الي قدر كبير جداً كان لاختلاف انظمة الحكم (ممالك مقابل جمهوريات) في المنطقة العربية دور في الخلافات بين الحكومات (و الدول)؛ و دور في ازمات المنطقة التي لا تنتهي احداها إلا بظهور أخري!
الخلاف بين الرئيس ناصر و الملك فيصل بن عبد العزيز يمثل القمة الظاهرة لجبل جليد الخلافات بين جمهوريات العسكر و ملكيات العوائل..
فهذا الاختلاف اليوم هو بمثابة البوصلة التي تحدد موقف الانظمة الملكية من ازمات المنطقة، و حيث انه تصادف و إن أغلب الملكيات تحكم دول اقتصادياتها مستقرة و أغلب الجمهوريات تدير دول تشهد شحاً في الموارد الاقتصادية، فان الدول الملكية تستخدم مواردها لادارة ذلك الاختلاف لمصلحتها بنجاح مخيف!
اليوم يتراوح الاختلاف في انظمة الحكم و يتحرك في مدي أوسع بين انظمة ديمقراطيات ناشئة جمهورية، و جمهوريات “مطلقة”، ثم ملكيات دستورية ناشئة، و ملكيات مطلقة..
زيادة هامش الاختلاف قد يؤشر الي زيادة الازمات الاقليمية مستقبلاً، كما يلقي بظلال علي الاوضاع الراهنة.
منذ اندلاع موجات التغيير في العالم العربي “الربيع” فان الملكيات تتحسس امكاناتها للتدخل و توجيه الاحداث في الطريق الذي يخدم “مصلحتها” تتحسس مواردها و ابار نفطها و صناديقها السيادية، و تنفق انفاقاً كبيراً علي قنواتها الاعلامية “الجزيرة، الجزيرة مباشر، العربي، العربية، العربية-الحدث، اسكاي نيوز عربية، سي ان ان عربية…الخ” و علي الصحف الموالية للخليج “الشرق الاوسط، الحياة، القدس العربي..الخ” و علي مراكز ابحاث اقليمية و دولية تمت اجارتها من قبل هذه المملكة أو تلك!
بل وصل بها الارتباك في اوائل أيام الربيع (يناير 2011م) درجة ان قررت ضم مملكة الاردن و مملكة المغرب لاتحاد دول مجلس التعاون الخليجي!
في الوقت الراهن و منذ تخلي “ناصر” عن احلامه و اوهامه التوسعية تسير التدخلات باتجاه و احد من مملكات “النفط” الي جمهوريات “الفقر”، كان ينبغي علي تلك الممالك الغنية ان تكتفي يتراجع “ناصر” لكن علي ما يبدو ان مخاوفها لم تهدأ منذ ذلك الوقت! أو ان التراجع و النصر اغراها بمزيد من “الفتوحات”!
اذ ثمة اختلافات اعمق تعود لطبيعة التركيبة السكانية و الإجتماعية و التجربة السياسية اضافة للعامل الدولي كلها كانت تصب في مصلحة ان تسير ممالك النفط في طريقها و تترك جمهوريات “الفقراء” تشق طريقها، لكنها اختارت ان تقمع التطور داخلها و تقمعه عند غيرها، و لو انها امتلكت الامكانات لمنعت اي تغير و تطور يحدث في اي ركن من اركان الأرض الاربعة!
بينما في الواقع ثمة بوصلة واحدة تحكم الجميع من الجمهوريات المطلقة الي الملكيات المطلقة و هي بوصلة و مؤشر سهم التاريخ و الذي يشير في نهاية تردده الي إتجاه واحد هو التقدم و هي بوصلة لا تستمع لاعذار و لا مبرارات.
اذ في الختام ستسير كل الشعوب باتجاه قدر اوسع من المشاركة السياسية و قدر اكبر من تطبيق الحريات السياسية و القيم الديمقراطية.
لذا يجب علي الملكيات المطلقة ان تسير علي مهلها باتجاه حركة التاريخ قبل ان تُدفع مكره للسير في الطريق الذي تجهله! عليها ان تتجه رويداً باتجاه الانتقال لوضع الملكيات الدستورية “الاسر التي تملك و لا تحكم” و الحكومات المقيدة بدستور “عقد عام، عقد اجتماعي و سياسي” و بحكم القانون، و كخطوة اولي عليها ان تتحول الي ملكيات سيادية اي حكومات ملكية تشرك المواطن في تقرير مستقبله في الشأن الاقتصادي و المالي و الخدمات فيما تقرر هي في شأن الحرب و السلم و العلاقات العسكرية و الامنية الخارجية.
لهذا الغرض “التحول لملكيات سيادية؛ تمهيداً للانتقال لمرحلة الدستورية” علي تلك الملكيات ان تطور نظامها للحكم المحلي الديمقراطي بمجالس بلدية منتخبة انتخاباً حراً، و إن تجري انتخابات عامة دورية لاختيار اعضاء برلمانات “مجالس تشريعية و رقابية” بسلطات كاملة بما فيها التصويت لاختيار اعضاء الحكومة و منحهم الثقة و تجريدهم منها و اسقاطها و التصويت علي برامجها.