يحتل الملف الإيراني وسط كل التجاذبات السياسية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط، أهمية كبيرة في برامج مرشحي الرئاسة الامريكية على مستوى الحزبين البارزين: الحزب الديمقراطي، والحزب الجمهوري، وبعد ان اقرت اللجان المسؤولة على الترشيح في كلا الحزبين ممثلي كل حزب لحوض الانتخابات الرئاسية المقبلة في الرابع من نوفمبر من هذا العام2020، حيث اقر الحزب الديمقراطي نائب الرئيس الأمريكي السابق جون بايدن كمرشح له، فيما يمثل الرئيس الحالي دونالد ترامب الحزب الجمهوري.
يعتقد الكثير من المتابعين بان البرامج الانتخابية لكلا الحزبين مختلفة في النظر الى الملف الإيراني لاسيما فيما يخص طريقة التعامل مع ملفها النووي، وسلوكها الإقليمي، على اعتبار ان الإدارة الديمقراطية السابقة بقيادة باراك أوباما توصلت الى اتفاق عملي مع ايران وساد نوع من التفاهم بين الطرفين وكانت هناك تسوية للملفات الإقليمية الشائكة ومن ضمنها الحرب على الإرهاب والملف السوري والعراقي، لكن صعود إدارة جمهورية بقيادة ترامب الغى كل شيء وأعاد التوتر بصورة غير مسبوقة وكادت في اكثر من مناسبة الى تدخل المنقطة في حرب لكن رغبة الطرفين في تجنب الحرب قد منعا ذلك.
بعد أن أصبح جو بايدن المرشح الرسمي للانتخابات الرئاسية عن الحزب الديمقراطي، حدث سريعا ما هو متوقع، وهو تصدر بايدن استطلاعات الرأي بفوارق كبيرة. كذلك الفترة المتبقية من الان وحتى موعد الانتخابات في بداية شهر نوفمبر، وكذلك المجمع الانتخابي يفسح المجال التي قد تكون مفاجئة بالنسبة لاستطلاعات الرأي، يتوجب التعاطي بحذر مع فرضية فوز جو بايدن بمنصب الرئاسة. ويشير خبراء بان جون بايدن في حال فوزه، ستكون له قضيتان أساسيتان وعاجلتان، الأولى جائحة كورونا فايروس وانتشارها في الولايات المتحدة، والثانية تتمثل في ضرورة حسم أمره بشأن أزمة الملف النووي الإيراني، لاسيما بعد أن ذهبت إدارة ترامب، إلى الحد الأقصى من الضغوط، ولم تحقق بعدها فوزا أو إنها تعرضت لبعض الهزائم عندها سيصبح بايدن، في حال فوزه بالرئاسة، أمام اختبار صعب أو لحظة حاسمة.
اما فيما يتعلق بسياسات دونالد ترامب المعروف عنه موقفه المتشنج من ايران وقد بادر فور فوزه برئاسة البيت الأبيض بالانسحاب من الاتفاق النووي الموقع متجاهلا كل الدول التي وقعت ورعت هذا الاتفاق، اما في حال فوزه في دوره رئاسية ثانية فيدو اما امرين: الامر الأول والذي اعلن عنه في الأيام الأولى من حملته الانتخابية من انه سيجر ايران على التفاوض او يتفاوض معها، وهو هذا الامر من الناحية الامريكية ليس بجديد اذ عرض ترامب في عدد من المناسبات فرضية المفاوضات لكن ايران رفضت مشترطة العودة الامريكية الى الاتفاق وهو السيناريو سيتكرر في حال فوز ترامب اذ سيتشبث الطرفين بمواقفهما أي ان أيران سترفض التفاوض مالم يعد الامريكان الى الاتفاق في حين سيدعو ترامب ايران مجددا الى التفاوض، والسؤال هنا في حال لم يصل الطرفان سواء فاز ترامب او بادين الى تفاوض؟ صحيح ان جون بايدن يقول انه يمتلك الأدوات في عودة ايران الى التفاوض لكن اذا ما سار على نهج ترامب في إبقاء الإلغاء للاتفاق النووي، يُعتبر الموقف من الاتفاق النووي مع إيران، أمرا لا يزال ملغزا، وهو ذو صلة بمدى قدرة بايدن على التأثير في السياسة الدولية. وحتى الآن هو لا يعرف ما إذا كان سيعود إلى الالتزام بالاتفاق النووي كما يرغب قطاع كبير من مؤيديه ومنتسبي الحزب الديمقراطي، أم إنه سيقف بقوة وراء طلب “تنازلات” إيرانية جدية، ويستكمل سياق الضغوط التي بدأها سلفه ولم تؤد إلى نتيجة؟ اما إذا رجع بادين الى الاتفاق فان المسالة بالنسبة لإيران تعد شبه محلولة، وعليه كيف سيحل التوتر الأمريكي الإيراني إذا ما أصر أي من المرشحين على الغاء الاتفاق دعوة إيران الى التفاوض مجدد على مسائل تخص الاتفاق وعلى سياسات إيران ونفوذها الإقليمي.
من جانب ثاني يرى الكثير فيما يتعلق بالشرق الأوسط بوجهاً عام هناك تشابه إلى حداً ما بين سياسات دونالد ترامب وجو بايدن، فيما يتعلق بتقليل الارتباط الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط وتقليل الدور القيادي فها. والأمر أصبح توجه استراتيجي للولايات المتحدة ولا يرتبط بشخصية رئيس معين، ويرجع بشكل أساسي إلى انخفاض الأهمية الاستراتيجية للمنطقة في منظومة المصالح الاستراتيجية الأمريكية، وظهور فرص وتهديدات في مناطق أخرى على رأسها القارة الأسيوية، اما بالنسبة لما يتعلق بالأوربيين كشركاء كان لهم دورا كبيرا في التسوية بين الولايات المتحدة وإيران، لم يقفوا مع إدارة ترامب في أي تصويت من هذا النوع، وستكون لهم منهجية أخرى في التعاطي مع إيران، ويبدو أنهم حصلوا من إيران على تطمينات، غاية الإيرانيين منها إثبات عقم السياسة التي اتبعتها إدارة ترامب حيال إيران، من خلال مرونة أضمرتها إدارة الرئيس الإيراني حسن روحاني.
وذهب قسما اخر من المراقبين وهم من المتحمسين الى ساسة القوة اتجاه إيران بان ترامب سيحظى بولاية ثانية وان لم يفز فان جون بايدن سيكمل ما بدأه ترامب، وان ترامب في ولايته الرئاسية الثانية من خلال هذه الدورة لتنفيذ ما يريده صقور الحزب الجمهوري لاسيما وانه سار قدما في اجبار الخليج على التطبيع وانجاح ما يعرف بصفقة القرن وهذا التطبيع الخليجي الإسرائيلي قد يكون ما يقابله في الاشتراطات الخليجي اضعاف إيران إذا لم يكن تدميرها. او جعل تعاني الامرين تحت سياسات التهديد والعقوبات الاقتصادية واستعمال العنف ضد حلفائها الإقليميين. اما التصور بالحرب المباشرة الذي يذهب اليه أنصار هذا الاتجاه فهذا برينا غير وارد في الفترة القادمة لأنه تداعياته السياسية والاقتصادية والعسكرية لا تكون في صالح القوى المحاربة وقد يكرر سيناريوهات سابقة في الشرق الأوسط لا تزال كل الدول تعاني من تداعياتها. حتى دول الخليج العدو اللدود لإيران لا تريد ذلك اذ انها تخشى الأسوأ من غياب الدولة او صعود الأشد من النظام السياسي الحالي او حتى ان تصبح إيران صديقا للولايات المتحدة وهذا ما لمسناه من تقرب إدارة أوباما مع إيران.
ومما تقدم في تلخيص سياسات المرشحين لرئاسة البيت الابيض اتجاه الملف الإيراني تتمثل بالآتي:
ان السياسة الخارجية لا تزال من اهم عناصر الحملات والبرامج الانتخابية لمرشحي الرئاسة الامريكية
ان السياسة الخارجية ومسالة الشرق الأوسط تكاد تكون متقاربة والعامل الأساس فيها هي المصالح والحفاظ على مصالح الولايات المتحدة.
لا تزال إيران تشكل أهمية كبيرة في برامج مرشحي الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي.
ان مسالة العودة الى الاتفاق كسابق عهدة مسالة غير واردة حتى في حالة فوز مرشح الحزب الديمقراطي جون بايدن عندما كان نائبا للرئيس الذي كان من أبرز الداعمين للاتفاق ابان إدارة أوباما.
ان مسالة المفاوضات في المرحلة القادمة واردة جدا حتى وان أعلنت إيران شروطها، لكن في قبال تنازلات مقابلة واهمها الجوانب الاقتصادية ومصالح إيران في الإقليم.
خيار الحرب يبقى مستبعدا حتى في حال فوز ترامب بسبب اثار الحرب والسيناريوهات الغامضة في مرحلة ما بعد الحرب، وإذا ما وقعت في تكون محدودة من لأضعاف القدرات العسكرية لإيران، وحماية المصالح الامريكية والإسرائيلية في الخليج.