9 أبريل، 2024 2:12 ص
Search
Close this search box.

الملحن الشهيد

Facebook
Twitter
LinkedIn

لا أحد يستعيد في ما يمكن أن يعتبر ‘ثقافة’ في العراق اليوم سيرة وألحان الموسيقار الشهيد محمد عبدالمحسن مثلا، لأنه في استشهاده إدانة مجلجلة لإرهاب أحزاب إيران في العراق.

ليس لأن الأمر مُحيّر في فهم طبيعة الشخصية العراقية في علاقتها مع وطنيتها منذ عام 2003، بل لأن الزمن الشاذ من تاريخ العراق المعاصر، تفوق في تأثيراته على طبيعة التفكير وخيارات الوعي الحضاري، فأضحت الثقافة السائدة هي المثال، وتنازل الإبداع لتكون الضحالة والتخلف نموذجا، فالذاكرة العراقية تخلت بشكل مخيف عن تاريخها وما تستعيده اليوم سوى صور من التخلف العشائري والديني لتكون هي الهدف في صناعة الفن على سبيل المثال، ومثل هذا الأمر يمثل نجاحا باهرا للقوى الدينية التي سيطرت على العراق ونجحت في التأثير على أهله، فصارت ذاكرتهم عمياء في استعادة المشرق من إبداعهم المعاصر بل والتنكيل بما هو مشرق من إبداعهم كما حصل في قيام ناقد فني وشاعر بتشويه القيمة التعبيرية الباهرة للألحان الوطنية لعميد الغناء العراقي عباس جميل، تحديدا ما أدته الفنانة مائدة نزهت.

وما يستعاد اليوم من إبداع وفن عراقي سواء من عقود الخمسينات حتى الثمانينات من القرن الماضي، فهو استعادة مشوهة من أجل هدف واحد لا غير يتمثل بنتاج ثقافة المذهب والملة والقبيلة وغياب تام للوطنية.

يراد للعراقيين أن ينسوا المشرق من إبداعهم، من أجل هدف طائفي محض، وهذا ما يعتبره الباحث ب. أديلمان في مقدمة كتاب “سيكولوجية الجماهير” لغوستاف لوبون، إحلال السياسة محل الدين، ولكنها تستعير منه نفس الخصائص النفسية، بمعنى آخر أصبحت السياسة دينا معلمنا، وكما في الدين فقد أصبح البشر عبيدا لتصوراتهم الخاصة بالذات.

لا أحد يستعيد في ما يمكن أن يعتبر “ثقافة” في العراق اليوم سيرة وألحان الموسيقار الشهيد محمد عبدالمحسن مثلا، لأنه في استشهاده إدانة مجلجلة لإرهاب أحزاب إيران في العراق، فقد سقط مضرجا بدمائه في الانفجار الشهير الذي استهدف مبنى الإذاعة العراقية عام 1983 وتبناه حزب الدعوة الإسلامي بابتهاج كبير آنذاك.

محمد عبدالمحسن قدم درسا إبداعيا وطنيا باهرا في أنشودة “عرس الكاع” التي ظلت ترنيمة للعراقيين، فاقت في تعبيريتها الموسيقية وحسها الوطني قدرة التاريخ على تهميشها.

كان يمثل في ألحانه ترنيمة بغدادية مفعمة بالعشق، كما في أغنية “سلم” التي أعادت غناءها الفنانة أمل خضير.

الفنان الشهيد أدار قوس الكمانات الحزينة في لحن باذخ لصوت ياس خضر “مسافرين” عندما طرز الستائر لشبابيك الحب.

كذلك تغيب العراقية المخلصة والعميقة في كل ما يشاع اليوم من ثقافة، عندما تفقد القوى الأخلاقية التي تشكل هيكل المجتمع زمام المبادرة من يدها، فإن الانحلال النهائي -وفق لوبون- يتم عادة على يد الكثيرة اللاواعية والعنيفة التي تدعى عن حق البرابرة.
نقلا عن العرب

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب