18 ديسمبر، 2024 10:57 م

الممتلكات العامة وقرار الاجتثاث

الممتلكات العامة وقرار الاجتثاث

(إذا بيعت الدور بيع المعمل) هذا نص ما أفاد به الفريق الدكتور عامر حمودي السعدي لدى زيارته موقع مشروع إعمار معمل السكر في الموصل في بداية التسعينيات (كان حينها وزيراً للصناعة والمعادن) عندما عرض عليه طلب مقدم من مجموعة موظفين يشغلون الدور السكنية التابعة للمعمل يعرضون فيه إمكانية تمليكهم هذه الدور ساعين إلى الحصول على موافقته على ذلك، بقيت هذه المقولة في ذاكرتي وكنت أتعامل مع مضامينها الصائبة، بعد تعييني وزيراً لهيئة الكهرباء.
في معظم المشروعات الصناعية المنفذة يضمن حجم العمل فيها إنشاء حي سكني متكامل مع توابعه من مرافق خدمية (مركز صحي.. جامع.. مركز ترفيهي.. الخ) يحدد عديد الدور في هذا الحي على وفق عوامل مختلفة منها موقع المشروع ونوعه وعديد العاملين فيه، ويعد ذلك أحد شروط تحقيق الاستقرار في حركة الملاكات العاملة بما يؤمن عوامل حدوث التراكم في الخبرات وتطوير المهارات، ويعد أيضاً عاملاً مشجعاً للخريجين من الشباب للتعيين في مناطق نائية، يتبارى العاملون في هذه المشروعات، بعد إنجازها على تقديم ما يمكنهم من جهود ومبادرات تدعم عوامل تطوير الانتاج فهم حريصون على المحافظة على معداتها وممتلكاتها المختلفة ويجسد هذا، على وجه التحديد، حرص الموظفين من سكنة الدور المخصصة لهم من المشروعات والعائدة ملكيتها لها، ما يشهد على ذلك نموذج مشروع محطة توليد كهرباء دبس البخارية التي أنشئت، منذ خمسينيات القرن الماضي، فبعد قرابة أكثر من ستين عاماً من إنشائها لازالت تعمل هذه المحطة بالرغم من تجاوزها العمر الافتراضي حتى أطلق عليها (العجوز)، بل تم تطويرها بإضافة وحدات توليد غازية إليها بهدف زيادة قدراتها الانتاجية حيث حرص العاملون من سكنة المجمع السكني التابع لها والبالغ عديدهم أكثر من ٢٥٠ موظفاً على استمرارية عملها إيفاءً منهم لشروط انتمائهم لها وضماناً لتوفير السكن اللائق والآمن لعائلاتهم، وهذا يسري في الكثير من المشروعات المختلفة والمنتشرة على أرض العراق، وعلى وجه التحديد، المحطات الكهربائية الكبيرة، كما هو الحال في (النجيبية.. الناصرية.. بيجي.. دوكان.. دربندخان… الخ).
بعد قرابة ثلاثين عاماً من إعلان الوزير المعني رفضه بيع الدور الحكومية التابعة للمشروعات يظهر وزير في حكومة المحاصصة الحالية ليروج مقترحاً يتضمن بيع محطتين لتوليد الكهرباء في محافظة البصرة، بنحو كامل (تمليك) إلى إحدى الشركات الخاصة وليس بيع الدور التابعة لها وذلك استجابة إلى طلب الشركة لتقوم لتعوض عنهما بمشروع جديد!؟، يشير هذا الى القصور الواضح في التعامل مع حرمة الممتلكات العامة للدولة ويعد قراراً خاصاً لاجتثاثها وتهديداً لعوامل ديمومة الانتاج في المشروعات الحكومية وتطويرها.
نتساءل: هل كان مقترح التمليك هذا تعبيراً عن إلزام الحكومات المتعاقبة، بعد الاحتلال، العمل على ترويج كل ما يناقض التوجهات التي اعتمدتها حكومات العهد الوطني قبل سنة الاحتلال ٢٠٠٣ أو ماذا؟