8 أبريل، 2024 6:38 ص
Search
Close this search box.

الملف الأمني مسيطر عليه

Facebook
Twitter
LinkedIn

في العام 2010 كان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون.. كعادته كل يوم متوجهاً الى مقر عمله في (10 داوينينغ ستريت) في وسط لندن.. كان الزحام شديداً.. ومن أجل أن لا يتأخر عن وقت دوامه ترجل الرجل من سيارته.. واتجه الى مقر عمله مشيا على الأقدام.. يسير خلفه شخص واحد أنيق في ملبسه.. ولا يظهر على هيئته انه مسلحاً.. وفي تلك اللحظة صادفه صحفي التقط له عدة صور.. ثم تقدم إليه.. وسأله عن خطورة سيره بهذا الوقت والزحام.. ابتسمً بروان وقال له: (الملف الأمني مسيطر عليه).. وتكررت الحالة.. حتى أصبح ذهاب رئيس الوزراء البريطاني بشكل متواصل الى مقر عمله بواسطة القطار.. وحتى ذهابه الى المدن الأخرى البريطانية.. وليس مثل ربعنة بطائرة خاصة !!
وعلى نفس المنوال: فقد كان صيف العاصمة الايطالية (روما) ساخناً جداً العام 1980 بين الأجهزة الأمنية الايطالية وعصابات المافيا.. وعمليات الاغتيال مستمرة في وضح النهار لشخصيات سياسية بارزة وعلى كبار القضاة.. وكان جو روما ينذر بخطر.. وفي إحدى صباحات ذلك الصيف كنتُ (أنا كاتب هذه المقالة) متوجهاً الى مقر عملي في روما.. وكان الزحام في ذروته.. عندما شاهدتُ الرئيس الايطالي ألساندرو بيرتيني يترجل من سيارته.. ويتوجه الى القصر الجمهوري مشياً على الأقدام.. من دون حمايات أو طقطقة السلاح أو قطع الشوارع.. (بالمناسبة الرئيس برتيني أكبر عمراً من الرئيس جلال الطالباني.. وأسمن منه).. المهم لم أصدق عينايً لهذا الموقف.. وتكررت الحالة في روما العام 1985 عندما ترجل الرئيس الايطالي الآخر فرانشيسكو كوسيغا من سيارته واتجه الى مقر عمله.. والذي يبعد حوالي عشرين دقيقة.. من أجل أن لا يتأخر عن موعد دوامه احتراماً للأنظمة والقوانين.. بلا حمايات ولا قطع شوارع.. غير آبه للأخطار المحدقة لمثل هذا العمل !!
وفي العاشر من نيسان العام 2012 أخذ “مارك روتتي” رئيس وزراء هولندا يذهب الى مقر رئاسة الوزراء على دراجته لحضور الاجتماع الأسبوعي لجلس الوزراء.. بسبب شدة الزحام الصباحي.. التزاماَ بالحضور الى مقر عمله في الوقت المحدد.. بلا موكب رسمي.. ولا قطع شوارع.. ولا مزيقة ..
وبالرغم من إن الأوضاع في الدول الأوربية في هذه الأيام غير مستقرة نسبياً.. وقيام هجمات لداعش في باريس وستوكهولم.. فإن رؤوساء وزراء بريطانيا وكندا وهولندا والسويد وغيرها.. ما زالوا يركبون دراجاتهم الهوائية في تجوالهم في مدنهم.. وحتى الحضور الى مقرات عملهم إذا تطلب الأمر ..
أما عندنا في العراق: فمنذ العام 2010 والمسؤولين عندنا يكررون ليل نهار عبارة (الملف الأمني مسيطر عليه).. والمفخخات على كيفه إطك ببغداد وفي جميع المحافظات.. ويخرج الناطق العسكري الرسمي عبر شاشات الفضائيات ليبرر كل هذه التفجيرات بكلام هو نفسه لا يصدق فيه.. وفي اليوم التالي يعلن بيان: (القينا القبض على المخطط والعقل المدبر للانفجار.. ودمرنا.. ووووووووووو الى ما شاء الله).. وتكرر الحالة كل عدة أيام.. و(الملف
الأمني مسيطر عليه) .. لكننا لم نسمع ولم نشاهد هؤلاء الملقى القبض عليهم ينالون جزائهم العادل.. بل هم مرتاحين ويتناولون أفضل من الطعام الذي يتناوله جنودنا البواسل ..
وفي العاشر من حزيران العام 2014 احتلت داعش الموصل بلا إطلاق رصاصة واحدة.. وخرج علينا رئيس الوزراء في اليوم التالي ليقول: (الملف الأمني مسيطر عليه).. وسنعيد الموصل خلال 24 ساعة).. وبدل من إعادة الموصل احتلت داعش خلال شهرين : محافظات الأنبار وصلاح الدين وربع كركوك ونصف ديالى.. ومحيط بغداد الى أسوار الحلة.. و(الملف الأمني مسيطر عليه) ..
وبعد سنتين من الحرب الطاحنة ضد داعش أعدنا 40 % من الأراضي المأهولة بالسكان التي اغتصبها داعش.. وما زالت: الموصل مختطفة.. والوليد والشرقاط.. والرطبة..والقائم.. وحوض الفرات.. والفلوجة.. والكرمة والصقلاوية.. وصحراء الأنبار.. وصحراء سامراء.. وبساتين ديالى.. وربع كركوك.. ومحيط جبال مكحول.. وناحية بشير ومحيطها.. وشمال صلاح الدين جميعها بيد داعش ..
وما زالت عصابات الجريمة تتجول بحريتها وتسرق محلات الصيارفة بشكل مستمر.. وما زال الخطف للبشر يعم كل مدن العراق وما زال الحديث بوجود ترهل وفضائيين في أجهزتنا الأمنية.. وما زالت عقود السلاح يشوبها تهمة الفساد.. وما زال المسؤولون يرددون عبر كل الفضائيات (الملف الأمني مسيطر عليه)..
وقرابين شهداء الوطن زرافات.. ولم يخرج لنا مسؤول أمين وصادق ويقول : (أين وصلنا ؟ وما المطلوب ؟؟) معززاً أقواله بالخرائط والوثائق.. ليعرف الشعب حقيقة الأمر.. وماذا يتطلب ؟؟؟؟؟؟؟؟

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب