22 ديسمبر، 2024 11:36 م

الملائكة والجن والشيطان وإبليس

الملائكة والجن والشيطان وإبليس

هذه الكائنات كائنات غيبية، تحدثنا عنها الكتب (المقدسة)، بما فيها القرآن. من الناحية العقلية المحضة، ليس للعقل دليل على نفي إمكان وجود هذه الكائنات، كما إنها ليست من الضرورات العقلية، ولكنها من ضرورات الدين. فالمؤمن بدين يعتبر من خلال إيمانه به وبكتابه المقدس وحيا إلهيا، وبالتالي فهو مصدر معلومات موثوق، فيما لا يعلم المرء بوجوده أو عدمه، وحيث أن الممكن العقلي، أي ما هو ليس بالواجب ولا بالممتنع، إنما يُصدَّق به إثباتا أو نفيا، إما بالعلم المباشر، أو بالنقل عن مصدر موثوق من صدقه عند المتلقي. ولذا لا يمكن القول عن الإيمان بهذه الكائنات إنه بالضرورة ضرب من الخرافة، فحتى العلم الذي لا يؤمن إلا بالتجربة لا ينفي احتمال وجود كائنات حية من طبيعة أخرى غير طبيعة الإنسان، أو طبيعة ما تعرَّف عليه من كائنات حية أخرى. نعم لا ينبغي الاستغراق في هذه الغيبيات، وتكلف التعرف على تفاصيلها أكثر مما حدَّث به مصدر الخبر الموثوق (على سبيل المثال القرآن لدى المسلمين)؛ تلك التفاصيل التي لا يكون المؤمن مكلفا بمعرفتها، من حيث إنها تمثل علما لا ينفع من علمه، ولا يضر من جهله، علاوة على أنه ليس من ضرورات الدين التعرف عليها تفصيلا بل إجمالا، بل قد يكون تكلف تلك المعرفة مخالفا للدين، لما يختزن من خطر الوقوع في الخرافة، أو تضييع الوقت والجهد فيما لا ثمرة فيه.

لكن إذا ما توصلنا إلى قناعة أن الأديان كلها عبارة عن نتاج بشري، وليس منها ما هو وحي إلهي، ولكون الأديان حصرا تحدثنا عن هذه المخلوقات (الملائكة، الجن، الشيطان، الجنة، النار)، وبسبب ما يترتب على هذا الموقف من الأديان سلبها الثقة كمصدر لأخبار الغيب، يكون ذلك مبررا لترجيح عدم وجود هذه المخلوقات على دعوى وجودها، والاقتصار على الإيمان من أمور الغيب (الميتافيزيقا) على ما يقره الدليل العقلي حصرا، وعلى ما يوجب العقل صدقه، لمن يقتنع بذلك الدليل، أما ما يترك العقل المجرد والمحايد باب احتمالات صدقه أو عدم صدقه في حيّز الممكنات العقلية المدعاة حصرا من قبل الأديان، فلا ينفع التصديق بها مصدقها ولا تضره، كما لا يضر غير المصدق بها عدم التصديق، كما لا يضره تكذيبها، لذا يكون من الحكمة ترك الخوض فيما لا ينفع العلم به عالمه، ولا يضر الجهل به جاهله.