لا يمكن الفصل بين أضرار المليشيات والمخدرات من حيث الضرر الكلي العام على الدولة والمجتمع وآثارها الساحقة على مستقبل الوطن وبالذات لسحقها فئات الشباب من الطلبة والعمال وهم العمود الفقري للبناء والتطور في كل أمة!
والسؤال هنا: كيف إن اجتمعت المليشيات والمخدرات في صعيد واحد كيف ستكون النتيجة المتوقعة؟
العراق قبل العام 2003 لم يكن حتى ممرراً للمخدرات وذلك لأن الدولة حينها لم تكن تتهاون مع تجارة المخدرات ولا تعاطيها، ويعدّ الاتجار بها من الجرائم التي تستحق الإعدام، وفقاً لقانون المخدرات رقم (68) لسنة 1965، ولهذا حُفِظَ المجتمع العراقي، في الغالب، حينها من هذه الكارثة الساحقة على الرغم من الظروف الحياتية القاسية، وبالذات في مرحلة الحصار الدولي بعد الغزو العراقي للكويت في العام 1990.
وبعد العام 2003 صارت المخدرات تجارة عادية في العراق، ولم تلتفت لها الحكومات لانشغالها بالمناحرات السياسية وتقسيم حصص الحكم ولو على حساب انهيار بنية المجتمع وأصوله ومستقبل أبنائه!
وهنالك جملة من الأسباب الداعمة لانتشار المخدرات في العراق، ومنها أسباب سياسية وأمنية واقتصادية ولكننا سنحصر كلامنا عن ثقل المليشيات في هذا الملف الخطير، ونقول: إن من أهم أسباب انتشار المخدرات والمتعلقة بالمليشيات هي:
كثرة أعداد المليشيات الرسمية وغير الرسمية واستغلالها لنفوذها العام في البلاد حيث إنها ترى نفسها فوق القانون!
وجود تنسيق مليشياوي مع كبار القياديين السياسيين.
إعطاء حصص مالية لكبار المسؤولين ولتمويل (العمليات العسكرية الجهادية)!
قدرة المليشيات على ترهيب القوى الأمنية سواء الحدودية منها أو تلك التي تلاحق تجار المخدرات!
استعداد المليشيات لارتكاب أي جريمة دون رادع من ضمير أو دين أو قانون!
هذه الأسباب وغيرها جعلت عصابات المخدرات لا تقوم إلا بالتنسيق مع المليشيات فضلاً عن كون بعض زعماء وكبار عناصر تلك المليشيات يتاجرون أصلاً بالمخدرات!
وبعيداً عن أنواع المخدرات المنتشرة في العراق ومنها الكريستال والحشيش والهيروين والحبوب المخدرة التي عادة ما تستخدم لأغراض طبية ومتوفرة في الصيدليات، فإننا سنركز على كيفية تحكم المليشيات في تهريب المخدرات إلى/ ومن العراق.
في بداية شباط/ فبراير 2020 نقلت وكالة يقين الإخبارية نقلاً عن الضابط “محمد خضر” الضابط في إدارة مكافحة المخدرات التابعة لوزارة الداخلية العراقية قوله ” إن العراق وبعد أن كان ممراً للمخدرات إلى الدول المجاورة بات الآن من أكثر دول المنطقة استهلاكاً لهذا النوع من المخدرات، وإن ما يقرب من 70% من المخدرات تدخل العراق من إيران عبر الحدود البرية”!
وختم خضر قوله بالإشارة إلى أنه” وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة الداخلية في متابعة تجار المخدرات واعتقالهم، إلا أن شبكات الاتجار بالمخدرات واسعة ومتشابكة وترتبط بجهات متنفذة في العراق”!
وفي منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، اعترف(رشيد فليح) قائد شرطة البصرة بأن” المخدرات التي تأتي إلى البصرة بنسبة (80%) مصدرها من الجانب الإيراني، وذلك يشمل أنواعاً مختلفة لاسيما (الكريستال)، وأن (20%) من المخدرات لاسيما الحبوب تأتي من منافذ أخرى بما فيها الكويت”!
وهنالك مصادر اشترطت على العديد من الوكالات عدم الكشف عن هويتها، خوفاً من الاغتيال، وقد أكدت بأن ” أحزاباً سياسية وفصائل مسلحة معروفة تقف وراء زراعة الحشيش والقنب في واسط، وأن محافظات المثنى وذي قار والقادسية كذلك تشهد نشاطا متزايدا في زراعة الحشيش”!
وبحسب العديد من المتابعين والمراقبين فإن ” فإن منابع تهريب المخدرات مفتوحة، حيث يبلغ معدل الداخل منها إلى العراق سنوياً قرابة 4 أطنان تستهلك داخل العراق، وهذا فقط ما يتم ضبطه”، أما ما يمر عبر العراق لبقية دول العالم فلا توجد إحصائيات عن تلك الكميات المهربة من المخدرات لدول الجوار العربي والأجنبي عدا إيران لأنها مصدر تلك الآفة القاتلة!
ومع هذه الكميات المذهلة من المخدرات المهربة من إيران نقلت صحيفة (الاندبندت عربية) عن مصادر عراقية قولها إن “السلطات الإيرانية تغض النظر عن كل ما يراد تصديره إلى العراق عبر هذا المنفذ، وأن ميليشيات عراقية موالية لإيران، تضع بعضاً من عناصرها في هذا المنفذ، لإجبار موظفيه على منح أذونات الدخول لكل ما يأتي من جانب الحدود الآخر”.
وتضيف الاندبندنت أنه ” وفي أبريل (نيسان) 2019، أحرج قاض عراقي الحكومة ورئيسها، حين تحدث علناً عن طرق تهريب المخدرات إلى العراق، وقال إن إيران هي المصدر الوحيد، لكن مجلس القضاء الأعلى في العراق، لم يكشف عن اسم هذا القاضي، خشية تصفيته، إلا أنه وزع حديثه على وسائل الإعلام”.
ويقول القاضي، إن “المخدرات المهربة من إيران، عندما تدخل العراق، توضع في توابيت الموتى، بهدف التحايل على حواجز التفتيش في الداخل، وأن أغلب تجار المخدرات هم من أصحاب النفوذ والعلاقات، ويمتلكون دعماً من قوات غير منضبطة تابعة لجهات نافذة، وهنالك معلومات عن سيطرة ميليشيات على منافذ حدودية بين العراق وإيران، وأن ن “المحققين في ملف المخدرات، لديهم تقديرات دقيقة عن المجموعات العراقية المتورطة في عملية تسهيل دخول المخدرات الإيرانية، لكنهم يخشون اتخاذ الإجراءات اللازمة”!
وهذا يتأكد لنا بالأدلة القاطعة أن المليشيات أكبر القوى المتاجرة بالمخدرات وذلك لنفوذها، وتحكمها بالحدود الدولية، وبالنتيجة تعدّ هي الرافد الأكبر للمخدرات في العراق!
إن استمرار سيطرة المليشيات على المنافذ الحدودية سيبقى الباب مفتوحاً على مصراعيه لدخول المخدرات من إيران وغيرها، وحينها سيبقى الانتعاش هو حليف تلك التجارة التي تسحق الأوطان والإنسان والأموال، فمتى تعي حكومة بغداد هذه الحقيقة وتضبط الحدود العراقية – الإيرانية، وتلاحق عصابات المخدرات دون النظر لمن يقف وراءها؟