المقدمة:
مع بدأ كتابتي لهذه المقالة والتي عنونتها في بادئ الأمر (كيف نعوّض الشعب الأيزيدي جزءاً من تضحياته؟)، وحيث كانت الفرحة تعلو وجوه العراقيين جميعاً إلا أنها سرعان ما تلاشت بسبب الأخبار المؤسفة التي تلت التحرير والتي تم توثيقها وللأسف بعمليات الإنتقام والحرق والنهب التي طالت الجميع دون إستثناء وكان المتهم الأول فيها البعض من مقاتلي الجحفل الأيزيدي وبسكوت مطبق من السياسيين والقادة العسكريين المشرفين بشكلٍ مباشرٍ على عمليات تحرير سنجار!!، وحيثُ أعطت مردوداً سلبياً للتعاطف الكبير مع هذا المكوّن في محنته، وبكل تأكيد ان من قام بهذا العمل ربما يجد العذر لنفسه بفقدانه لعائلته أو جزءاً منها ولممتلكاته، إلا أن الإنتقام غالباً ما يكون أعمى البصيرة لا يفرّق بين أخاً مجرم ساعد الدواعش وآخر بكى وتألم لفعل أخيه ضد جيرانه، فأخلاق قابيل غير أخلاق هابيل، وبناءاً عليه تقع المسؤولية الأخلاقية والإنسانية على عاتق المثقفين وأصحاب العقل الراجح من المكوّن الأيزيدي على لجم جماح المتسرعين في الإنتقام الشامل من المواطنين الذين لا ذنب لهم إلا كونهم أقارب المجرم الذي إنتهك الأعراض وسلب وقتل الأبرياء من الأيزيديين، فإذا يجزي الضحية الذنب بمثله من أشخاص لا ذنب لهم إلا كونهم أقارب المعتدي فما الفرق بين الطرفين!!، وهنا يكمن الفرق بين الفارس النبيل المدافع عن أرضه وعرضه والسافل المرتزق المتجرّد من إنسانيته، وكيف سيأتمن أهل الموصل والقرى المجاورة الشرفاء الأبرياء الذين يحسبون الأيام والساعات للخلاص من داعش من الذين سيحررونهم!!، وحيثُ سيتوجّس أغلبهم من أنهم سيقعون أيضاً ضحية رد الفعل (للمحررين) الذين سوف لن يفرقوا بينهم كأسرى عند داعش وبين سجانيهم الداعشيين؟، فأنا شخصياً فقدتُ أقارب من الدرجة الثانية كشهداء في الموصل وأكثر من أربعة عوائل من الدرجة الثانية هُجّروا وخَسروا ممتلكاتهم وخرجوا بملابسهم فقط ومن بينهم المريض والكبير بالسن، كذلك أكتوى الكثيرون من الأقارب والأصدقاء بنار داعش المستعرة، فهل يُعقل أن أدعو للإنتقام من جميع الموصليين!! الذين لا تزال تربطني وإياهم روابط الأخوة والمودة والوطن الواحد، وحيثُ أعلم بأن الكثيرين منهم وقفوا معرضين أنفسهم للهلاك وصارخين بوجه الدواعش ومرددين ” لا إكراه في الدين”، أقول هذا مع ما أشعر به من ألم على ضحايا العنف من أي مكوّن كان وليهدئ الله النفوس ويلجم الحقد ويحكّم لغة العقل على لغة الإنتقام.
فالمكوّن الأيزيدي مكوّن مسالم موغل في أعماق أرض العراق منذُ آلاف السنين وهو من أقدم المكونات الأصيلة للشعب العراقي، ويبلغ تعداده حسب الإحصائيات الأخيرة الغير رسمية بحدود نصف مليون نسمة يتوزع ما بين سنجار(شنگال) وشيخان والعديد من الجبال والمناطق المجاورة، وقد تعرض الى حملات إبادة كغيره من المكونات وعلى فترات مختلفة من تاريخ العراق بسبب الفهم الخاطئ لطبيعة معتقداتهم من قبَل البعض المتشدد من المتنفذين أو أصحاب القرار.
ومع بدأ عملية تحرير قضاء سنجار(شنگال) بدماء أبناءه وبمساعدة رئيسية من قوات البيشمركة المتجحفلة مع جحفل الأيزيديين المهجّرين وطيران التحالف الدولي، وبعيداً عن المزايدات السياسية ومخططاتها النفعية، فقد أزفت ساعة الثأر من ذئاب الصحارى وثعابينها ومع الساعات الأولى من فجر يوم الخميس المصادف الثاني عشر من تشرين الثاني/2015، حيثُ إبتدأت عملية تنظيف القضاء من حثالات المرتزقة للدواعش الذين لم يصمدوا غير يومين لا أكثر ثمّ إنهاروا تحت وابل نيران جهنم التي صُبّتْ عليهم من كل الجهات ومن سماءِ القضاء لتحيلهم الى ركامِ وجيَفٍ عَزفت حتى كواسر الجبال عن التهامهم.
لقدْ زُفّت تباشير النصر الى كل أبناء الشعب العراقي من زاخو الى الفاو مستبشرة بقرب تحرير الرمادي ومهيأة الظروف اللوجستية لحرقِ من تبقى من الدواعش في نينوى العظيمة وتوابعها.
إن إحتلال “داعش” لموطن الأيزيديين والجرائم التي إرتكبتها عصاباته بحق أبناء هذه الطائفة والطوائف الأخرى من المسيحيين والشبك وغيرهم سلطت الأضواء محلياً وإقليمياً ودولياً على الكثير من الإعتقادات الخاطئة التي كان يستند عليها البعض في الحكم على المكونات المغيّبة من واقع المواطنة الكاملة والغير منقوصة وكأي مواطن آخر له حق الحصول على كافة الحقوق التي كفلها الدستور العراقي.
ومما يُذكر بان سنجار(شنگال) سقطت بعد أسابيع من سقوط الموصل (في بداية شهر آب 2014م) بيد المتشددين المرتزقة الذين دفعت بهم دول إقليمية وهيأت كافة التسهيلات لهم لإحتلال جزءاً من العراق ولأغراض سياسية بحتة.
إن على الحكومتين الفدرالية والإقليمية في كردستان/العراق واجب تقديم المساعدة الفورية والعمل الفوري مع الدول المانحة والمنظمات الإنسانية الأخرى لإعادة تأهيل قضاء سنجار وأزالة كل آثار الدمار والعبوات الناسفة وبناء الوحدات السكنية وتمليكها للعوائل الأيزيدية وبشكل مباشر، ولبقية المكوّنات الأخرى من العرب والأكراد الذين كانوا يسكنون القضاء أيضاً، ومحاولة إصدار قرار برلماني واضح تسعى للحصول عليه البرلمانية “فيان دخيل” ممثلتهم في البرلمان وبمساعدة بقية النوّاب، وهو الوسيلة الأنجع للحفاظ على ما تبقى من هذا المكوّن، وتشجيع اللاجئين منهم للعودة الى مناطق سكنهم وذلك برفع الغبن عنهم وتعويضهم عن فقدانهم لأحبائهم وممتلكاتهم وحيثُ لا تزال المئات من فتياتهم محتجزات عند تنظيم “داعش” الإرهابي، والغاء القانون المجحف بحقهم الذي يمنع المواطن الأيزيدي من حق تملك العقار حتى على أرضه وأرض أجداده التي تواجدوا عليها منذ آلاف السنين، وهذا ما صرّحت به حينها ممثلتهم في البرلمان “فيان دخيل” للقنوات الفضائية، حيثُ ان هذا القرار الغريب لا يستند الى أي غطاء قانوني وشرعي إلا لكونهم أيزيديين!!، وهذا هو الظُلم والإجحاف بعينه المبارك من الدولة وقوانينها!!.
وهنالك نقطة نظام على السيد مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان الذي كان يتحدث من داخل سنجار المحررة بخطاب وطني ربط فيه تحرير سنجار كخطوة أولى لتحرير باقي الأراضي والمدن العراقية التي إحتلتها داعش وهذا موقف يحسب اليه، لكن الم يكن من باب الوطنية العراقية ان ترفع قوات البيشمركة العلم العراقي جنباً الى جنب مع علم الإقليم؟!!، وحيثُ أدت تداعيات هذا الفعل الى تبادل المساس بالأعلام كرموز وطنية والإساءة اليها من كلا الطرفين.
وهنالك نقطة نظام أخرى على عمليات الحرق والنهب التي رافقت دخول المدينة، والتي أتُهِموا فيها (البعض) من المقاتلين الأيزيديين وبتغاضي واضح من القادة الميدانيين من قوّات البيشمركة وحزب العمال الكردستاني وحتى القادة السياسيين الذين كان لهم تصوّر واضح لِما قد يجري من أعمال غير مشروعة، أضرّت بفرحة التحرير وإنعكست سلباً وللأسف على كل أبناء الشعب الأيزيدي الذي لقيَ التعاطف الكبير من لدن الشعب العراقي بكل أطيافه وكذلك عموم شعوب العالم في محنته، فعلى من يهمه الأمر فتح التحقيق عن هذه الأعمال الغير مسؤولة ومحاسبة مسببيها.
وأختتم مقالتي بنقطة نظام أخرى على نائب المكوّن الأيزيدي في البرلمان “فيان دخيل” حين خاطبت رئيس الجمهورية فؤاد معصوم لحثه على عدم الموافقة على المادة (26) الخاصة بقانون البطاقة الوطنية، حيثُ أطلقت كلمة “أقليات” على مكونات الشعب العراقي الغير عربية ومنها المكوّن الأيزيدي وهذا ما أوردته الأخبار والعهدة عليها، وهذه الكلمة (الصفة) إن صحّ الخبر تعبّر عن فهمٍ خاطئ لمعنى الشعب الواحد وترسخ ثقافة التفرقة الإثنية والدينية والمذهبية التي أوصلت العراق الى ما هو عليه الآن، وهذه الملاحظة ليست لفيان دخيل فقط وإنما لجميع نوّاب مكونات شرائح المجتمع العراقي، فهنالك من يرغب في ترسيخ ثقافة التمييز بين ابناء الشعب وبطرق مختلفة وهذه إحداها.