18 ديسمبر، 2024 5:59 م

الممنوع والسير فى الممنوع

الممنوع والسير فى الممنوع

هذا زمن أولاد شحيبر على رأى الفنان عادل امام فى المسرحية اياها ، هذا زمن الخونة المتآمرين من الفرنجة و العربان و زمن من يبيع ضميره و قضاياه العربية أكثر … من الصعب اليوم أن تكتب و ان تعطى رأيك بمنتهى الصراحة و من الصعب اليوم أن تجد مساحة اعلامية تسمح بنشر موقفك دون أن تضطر الى حذف كثير من العبارات و التلميحات ، الامر لم يعد يتعلق بالرقيب و بما يطلبه الرقيب من عدم المس بالممنوع و لا بمتطلبات و قوانين السماح بالنشر ، الامر اليوم أخطر بكثير لأنه و بالعهد القريب كان المثقف العربى منقسما بين محورين ، محور ما يسمى بدول الاعتدال و محور ما يسمى بدول التصدى أما اليوم فالعالم العربى مقسم الى عدة محاور و منقسم على نفسه فى عدة محاور و مجرد الوقوف مع هذا النظام أو تلك الدولة يجعلك فى مواجهة ساخنة و غير شريفة مع بقية الانظمة و الدول العربية المعادية ، ما يكتب و ينشر اليوم فى وسائل الاعلام و الاتصال العربية أغلبه إن لم نقل كله بلا طعم و لا لون و لا رائحة و الجميع يدور فى حلقة مفرغة لأنه ممنوع أن تكتب عن النظام الفلانى حتى لو بانت عيوبه و انحيازه للصهاينة و ممنوع أن تكتب عن الحاكم الفلانى حتى لو قبضوا عليه فى بيت الدعارة الامريكية .

فى هذا الوطن العربى المقسم ليست هناك حرية تعبير ، هذا مفروغ منه ، هناك فقط بعض المساحات التى تسمح بالنشر و لكن بشروط مسبقة غير قابلة للنقاش تذكرنا بسيادة الرقيب السوء السمعة الذى طالما استمتع بقص حبل افكارنا و قضم بعض العبارات التى يراها مسيئة للذات السلطانية او الملكية او الرئاسية و اخراج مقالاتنا فى أسوأ حال كأن كلاب الحراسة قد نهشتها بدون رحمة ، لا يمكن اليوم أن تكتب عن خطأ نظام عربى حتى من باب الاصلاح و التنبيه فالموقع و المساحة التى تفتح ذراعيها اليك لا تقبل تحت ذرائع كثيرة هذه المقالة من باب ابعد عن الشر و غنى له و من باب من خاف سلم ، الكتابة اليوم شر لا بد منه و لكنه شر وراءه بلايا كثيرة و لو كان بيدنا لهجرنا القلم و الكراس و المذكرات منذ أن شعرنا بان مجرد كتابة قصيدة او بعض من النثر بإمكان صاحبها أن يدفع من عمره سنوات فى السجن و ربما يموت هناك ما دام مصرا ، سيادته ، على العصيان و التمسك بكتابة الاشعار حتى لو شنقوه ، المثير اليوم أن هناك كتب لا تزال ممنوعة من النشر و هناك كتاب عرب لا يزالون يعانون من عين الرقابة و عين البوليس السياسى .

الذين كتبوا عن عذاب السجون العربية فى العهود السابقة نقلوا يوميات السجون بكثير من الابداع و التفاصيل و لعله من المفيد بالنسبة لكتاب اليوم أن يخصصوا شيئا من الوقت لمراجعة تلك الكتابات علهم يرجعون عن شهوات الكتابة و محاولة دخول الطريق الممنوع الذى يسميه البعض سكة اللى يروح ما يرجعش و ينقل صاحبه وراء الشمس “، يا صاحبيّ السجن ” للروائي الأردني أيمن المعتوم يروي فيها الفترة التي قضاها في سجون الأردن في مطلع التسعينات ، كما يناقش الأحداث والقضايا السياسية للأردن آنذاك ، الثابت أنه لا شيء تغير فى سجون عالمنا العربى و لا شيء تغير خارجها . ” شرف ” هى رواية مرعبة تناقش أسرار وخبايا السجون المصرية بفسادها و طغاتها وما يدور داخلها من قهر و اذلال للسجناء ، هذه المناقشة جلبت للكاتب كثيرا من المشاكل مع أهل السلطة خاصة و قد تناول الجزء الرابع عبارات رأى رقيب النظام أنها انتهاك للمناطق الحمراء ، طبعا الانظمة العربية تعلم أن هناك سجون و أن هناك سفاحون و قتلة و رجال تعذيب و بالنتيجة هناك من يموتون تحت التعذيب و لكن هذه الانظمة ترفض أن يتم فضح المستور حتى من الذين تذوقوا عذابات تلك الزنازين .

بطبيعة الحال ، لا تتفهم الانظمة العربية أن المواضيع هى التى تدفع قلم الكاتب الى نبش الواقع و تعريته من باب رفع العتمة و انارة الرأى العام و بطبيعة الحال لا يمكن للكاتب تحت اى ظرف ان يرفض من باب الاخلاق و المهنية التعرض الى خبايا مشبوهة موجودة فى هذا الجسم العربى المليء بالأسرار و التناقضات و الخلفيات و التشوهات ، من حق الكاتب أن يبدى الرأى و أن يترك قلمه يبحر فى خفايا ممنوعة ، من العيب فى هذا الزمن الذى فتحت فيه كل السموات الاعلامية أن يجر كاتب الرأى الى المحاكم بتهم سخيفة تلوكها انظمة فاقدة للوعى الحضارى و السياسى و كيفية التعامل مع شعوبها ، لا تدرى الانظمة العربية أنها بسجن أقلام الرأى قد أذلت نفسها و صنعت من هؤلاء الكتاب و الاقلام شهداء و مساجين رأى يشار اليهم بالبنان و ربما تتحرك دول و مثقفون و سياسيون كبار لإسناد هؤلاء الكتاب و تصبح الانظمة محل اتهام و شبهات بالتقصير فى فهم مقاصد حقوق الانسان و حرية الرأى ، ربما لم تنتبه الانظمة العربية اليوم أن منع حرية الرأى و التعبير و الاصرار على كبت الالسنة و الاقلام هو من يشعل الثورات و يطيح بهذه الانظمة و لعل أجهزة أمن الدولة فى كل الدول العربية لم تتعظ من دروس الثورات العربية لان هذه الثورات قد انطلقت بسبب كبت الحريات فبائع الخضار فى تونس احرق نفسه حتى يبلغ صوته المكبوت لأعلى هرم السلطة و ثورة ليبيا انطلقت بعد ان رفض النظام سماع اصوات المنادين بالحرية فى سجن ابو سليم و ثورة مصر أتت لان النظام لم يخصص بعض الوقت لمشاهدة فيلم ” احنا بتوع الاوتوبيس “