18 ديسمبر، 2024 11:47 م

 قبل ايام كنت استقل مركبة عامة في طريقي الى زيارة احد الاصدقاء وكان الزحام يفرض على سائق المركبة التأني في السير مما اتاح لي ان امضي الوقت بقراءة الكثير من اللافتات التي رفعت على واجهة المحلات التجارية والصيدليات ولكن حين قرأت هذه اللافتة انتابتني مشاعر مختلفة تداخل فيها العجب والغضب والالم وربما ايضا بعض الشكوك :

اللافتة رفعت على احد المنازل وموقعه متميز كونه في منطقة مدنية مهمة وعلى الشارع العام وبمساحة تعتبر كبيرة قياسا بالبيوت المجاورة .

اللافتة تقول:

(الملك مغصوب …مشكول الذمة كلمن يشتريه)

الملك مغصوب ,انها كلمة عظيمة بل اجدها كلمة رهيبة ان يغتصب ملك وان لا يجد الفرد الذي غصب ملكه عنوة ودون خشية من الله سبحانه وتعالى ومن القانون الذي في الاعم الاغلب ان الغاصب وجد سبيلا الى ليه ليكون موافقا لأمر الغصب لان وراء ذلك شخص متنفذ له ظفر وناب اومحام نال شهادة القانون واقسم على حفظه والدفاع عن المظلومين ففعل خلاف ذلك طمعا في نوال جائزة المال او الشهرة وبهاتين الوسيلتين حكم للغاصب أن يكون مالكا وبأمر رسمي وبشهود وقعوا وثيقة كان نظرهم الى ذلك المتنفذ ربما لرغبة من نوال عطاء او رهبة لتجنب بلاء لكنهم لم يرهبوا خالق الكون خالقهم وبارئهم ولم يخافوا سطوته وما اكثر هؤلاء .

دون وعي مني رحت اردد كلمات دعاء الامام زين العابدين وسيد الساجدين علي بن الحسين بن امير المؤمنين عليهم السلام اذ يقول:

( اللهم إني  اعتذر اليك عن مظلوم ظلم بحضوري ولم انصره ,ومن معروف اسدي لي ولم اشكره ,ومن مسيء اعتذر اليَّ فلم أعذره ,ومن ذي فاقة سألني ولم أوثره ,ومن حق ذي حق لزمني فلم أوفره ,ومن عيب مؤمن ظهر لي ولم استره)

ويل للظالم من دعوة المظلوم فكيف اذا اشترك في هذا الظلم عدا الظالم الغاصب أكثر من واحد بين شهود زور ومروجي معاملات باطلة وعالمين ببطلان ذلك دون ان يساهموا بإظهار الحقيقة  باستنكار او بإشارة او بكلمة او بفعل .

هنا عادت ذاكرتي الى سنوات عديدة مضت حيث صدر امر حكومي  بتهجير الاجانب من جنسيات مختلفة وقد اضيف الى ذلك حكم بوجوب اخلاء المنازل التي يملكونها والاستيلاء عليها من قبل الدولة …هكذا الظلم في كل زمان ومكان …هكذا سطوة الجبروت حين تسخر لها كل الوسائل وتسحق كل القيم وتدوس بعنجهيتها احكام الاديان المقدسة والقوانين الوضعية والقيم والاخلاق.

السيدة أم مريم هي واحدة من تلك العوائل التي شملها هذا الحكم وكانت شابة في منتصف العقد الثالث من العمر وام لطفلين وزوجها رجل مريض وكانت قد جمعت ثمن البيت الذي سكنته لثلاث سنوات فائتة من مبالغ جمعتها بعملها الشخصي أجل بعرق اليمين وتعب اليمين وهو حلال زلال لم يدخله فلس من الحرام …..

اي محنة واجهت تلك السيدة الطيبة الشريفة وما كان لها من سبيل للبقاء الا سويعات من الزمان …تصوروا سويعات فقط ماذا تفعل مع بيتها واسرتها …اي ظلم لا تتزلزل منه السماء والارض ولا تلتهب له حمأة الانسانية لكنهم فعلوا ذلك فعلوا ودونما خوف من الله العظيم ولا خجل من مواجهة انسانية ولا وجل من عقوبة مؤجلة اذ وقع الحكم المعجل ظلما وعدوانا وهكذا المتنفذون لا ينظرون للمآسي ولا يلتفتون لصالح العمل او سيئه لانهم عن الخير محجوبون …صم بكم عمي فهم لا يفقهون ….

ماذا فعلت هذه السيدة…

صعدت الى سطح منزلها ونادت على جارتها العلوية والقت اليها من سطح الدار بحجة البيت قائلة :

(علوية …هذه حجة البيت أمانة الله ورسوله وها انا خارجة الى ما لا ادري  انها امانة الله ورسوله لك ان تتصرفي فيه بما يمكنك منه القدر).

فاضت الدموع من عيون المرأتين ولم يتمكنا حتى من اطالة لحظات الوداع  ومضت كل الى وجهتها وكانتا وعائلتيهما في مواجهة صريحة مع الظلم وذاقا من مأسي الحروب الوانا والوان ولكن في عين كلا المرأتين امر مشترك وهو امر عظيم الا وهو الامانة ما اشد حملها ما اقسى ان تؤديها في ظل اشتداد الخطوب.

…………….