28 سبتمبر، 2024 1:29 ص
Search
Close this search box.

المنازلة الساخنة

المنازلة الساخنة

-1-
يُخيّل للجبارين والطغاة أنَّهم قادرون على إذلال الناس وتركيعهم ، وانزال اقسى العقوبات بهم ، دون أنْ يتمكن أحد من صدهم عما يُريدون ..!!

وهذه هي الحماقة بعينها

إنّ الأبطال من الرجال لا يكترثون بالابّهة المصطنعة والانتفاخ الكاذب الذي يلجأ اليه الماكرون من الطواغيت .

فالهرّ لا يكون أسداً على الاطلاق

وانّ الايمان القويّ هو أقوى الأسلحة في ساعة المواجهة الساخنة بين “المؤمن” الحقيقي وبين الجبّار العنيد ….

واذا كان الطاغية يستند الى الجلاوزة المحيطين به ، يصول بهم ويجول ، ويفعل الأفاعيل ، فانَّ المؤمن يستند الى ارتباطه العميق بجبّار السموات والارض، القادر الذي لا يعجزه شيء في الارض ولا في السماء.

ومن هنا ترى المؤمن عزيزاً لا يذل ، وتراه كالطود الراشخ ثباتاً على الحق ، وتمسكا بأهداب القيم والمثل الرفيعة .

إنّ الارتباط العميق بالله سبحانه، يضفي على الانسان المؤمن ألواناً من الصبر والقدرة على مواجهة التحديات ، دون ان ينهار أو يجبن ..

انه على يقين من رعاية الله له ، ومن كان مع الله كان الله معه ، وهذا ما يجعله في اقصى حالات السكينة النفسية والاطمئنان …

-2-

نقل لنا التاريخ عن (عبد الله بن أبان الثقفي) أنه

قال :

” وجهني الحجاج بن يوسف في طلب أنس بن مالك “

-والحجاج كما هو معلوم – سفّاح ظلوم غشوم ، وانس بن مالك رجل أعزل ليس له من يحميه ويدافع عنه –

” فظننتُ انه يتوارى عني ،

فأتيتُه بخيلي ورجلي ،

فاذا هو جالس على باب داره …،

فقلتُ له :

أجب الأمير ، فقال :

أي الأمراء ؟ ، فقلتُ

أبو محمد الحجّاج فقال غير مكترثٍ به :

قد أذله الله ،

ما أراني أعزه ، لأنّ العزيز مَنْ عزّ بطاعة الله ، والذليل من ذلّ بمعصية الله .

وصاحبك قد بغى وطغى واعتدى وخالف كتاب الله والسنّة ،

والله لينتقم الله منه .

فقلتُ له .

أقصر من الكلام وأجب الأمير .

فقام معنا حتى حضر بين يدي الحجّاج ، فقال له :

أنت ابن بن مالك ؟

قال : نعم

قال :

انت الذي تدعو علينا وتسبنا

قال : نعم

قال :

ومِمَ ذلك ؟

قال :

لأنّك عاصٍ لربك ،

مخالف لسنة نبيّك

تعّز أعداء الله

وتذل أولياء الله

فقال له :

أتدري ما اريد أنْ أفعل بكَ ؟

قال :

لا

قال :

أريد ان أقتلك شر قتلة

قال أنس :

لو علمت أنَّ ذلك بيدك لعبدتك من دون الله ..!! ))

أقول :

أليست هذه منازلة ساخنة بين طاغيةٍ لاحدّ لجبروته وقسوته، وبَيْن رجل لا يملك الاّ الايمان بربه وقدرته على نصرة المظلوم ؟

ان ” انس ” استطاع ان يصفع الحجاج صفعة قويّة للغاية، وأنْ يحمله على ان ينسحب من المواجهة مهزوما مخذولا .

إنّ الاسلام علمنا ان نعيش أعزاء وان نرفض المذلة بكل ألوانها

والشعار الذي أطلقه سيد الشهداء في كربلاء ” هيهات منا الذلة “

أصبح دستوراً للاحرار في كل زمان ومكان في انتفاضاتهم بوجه الظلم والظالمين .

ولو أراد أحدٌ أنْ يَمّن عليك بماء الوضوء للصلاة ، فان الفقه الاسلامي يقول لك :

اترك ذلك الماء وتيمّم .

وهكذا تُستلهم دروس العزّة والاباء لتنعكس صوراً للبطولة والنقاء في مسارات الاحرار المؤمنين .

*[email protected]

أحدث المقالات