعرض خلال نضاله الى ثمانية عشر عاماً من السجن والابعاد، بما في ذلك سنوات عديدة قضاها في سجن نقرة السلمان الصحراوي، وتحمل صفوف التعسف والاضطهاد. اضطر للهجرة من العراق عام 1978..).
(استفاد سباهي من اقامته في السجن لتطوير قابلياته. فطور لغته الانكليزية وترجم عدداً من الكتب الى العربية. ويعد الرفيق عزيز سباهي من الموادر المثقفة في الحزب الشيوعي العراقي.
وكان عضواً في اللجنة الاقتصادية المركزية خلال السنوات 1974- 1978. وأصبح عضواً في قيادة تنظيم الخارج وفي لجنة العمل الآيديولوجي في السنوات الاخيرة من ثمانينات وبداية تسعينات القرن الماضي..). هذه المعلومات نقلاً من المواقع الاكترونية.

خيمة جريدة الثورة
عام 1970، وفي قسم الدراسات والتقارير بجريدة الثورة، التقيت الباحث والكاتب عزيز سباهي. كان القسم يضم: حربي محمد، وخالد علي مصطفى، ومحسن جاسم الموسوي (رئيس القسم)، وسامي مهدي، وجبار الكرخي، وبيتر يوسف. كان (أبو سعد) وديعاً.. أليفاً، بعيدا عن العدوانية، لكني أشعر، ومن موقع رصد قريب، أنه كان (كسير الجناح)، وهل يحلق الطير بجناح مهيض؟. كان مندائياً، ولعل تلك الطائفة تشعر بعقدة (الهامشية)، لذلك وجدت في الالتجاء نحو الاحزاب العلمانية (وفي مقدمتها: الحزب الشيوعي العراقي) والاحتماء بها، بمثابة (طوق نجاة) من الغرق.
هذا من جهة. ومن جهة ثانية فان التنظيم الذي ينتسب اليه الكاتب عزيز سباهي (الشيوعي)، كان يسير من نكسة لأخرى. فحملات التصفية واعدام قادته في العهد الملكي، وخلافه مع عبد الكريم قاسم، والتصفية الدموية الواسعة التي تعرض لها عام 1963، والانشقاق الذي قادته (القيادة المركزية) بزعامة عزيز الحاج، هي محطات مهمة في حياة الحزب الذي ينتسب اليه عزيز سباهي، محطات تبعث على الاحباط، ان لم نقل اليأس. والقت تلك التداعيات بتأثيراتها على الكاتب عزيز سباهي. لذلك كان يتحاشى الاصطدام) والحوار الساخن. ويحرص على (تمشية) عمله اليومي بدون ردود فعل، أو بأقل قدر من ردود الفعل. فاتني أن أذكر أن أخاه قتل يوم 8 شباط/ 1963، في التصدي للحركة.
اقتصادي.. مترجم فقط
في مثل هذه الأجواء، وفي ظل تلك التداعيات، حل (أبو سعد) في جريدة الثورة عام 1970، أو قبله بقليل (عام 1969). كان يبتعد عن الكتابة في القضايا الساخنة، أو التي تثير خلافاً. كان الموضوع (الاقتصادي) مجاله المفضل. واذا أراد أو
طلب منه الكتابة في موضوع سياسي، فانه يختار الساحة البعيدة عن العراق. فعلى سبيل المثال، عندما مات الزعيم السوفيتي خروشوف، كتب عزيز سباهي، ونشرت له جريدة الثورة الثورة، مقالاً بعنوان: مات صديق العرب خروشوف.
وعندما جاء خبير النفط السعودي (عبدالله الطريقي) الى بغداد صيف عام 1970، حاوره عزيز سباهي، ونشر الحوار في الجريدة تحت عنوان، (الطريقي يقول: حطموا كرة الزجاج).والمقصود هنا: الشركات النفطية الاجنبية.
الكتاب الاقتصادي..
أمضى الباحث عزيز سباهي سنوات عمله في الاعلام العراقي (خاصة جريدة الثورة) بهدوء وانسيابية.
وعمله كان (مكشوفاً) ولكن هناك حقيقتان غير معروفتين، أو أنهما معروفتان ولكن على نطاق محدود.
الاولى: عام 1974، صدر عن دار الثورة كتاب حمل عنوان: (التطور الاقتصادي في العراق بعد السابع عشر من تموز).
ووضع توقيع أسم: (قسم الدراسات) على الكتاب. والمعلومة المؤكدة تقول: ان مؤلف الكتاب هو: الباحث عزيز السباهي، وان لم يحمل إسمه. والثانية: ان طلبات، أو أوامر، تصدر من (جهات عليا) الى جريدة الثورة لكتابة خطاب لهذا المسؤول أو ذاك. عادة اسم المسؤول لا يذكر، ولكن: تذكر الفعالية أو المناسبة. يقوم رئيس تحرير الجريدة بتكليف هذا المحرر أو ذاك بكتابة الخطاب. ويراعي في التكليف: الاختصاص والاهتمامات. وذات مرة، كلف الباحث اليساري عزيز سباهي بكتابة خطاب بشأن الاستثمار الوطني للنفط. ونفذ عزيز ما طلب منه.
وهنا كانت المفاجأة: يــــــــــــــوم 8/ نيسان/ 1972، كان احتفال يقام في حقول النفط، شمالي البصرة، لمناسبة تدفق النفط المستثمر وطنياً من حقل الرميلة الشمالي.
ألقى الضيف، وهو (رئيس الوزراء السوفيتي آنذاك ألكسي كوسيجن).. ألقى خطابه، وجاء الدور للمسؤول العراقي، (نائب الرئيس في حينها: صدام حسين)، وألقى خطابه. عندها عرف عزيز سباهي من التلفزيون، ان ما كتبه بتكليف كان خطاباً لنائب الرئيس.
عرف وصمت. ومن الخطورة جداً عليه، أو على غيره من ذوي العلاقة، أن يتحدث عن علاقته بذلك الخطاب، أو غيره من خطابات تكتب..
المغادرة…
وفي النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي (لعله عام 1978)، غادر عزيز سباهي العراق. لماذا هل لأنه لم يعد يطيق الممارسات؟ هل صدر له أمر من التنظيم؟ هل وجد فرصة عمل فضلى خارج العراق؟. ربما كان السبب: كل ذلك. غادر سباهي بلده ليعيش الاغتراب. وذكرت مواقع الالكترونية عديدة، بعض ما كان يقوم به من مهمات سياسية وفكرية. ومن حين لآخر، كان الصديق المغترب المهندس العراقي (المندائي) سلام ناصر يعلمني- أخوياً- عن جانب من أحاديثه مع الباحث عزيز سباهي، وكان يتذكرني.
وأخيراً: غادر الى مثواه الاخير. تاركاً العطاء الغزير، والذكرى الطيبة. رحمك الله يا أبا سعد.