من النادر أن تجد بلداً بدون مكونات، فأغلب شعوب دول العالم عبارة عن جماعات متنوعةمن حيث القومية، الدين، المذهب، اللغةً، اللون، … ألخ، مثل: ماليزيا (18 مجموعة دينية)، الهند (22 مجموعة لغوية)، بوليفيا (36 جماعة عرقية)، كازخستان (130 قومية)، وقد عانت المكونات، خاصة القليلة العدد (الأقليات)، من الإبادة الجماعية والتمييز العنصري والإقصاء عن الوظائف العامة، ولهذا فأن أهم المشاكل المزمنة للمكونات هي: الحمايةوالعيش الكريم وضمان المستقبل، ويعتقدون أن أفضل وسيلة لحل هذه المشاكل هو المشاركة في السلطة وتولي المناصب العليا في الدولة.
وقد تعاملت الدول والمجتمعات مع مكوناتها بطرق مختلفة، من أهمها:
أولاً: الإبادة الجماعية والحرب الاهلية: هذا خيار مدمر للبلدان وشعوبها ويترك جروحاً في جسد المجتمع لا يمكن شفائها بسهولة، كما أن محاولة الأغلبيات التخلص من الأقليات العددية شبه مستحيلة والتأريخ شاهد على ذلك، وهذه الطريقة لا يمكن أن تنتج حلاً عادلاً ومرضياً لجميع مكونات الشعب، بأختصار انها جريمة ضد الإنسانية، مثل: مجزرة الأرمن (1915)، إبادة الغجر (1935)، الحروب الاهلية في: لبنان (1975)، البوسنة والهرسك (1992)، رواندا (1994).
ثانياً: المحاصصة: لبنان، الذي تعيش فيه (18) طائفة دينية، هو المثال الأبرز على هذه الطريقة، في عام (1943) حصل اتفاق غير مكتوب بين رئيس الجمهورية بشارة الخوري ورئيس الوزراء رياض الصلح سُمي بـ (الميثاق الوطني)، تم فيه تقاسم المناصب العليا في الدولة (رئيس الجمهورية مسيحي ماروني ورئيس البرلمان مسلم شيعي ورئيس الوزراء مسلم سني ونائب رئيس البرلمان مسيحي ارثوذكسي)، لكن هذه الصيغة تمددت إلى أغلب الوظائف في الدولة، فمثلاً حاكم المصرف المركزي ماروني ونائبه الأول شيعي والثاني درزي والثالث سني والرابع أرمني ارثوذكسي، بل حتى إلى الأجهزة العسكرية والأمنية (قائد الجيش ماروني، رئيس الأركان درزي، مدير الأمن العام شيعي، مدير قوى الأمن الداخلي سني، مدير أمن الدولة كاثوليكي)، بل حدثت أزمة سياسية في عام (2017) بسبب تعيين (حراس غابات) مسلمين أكثر من مسيحيين!
طبعاً هذا النظام القائم على تقاسم الوظائف بشكل طائفي دمّر نظام التدرج الوظيفي،بحيث أصبحت الطائفة والقرب من زعيمها معياراً في تولي الوظائف العامة بدلاً من المهنية والكفاءة وهذا ما أدى بالتالي إلى تشجيع الطائفية والمحسوبية والتوارث السياسي العائلي، وأنتج بالنهاية الحرب الأهلية التي استمرت لمدة (15) سنة.
والمثال الآخر في جمهورية البوسنة والهرسك، إذ بموجب اتفاقية (دايتون) لعام (1995)،التي أنهت الحرب الأهلية (1992-1995)، يحكمها مجلس رئاسي ثلاثي يمثل المكونات الثلاثة (بوسني، صربي، كرواتي)، وبرلمان مقسم على أساس ثلث لكل مكون، وهكذا بقية المناصب الأخرى في الدولة.
ثالثاً: الديموقراطية: تعتمد قاعدة المساواة وعدم التمييز بين المواطنين وإتاحة مناصب الدولة للجميع حسب الخبرة والكفاءة والمهنية، ولهذا يوجد أشخاص كُثر من المكونات فازوا بالانتخابات وتولوا مناصب قيادية في بلدانهم بالرغم من أن مكوناتهم لا تشكل نسبة عددية كبيرة في تلك الدول، وهذه بعض الأمثلة:
أُنتخب (أبو بكر زين العابدين) رئيساً لجمهورية الهند (2002) مع ان نسبة المسلمين حوالي (14%) من السكان، و(مانموهان سينغ) رئيساً للوزراء لفترتين (2004-2014) وهو من السيخ الذين لا تتعدى نسبتهم (2%) فقط، وأُنتخب (إيفو موراليس) رئيساً لجمهورية بوليفيا لثلاث مرات اعتباراً من (2005) وهو من أحدى قبائل الهنود، وتضم الحكومة الكندية (2015) وزيراً من الهنود الحمر وآخر من الأسكيمو، وأُنتخبت أمينة غريب رئيسةلجمهورية موريشيوس (2015) رغم أن المسلمين يشكلون نسبة (17%) فقط من السكان، وكذلك تم انتخاب حليمة يعقوب رئيسة لجمهورية سنغافورة (2017) ونسبة المسلمين لا تتعدى (15%)، وفي كوسوفو يوجد (4) وزراء من المكون الصربي في حكومة (2017)، وفي اثيوبيا أصبح (آبي أحمد) رئيساً للوزراء (2018) والمسلمون يشكلون حوالي (34%)،وحتى في الأردن تولى منصب رئيس الوزراء سعيد المفتي (من المكون الشركسي) وسعد جمعة (من المكون الكردي)، وفي سوريا أصبح فارس الخوري (من المكون المسيحي) رئيساً للوزراء.
بالنسبة للعراق فقد سار منذ (2003) على الطريقة الثانية (المحاصصة)، وأن غلّفها بالديمقراطية ودائماً على الطريقة اللبنانية، ولكنها أوصلته إلى الطريقة الأولى وذاق مرارتها خلال (2006-2007) وهذا ما حصل في لبنان بالضبط، ولا تزال الطبقة السياسية مستمرة بالمحاصصة الطائفية وكأنها الطريقة الفضلى التي جلبت الأمن والتقدم وضمنت مستقبل زاهر للشعب اللبناني.
طبعاً من الواضح أن أفضل طريقة للتعامل مع المكونات بل مع عموم الشعب هي الديموقراطية، وأكيد أقصد الديمقراطية الحقيقية وليست على النموذج اللبناني أو العراقي.
لكن في العراق بدلاً من أن نتعلم أفضل تجارب العالم اعتمدنا أسوئها!