19 ديسمبر، 2024 12:10 ص

الممتلكات الثقافية العراقية والتزام الدول المحتلة بتعضيد جهود السلطات الوطنية للمحافظة عليها

الممتلكات الثقافية العراقية والتزام الدول المحتلة بتعضيد جهود السلطات الوطنية للمحافظة عليها

لم يكن تعامل مجلس الأمن ايجابياً أو حتى قانونياً مع قضية حماية الممتلكات الثقافية العراقية بشكل عام ذلك أن  من مجموع خمسة عشر قراراً أصدرها مجلس الأمن بشأن ما يسمى الحالة في العراق (42) لم يكن نصيب هذه القضية إلا فقرة في القرار 1483 في 2003 هي الفقرة السابعة التي نصت على (( يقرر أن تتخذ جميع الدول الأعضاء الخطوات المناسبة لتسير أن تعود بسلام إلى المؤسسات العراقية تلك الممتلكات الثقافية العراقية والأشياء الأخرى ذات الأهمية الأثرية والتاريخية والثقافية وذات الأهمية العلمية النادرة وذات الأهمية الدينية التي أخذت بصورة غير قانونية من المتحف الوطني العراقي والمكتبة الوطنية ومن مواقع أخرى من العراق منذ اتخاذ القرار 661 (1990) المؤرخ 6 آب 1990 بما في ذلك عن طريق فرض حظر على الاتجار بهذه الأشياء أو نقلها وكذلك الأشياء التي من المعقول الاشتباه في أنها أخذت بصورة غير قانونية ويطلب إلى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ( اليونسكو ) والمنظمة الدولية للشرطة الجنائية  ( الإنتربول ) والمنظمات الدولية الأخرى حسب الاقتضاء المساعدة في تنفيذ هذه الفقرة )) . (43)
كما وردت أشارة أخرى في ديباجة القرار 1546 ( 2004) التي نصت على (( وأن يشدد على ضرورة أن تحترم جميع الأطراف تراث العراق الأثري والتاريخي والثقافي والديني وأن تحمي هذا التراث )) .(44)
فالفقرتين أعلاه على مايرتباه على الدول الأعضاء من التزام باتخاذ الخطوات اللازمة للمحافظة على الممتلكات الثقافية العراقية وخصوصاً المسؤولية المباشرة على الولايات المتحدة وبريطانيا (45) فإن هذه المعالجة لم تكن لتتناسب مع عدد القطع المسروقة والتي بلغت خمسة عشر  ألف قطعة أثرية (46)ومع مطالبات العراق للأمم المتحدة باستعادة آثاره المنهوبة والمهربة والتي تعود إلى الجلسة السادسة والستين من جلسات الدورة الثانية والثلاثين التي عقدت في  11 تشرين الأول 1977 ومن ثم آثار مندوب العراق الدائم لدى الأمم المتحدة موضوع استعادة الآثار المسروقة والمنهوبة وذلك في كلمته أمام الجمعية العامة في 1/ 11 /1979 وفي نيسان من عام 1987 أحال العراق إلى رئيس اللجنة الدولية الحكومية (170) طلباً بإعادة المحفوظات القديمة الموجودة حالياً في المتحف البريطاني .(47)
وكانت لجنة من خبراء اليونسكو قد أوصت في 28 أبريل 2003 بإقامة مؤتمر دولي حول الممتلكات الثقافية العراقية  يضع خطة عملية لحماية تلك الممتلكات وإقامة وحدة عاملة تابعة لليونسكو يكون مقرها العراق لتنسيق جهود الوكالات الدولية والمحلية العاملة في هذا الميدان (48) بعد تقارير تلقتها المنظمة تؤكد الأخطار الحقيقية التي تواجهها المواقع الأثرية في العراق من دمار (49) هذا بالإضافة إلى ما تلقته المنظمة ومديرها العام كيو فيرد ميتور من إعلانات مفتوحة تطالب بتوفير حماية سريعة للممتلكات الثقافية العراقية .(50)
لقد شهدت المواقع الأثرية في محافظة ذي قار عمليات نهب لا زالت مستمرة منذ عام 2003 مما جعل مصير آلاف القطع الأثرية مجهولاً وتؤكد عالمة الآثار الأمريكية إليزابيث ستون التي أمضت سنوات في التنقيب في المحافظة أن هذه القطع الأثرية تقدر قيمتها بمليار دينار عراقي وأعربت العالمة الأمريكية عن الأسف للانعدام التام للمعلومات بشأن القطع المسروقة وأكد ريتشارد سون أن هذه القطع على أقل تقدير ستعرض بعد خمس أو ست سنوات في معارض نيويورك وجنيف وطوكيو وأن الشيء المؤكد في ذلك كله هو حجم التدمير الهائل الذي لحق هذه المواقع وهو ما توضحه صور الأقمار الصناعية الملتقطة لتلك المواقع والتي تبدو فيها وكأنها أشبه بلوحة شطرنج تملؤها المربعات المحفورة الفارغة. (51)
وتشير مديرية آثار المحافظة إلى أن  القوات الأمريكية احتلت المتحف والمواقع القريبة منه عام 2003 وحولتها إلى ثكنة عسكرية ثم سلمته إلى القوات الرومانية ثم إلى القوات الإيطالية التي تتألف من ثلاثة آلاف عسكري وهي رابع أكبر قوة بعد القوات الايرلندية والبريطانية والاسترالية وفي منتصف 2004 سلمت القوات الإيطالية المتحف إلى القوات العراقية ولكن المتحف وفي مساء نفس اليوم تعرض لحريق هائل كما تم إحراق المكتبة الثمينة الملحق به .
وتشير مصادر المديرية أيضاً إلى أن عمليات التنقيب الرسمي قبل عام 2003 كانت محصورة في أربعة مواقع هي جوخه وتل أم العقارب في الرفاعي وموقع يزيخ في القلعة وموقع شميث في مدينة الفجر أما الآن فهناك مئات المواقع تشهد عمليات تنقيب غير رسمية يقوم بها أشخاص عاديين ليس لديهم خبرة في كيفية التعامل مع الكنوز الأثرية والنفائس التاريخية ناهيك عن أن آلالات المستخدمة هي الفؤوس والمجارف العادية من دون أن تتم الاستعانة بالخرائط وغالباً ما تجري العمليات ليلاً مما يعرض القطع الأثرية لمزيد من الكسر والإتلاف أثناء عمليات الحفر.
أما جهود السلطات الوطنية فتتلخص بقوة حماية الآثار التي تشكلت عام 2005 من قوة محدودة قوامها 200 شخص فقط تستخدم 12 أليه غير مدرعة وهي مكلفة بمهمة حماية المواقع الأثرية في عموم المحافظة والتي تنتشر على مساحات مترامية الأطراف تأخذ الشكل المثلث من حدود محافظة المثنى إلى حدود محافظة القادسية ثم إلى الجنوب ولذلك فإن هناك العديد من المواقع يتعذر على هذه القوة حمايتها بسبب وقوعها في مناطق نائية جداً أو تسيطر عليها مجموعات مسلحة خارجة عن القانون بالإضافة إلى انعدام الإسناد الجوي الذي يجعل مهمة هذه القوات غاية في الصعوبة .(52)
ويؤكد ( كودرفي ) المستشار الثقافي لقوات الاحتلال أن هناك مائة موقع أثري كانت بحاجة إلى الحماية في بداية تموز 20003 وأن عشرين موقع منها كانت تتعرض للنهب بشكل مستمر وتشير دراسات أخرى إلى أن جميع المواقع في المحافظة كانت تتعرض لعمليات نهب ولكن بدرجات متفاوتة مما أدى إلى اختفاء بعض المواقع اختفاء كلياً في حين تعرض بعضها للنبش والتخريب ومن بينها مواقع كبرى كتل نفر وتل المدائن وتل جوخة وتل شنكره وتل اللوح أسين بسما يا.(53) 
وبدورها أكدت مديرة هيئة الآثار والتراث العراقية أميرة عيدان أن محافظة ذي قار تشهد أكبر عمليات نهب للآثار العراقية مقارنة بباقي المحافظات العراقية  وأن بلدة الفجر شمال المحافظة تعد واحدة من أكثر مناطق نهب وتهريب الآثار العراقية واصفة المنطقة بأنها ((سوق عالمي  للتداول بالآثار )) (54)وتضيف عالمة الآثار اللبنانية جوان فرسخ أن جيوش اللصوص والناهبين لم تترك حتى ولا شبراً واحداً من العواصم السومرية في محافظة ذي قار لقد شهدت بقايا الحضارة السومرية تدمير بشكل ممنهج في سياق البحث غير المتواني عن التحف الممكن بيعها وأن تلك المدن السومرية القديمة كان يمكن أن تقدم لو تم الحفر فيها بشكل لائق معلومات هائلة وجديدة عن تطور الجنس البشري وأن هذه العمليات إذا استمرت على هذا المنوال فإن العراق ربما ينتهي به المطاف وقد أصبح بلداً بلا تاريخ .(55)
من جهة أخرى أثار اكتشاف منقيي أثار ايطاليون لرقيمات  حجرية تعود إلى حضارة أور في الألف الثالث قبل الميلاد التساؤلات حول مشروعية مثل هذه الأعمال إذ وصفت رئيسة الفريق سيلفيا شيوري لوكالة الأنباء الإيطالية ( أنيا ) أن الاكتشافات تمت في موقع أثري لا يبعد كثيراً عن موقع مدينة أور حيث تتمركز القوات الإيطالية وأن وجود مثل هذه الرقيمات يرجح أن يوجد منها الكثير  . (56)