يعد أنتشار الفساد من أصعب التحديات التي تواجه بلدان العالمأجمع ، حتى أن الكثير من المختصين يرونه أخطر من الإرهاب ، فهو يقوض بناء الدول والمجتمعات لأنه يؤدي الى تدمير البنية القيمية والأخلاقية للإنسان ، حيث يعد الفساد الحاضنة الدافئة للإرهاب والبيئة المناسبة له لكي يكبر ويقوى فهي من تغذيه وتدعمه بشكل مباشر وغير مباشر ، ولذا تتظافر جهود كل دول العالم وتتعاون من أجل محاربة الفساد وتحجيمه وتقليل فرص أنتشاره من خلال عقد الندوات والمؤتمرات الدولية والعالمية أضافة الى اصدار القوانين الرادعة والقوية والتي تصل الى عقوبة الإعدام في بعض الدول.وتساهم الأمم المتحدة بدور كبير في أرساء القوانين والأنظمة وإصدار التوجيهات التي تساهم بمكافحة الفساد ودعم كل ما هو يسهم في محاربة الفساد والقضاء عليه. وقد أبتلى العراق بطاعون الفساد من بعد الاحتلال الأمريكي للعراق ، حيث توفرت له الظروف السياسية والاجتماعية وحتى الدينية! ، وقد ساهم الاحتلال على أنتشار الفساد وتقويته بالعراق ، عندما فتح الأبواب على مصارعها للتدخل بالشأن العراقي من قبل العالم أجمع! ، وتحديدا من الدول العربية والإقليمية المجاورة للعراق ، وقد ساهمت هذه الدول بشكل كبير على أيجاد المظلة السياسية والقانونية لرعاية الفساد وحيتانه! ، وكان لعدم وجود القوانين والأحكام القضائية الرادعة والقوية أثرا كبيرا في تقوية الفساد وتغوله وتثبيت اركانه في العراق! حتى أحتل العراق المراتب المتقدمة لأكثر الدول فسادا في العالم ، ولم تفلح كل الجهود التي بذلتها وتبذلها الحكومات التي توالت على حكم العراقبعد الاحتلال من القضاء على الفساد أو حتى للحد من أنتشاره بسبب عدم جديتها في الاجراءات التي اتخذتها ، أو لأنها متهمة بالانغماس فيه! . بتاريخ 30/ 8/ 2025 عقدت (( كلية العلومالإسلامية في جامعة وارث الأنبياء في كربلاء مؤتمرها السادس لمكافحة الفساد)) ، وقد حظر المؤتمر أضافة الى ممثل المرجعية الرشيدة الكثير من الأساتذة والمختصين ورجال الدين ، وكان حضور الدكتور ( محمد عوض الحسان، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس بعثة يونامي في العراق) لافتا في المؤتمر! ، حيث لم نألف حضور أي ممثل سابق للأمين العام للأمم المتحدة ، في مثل هكذا مؤتمرات وندوات ، والدكتور (محمد الحسان) هو من سلطنة عمان وعمل لأكثر من 30 سنة في السلك الدبلوماسي وتقلد مناصب دبلوماسية كبيرة ورفيعة وحائز على شهادة الماجستير والدكتوراه من أرقى الجامعات الأمريكية والروسية ويجيد الإنكليزية والنرويجية والروسية ، وتم تعيينه ممثلا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة في العراق بتاريخ 15/7/2024، وسيكون آخر ممثل خاص ورئيس لبعثة يونامي! في العراق ، (حيث صوت مجلس الأمن الدولي في 31/5/2025 على أنهاء البعثة الأممية نهاية العام الحالي بناء على طلب من الحكومة العراقية) . وقد نشرت صحيفة البينة الجديدة الغراء بعددها (4661) الصادر يوم الأحد الموافق 14/9/2025 وفي صفحتها التاسعة ، بعضا مما جاء في كلمته التي ألقاها في المؤتمر عن الفساد حيث (( حذر من وجود فساد خطير جدا متفش في مؤسسات الدولة ودوائرها ودعا الى الوقوف بحزم وثبات ضد الفساد والى تعزيز معايير النزاهة واستقلال القضاء والشفافية ومحاسبة الفاسدين والمفسدين ، كما وتطرق الى دور بعثة الأمم المتحدة في مكافحة الفساد وأشار الى انها وضعت نظما وأسسا أذا ما طبقت سترسخ قضاء نزيها خاليا من الفساد)). الى هنا انتهت كلمة الدكتور محمد الحسان الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق وحسب ما نقلته الصحيفة أعلاه . وأرى وقد يتفق معي الكثيرين بأن الدكتور (محمد الحسان) ، لم يجامل الحكومة ولا الأحزاب السياسة في كلمته عن الفساد ، بل تكلم بصراحة وشفافية وجرأة بعيداً عن أية دبلوماسية! ، وفي الحقيقة لم نعهد مثل هذه الكلمات من قبل كل من سبقه في هذا المنصب منذ تعيين السيد // سيرجيو ميرا دي ميلو// كأول ممثل خاص لبعثة يونامي في العراق في 14 /8/2003 وانتهاء// بجينين بلا سخرت) . ولا ندري هل ستكون لكلمة (الدكتور الحسان) صدى في أروقة الأمم المتحدة؟ أم هي كلمة عابرة قالها وسيذهب لكونه آخر رئيس للبعثة التي ستنهي أعمالها في العراق نهاية العام الجاري؟!. أخيرا نقول : كنت أتمنى لو لم يكن الدكتور الحسان كأخر ممثل لبعثة يونامي في العراق، لربما كان قد قدم للعراق ما يخدمه فعلا وخاصة في موضوع الفساد الذي أكل الكثير من خيرات العراق حتى أحتل العراق المرتبة 76 عالميا والتاسع عربيا كأفقر الدول حسب مجلة ( غلوبال فاينانس الايطالية المختصة بالأعلام المالي وأسلوب الحياة). ولله الأمر من قبل ومن بعد.