حتى من قبل أن تبدأ تحقيقات الخبراء في العمليات التخريبية التي وقعت في ميناء الفجيرة بدولة الإمارات العربية المتحدة توجهت الأصابع المحلية والإقليمية والدولية كلـُها نحو النظام الإيراني، متوقعة أنه، وليس غيره، مَن قام بها، حتى وإن لم تثبت عليه التهمة بالأدلة الملموسة الدامغة، وذلك لأنه النظام الوحيد الذي جعل الإرهاب والقتل والغدر والتخريب، منذ ولادته قبل أربعين سنة، هويته التي يعيش عليها، ويتمسك بها، ويكسب قوته برزقها.
فمن أربعين سنة وهو يرتكب الجريمة بعد الجريمة ضد معارضيه داخل إيران ذاتها، وفي الدول المجاورة والمنطقة والعالم، حتى صار العدو الأول والأوحد، والأكثر خطورة، لملايين الناس في المنطقة والعالم، ولحكومات عديدة تسعى لإسقاطه وتخليص البشرية من تخلفه وغبائه وهمجيته ودمويته، فيريح ويستريح.
فقد ظل يتوهم، على امتداد زمن طويل وثقيل، بأنه قادرٌ على الاستمرار في خداع العالم، وقهر الشعوب، وتحدي الإرادة الدولية، إلى ما لا نهاية.
إن مشكلة علي خامنئي، وهو الحاكم المطلق الأوحد في إيران، تكمن في اعتقاده بأن أساليب الغدر والاحتيال والمراوغة والعنف والتطرف واستئجار الإرهابيين وتمويلهم وتسليحهم واستخدامهم في معاركه الخارجية لتحقيق مشاريعه الاحتلالية ذكاءٌ وشطارة.
عجايب. إذن كيف يكون الغباء وعمى البصر والبصيرة، وكيف يكون الجهل بتقلباتالزمن ومصائبه التي لا تؤتمن؟.
فكم من امبراطورية، في التاريخيْن البعيد والقريب، غرَّتها انتصاراتُها السريعة السهلة على الأمم والشعوب التي غزتها، ثم انقلبت تلك الانتصارات، فجأة، وأصبحت هزائم،فدالت دولتها وتفرق شملها، وأصبح ذكرها الأسود حكاية عابرة في التاريخ يتندر بها الوارثون.
وها هو المرشد الأعلى، اليوم، في ذروة تسارع حشود ترمب المدمرة، وتضامن أغلب دول الإقليم وشعوبها معه، لأنه عدو عدوي، ومع اقتراب ساعة الانفجار الكبير، ما يزال منتفخا نافشا ريشه، ومعتقدا بخروجه سالما من هذه المعركة، وبأن مجاهدي حرسه الثوري ووكلاءه العراقيين واللبنانيين والسوريين واليمنيين سيقاتلون دفاعا عنه، حين تحين الساعة، وبأنه، بهم، سيقلب الأبيض أسود والأخضر أحمر على من يعاديه، حتى لو كان رئيس أمريكا الجبارة، وريث الإسكندر المقدوني، أو طرزان.
ففي أول رد له على حشود ترمب الجوية والبحرية الضاربة في منطقة الخليج، تبجحوتذاكى وتفقه وقال “إن الأمة الإيرانية عازمة على مقاومة الشيطان الأكبر، وستُرغم أميركا على التراجع“.
تماما مثلما ظلَّ، قبله، حكامٌ عديدون صمٌ بكمٌ عميٌ في السياسة والعسكرية وألاعيبها مراهنين، وهم يسمعون هدير البوارج من حولهم، وأزيز القاذفات المدمرة من فوقهم، على عدم قدرة أمريكا على غزو بروجهم المشيدة، ومُصدقين بأن أبطال جيوشهم وشجعان حرسهم الجمهوري وكتائب فدائييهم والملايين من عشاقهم حول العالم، قادرون على تكسير رأس أمريكا، وتركيع رئيسها، وردع جيوشها، فجاءهم الموج من حيث لم يحتسبوا، وفي ساعاتٍ كانوا من المُغرقين.
ومثلما خرجت ألوفٌ من مواطنيهم الذين كانوا إلى الأمس القريب يهتفون لهم بالروح بالدم نفديك يا زعيم ليضربوا تماثيلهم بالأحذية، ومثلما تبخرت جيوشهم وجحافلهم وجماهير عشاقهم مع أول دبابة أمركية تصل إلى قلب العاصمة سيفعل الإيرانيون المجندون في الحرس الثوري وفيلق القدس، والألوف من وكلاء الولي الفقيه المبالغين في تعهداتهم بالدفاع عنه وعن ولايته حتى آخر نفس، وسيرتدون عباءات النساء، وسيندسون بين جموع المحتفلين بسقوط الطاغوت.
فأي ذكاء هذا الذي أغلق البلاد على أهلها، واستدرج، بعناده وصلفه وغروره، كلَّ هذه الجيوش المجيشة لقتل أبنائهم، وتدمير بلادهم، وقطع أرزاقهم، وتجفيف آخر موارد الدولة التي لم تكن، حتى وهي في عز عافيتها قبل العقوبات، كافية لسد حاجة الملايين الفقيرة من الإيرانيين الذين اعترف عضو اللجنة الاجتماعية البرلمانية، رسول خضري، في حديث لصحيفة ( اعتماد) الإصلاحية بأن ”أكثر من 40 مليون إيراني يعيشون الآن بشكل واضح تحت خط الفقر، وعلينا أن نقبل هذه الحقيقة“.
إننا لا نتشفى بما يحدث للشعب الإيراني، ولكنه الفرح الغامر والحلال والمشروع بقرب نهاية الظلم والجهل والقتل والغدر والفساد والتخريب، ليس للعراقيين واللبنانيين والسوريين والفلسطينيين واليمنيين وحسب، بل للشعب الإيراني نفسه، بكل تأكيد.
فسقوط النظام الإيراني، أو نزع أظافره وقلع أنيابه المسمومة يعني ولادة جديدة وحرية وعتقا وبردا وسلاما للعراق ولبنان وسوريا واليمن وفلسطين، وأمنا حقيقيا لكل شعوب المنطقة والعالم، مع الاعتذار لمقتدى الصدر الذي أعلن أن “كل من يفرح بإيران ذو نفس بعثي أو إرهابي أو ذو صبغة طائفية، أو عدو للإنسانية”. ترى هل قال الشيء نفسه لوليه الفقيه على ما فعله وما يفعله جواسيسه بالبلاد وبالعباد؟.