22 ديسمبر، 2024 10:14 م

المكونات العراقية واستمرارية الهجرة إلى الشَتات ( الأيزيدية نموذجا ً) !!!

المكونات العراقية واستمرارية الهجرة إلى الشَتات ( الأيزيدية نموذجا ً) !!!

تتعايش في العراق خمسة أديان ، الإسلام والمسيحية مع تعدد مذاهبها ، أما الأيزيدية والصابئة واليهود ، ليست بين طياتها مذاهب ، هذا عدا
البهائية والكاكائيين أو أهل الحق لهما أيضا ً أن يكونا من الأديان … لو استثنينا الحملات ( الفرمانات ) ، والتي استهدفت الأيزيدية لأسلمتهم
، وفي حالة الارتداد ، يتم قتلهم ، وسبي نسائهم ، وأخذ أموالهم كغنائم ، مثل هذه الحملات ، حدثت غالبيتها إبان الحكم العثماني ، زمن الإمارات
الكوردية ، قبل تأسيس الدولة العراقية ومنذ مئات السنين ، نعم لو استثنينا تلك الحملات ، كانت المكونات الصغيرة ، تتعايش على أرض العراق
الحالي بسلام و وئام منذ أمد طويل ، رغم وجود متشدّدين ، أرادوا هتك وإفساد كل أسباب التعايش والتسامح بين مواطني البلد الواحد …
بصراحة ، يهمنا ما حصل لهذه المكونات ، بعد تأسيس الدولة العراقية ولحد الآن ، لا سيما بعد تعرض المسيحيين إلى فرمان أو حملة اضطهاد وقتل ، إبان الحكم الملكي ، تحديدا ً في عام 1933 في ضواحي محافظة دهوك الحالية ، حيث تعرضوا في حدود قضاء سميل الحالي إلى حملة إبادة وتشرّد من مناطقها ، بعد أن كانت نسبة تواجدها حينذاك أكثر بكثير من 50 % من الكثافة السكانية للمنطقة ، حيث شارك آغوات من الكورد في اضطهاد وقتل المسيحيين في تلك المناطق ، ربّما كانوا ضحية السياسة البريطانية المعروفة حينذاك ، لتوطين المسيحيين في جبال كوردستان …
بعد تبوأ البعض القليل من الساسة العراقيين سدة الحكم ( رئاسة الوزارة ) من أمثال ياسين الهاشمي ، ورشيد عالي الكيلاني بعد قيامه بثورة مايس
1941 ، نعم أمثال هؤلاء كانوا غُلويين في التطرّف القومي ، لذا نتج عن السياسة التي انتهجوها حينذاك ، وربّما بعدها ، عن ظهور سلوكيات أو تصرفات عدا التعريب في المناطق الكوردستانية طبعا ً ، منها ظاهرة التحريض ضد المكون اليهودي ، وتعرضهم إلى القتل والتشريد مع عوائلهم ، ونهب ممتلكاتهم وفق عمليات سميت حينها ب ( الفرهود ) ، ربّما كانت الأهداف منها التهجير ، والتشجيع على الهجرة الجماعية الطوعية ، والتي بدأت بالفعل إبان الأربعينات وبداية الخمسينات من القرن المنصرم ، من الجدير بالذكر نسبة اليهود كانت قبل العمليات تلك أكثر من 150 ألف يهودي في عموم العراق ، هؤلاء مع المكونات الأخرى ومنهم المسلمين طبعا ً ، كانت لهم تاريخ اجتماعي مشترك ، حيث المحلات المختلطة والأسواق والشراكة في الأعمال …
بعد سقوط بغداد في نيسان 2003 ، تعرضت جُل المكونات من الأيزيديين والمسيحيين والصابئة المندائية والكاكائيين وحتى الشبك إلى حملات القتل الجماعي ، إضافة ً إلى القتل على الهوية ، لا بل صدرت فتاوي للتحريض ضدهم ، منها فتوى ضد الصابئة المندائيين في البصرة ، وربما ضد المكونات الأخرى، هذا ناهيك ، وبعد تعرض أرض المحافظات العراقية ، منها سهل نينوى إلى الاحتلال من قبل التنظيمات الإرهابية ( القاعدة زائدا ً داعش ) ، كانت المكونات ، ومنها المكون الأيزيدي الخاسر الأكبر في حملات داعش بعد سقوط مناطقها وخاصة شنكال ، تعرض أهاليها إلى القتل ، والاغتصاب ، وسبي النساء ، والبيع في أسواق النخاسة السيئة الصيت ، كُل هذا حصل بعد انسحاب القوات الكوردستانية ، وأحزابها من سهل نينوى ، وترك مكوناتها لقمة سائغة بين أنياب وحوش الألفية الثالثة …
تلك المظلوميات ، دفعت المكونات إلى اتخاذ قرارات مصيرية ، حيث الكثير منهم بدأوا بالتفكير ، لا بل اتخذوا خطوات عملية بالهجرة إلى الشتات،
هاجر اليهود إلى اسرائيل حيث الوطن إبان الخمسينات من القرن المنصرم ، حيث لم يبقى منهم بعد ذلك ، سوى العشرات حسب الاحصائيات بعد سقوط بغداد … تلتهم الصابئة المندائيين بالهجرة عبر مراحل متعددة ، حيث الباقيين منهم ، لا يتعدون سوى 5 % من تعدادهم الأصلي وربّما أقل من ذلك … أما المسيحيين ، انخفض نسبة تواجدهم إلى أقل من الثلث ، وربّما الربع من تعدادهم القديم ، حيث الهجرة بالنسبة لهم أسهل من الآخرين ، لقبولهم في البلدان البعيدة مثل أمريكا وكندا واستراليا ونيوزلندا … كانت مدينة البصرة نموذجا ً في التعايش الديني على سبيل المثال لا الحصر ، حيث لم يبقى من مسيحيها سوى العشرات ، هذا ما التمسناه أثناء زيارتنا إليها ، كوفد برلماني من مجلس النواب العراقي عام 2012 ، كان ضمن برنامجنا زيارة إحدى الكنائس ، لكن ! للأسف وبعد التواصل مع القائمين على الكنيسة ، لم نرى من الذين حضروا إلا عدد قليل جدا ً لا يتجاوزون أصابع اليدين …
أما الأيزيديون فحدث ولا حرج ، هُم في الحقيقة ، لم ولن يكونوا أوفر حظاً من الآخرين ، عانوا ولحد الآن من أزمة القيادة ، حيث الأخيرة كانت دائما ً تنجر وراء مصالحها أكثر من مصالح بني جلدتها وفي ظل كافة الأنظمة السياسية المتعاقبة العراقية والكوردستانية ولحد الآن مستمرة في سلوكياتها غير المقبولة من الأيزيدية بشكل عام ، لذا أبناء هذا المكون توصلوا إلى قناعة ، لا سيما بعد الانتفاضة 1991 والاقتتال الداخلي الكوردستاني 1994 ، حيث بدأت تنطلق مسيرة الهجرة إلى الشتات قاصدين ألمانيا في أوربا أكثر ، ذلك لوجود الجالية الايزيدية من كوردستان تركيا وسوريا ، كذلك اهتمام الحكومة الألمانية باللاجئين ، لا سيما من المكونات غير المسلمة ، حيث نظام ألمانيا الخاص بالرعاية الاجتماعية كان الدافع الأكثر من التجاء الأيزيديين إليها ، يجب أن لا ننسى بأن غالبية المهاجرين كانوا يعانون ( عدا الاضطهاد بمسمياتها والملاحقة ) من ظروف اقتصادية دون المستوى المطلوب ، وكانوا محرومين من أبسط مستلزمات الحياة الاعتيادية … هنالك مثل كوردي قديم ومعروف يقول ( انقطع جسر في الموصل ، بان تأثيره على قضاء العمادية ) ، ربّما ذلك القطع للجسر ، كان له تأثير اقتصادي على التواصل بين الإمارات والمدن الكوردستانية حينذاك ، هذا ما طُبِق َ فعلا ً بعد كارثة شنكال في 3 / 8 / 2014 ونزوح جُل أهاليها إلى إقليم كوردستان وسوريا أيضا ً ، حيث تأثيرها ( الكارثة ) ، بانت على مواطني المكون الأيزيدي في المناطق الأخرى من دهوك وسهل نينوى ، لِتَشّد رحالها بالمغادرة والهجرة إلى الشتات ، حيث في الكثير من القرى والكبيرة منها والمجمعات والقصبات وحتى الأقضية ( الشيخان نموذجا ً ) من مناطق الايزيدية ، ظهرت بوادر قلة أعداد سكانها بنسب مخيفة ، مما قد تولدفراغا ً بإحلال الآخرين مكانها ، بعد أن باعوا الكثير منهم ممتلكاتهم من الدور والأراضي ، لا سيما في المناطق ضمن حدود البلديات ، والتي تسمح بتحويل ملكيتها للآخرين من غير المكون الأيزيدي ، من الجدير بالذكر ، بأن ناقوس الخطر ، بدأ يدق وبتسارع حول الهجرة الجماعية للمكون الأيزيدي الأصيل والأقدم بين المكونات على مستوى العراق عامة ً وإقليم كوردستان خاصة ً …
ربّما تحدث ، ويتحدث الكثير من الباقين من المكون الأيزيدي ، في سهل نينوى وإقليم كوردستان ، عن مساوئ الهجرة الجماعية إلى الشتات ، ومن وجهة النظر المستقبلية ، بعدم ترك أرض الأجداد ، والتي طالما دافعوا عن وجودهم ، ضد الهجمات ، حملات التنكيل ، الاضطهاد ، والتي لاقوها أكثر من إخوانهم في القومية ، للضغط عليهم ، حول أسلمتهم ، أو القتل وسبي النساء ، نعم هذا كلام معقول ومعسول من الناحية النظرية ، والتي كنت من المؤيدين لها ، لكن قبل أحداث شنكال في 2014 ، علما ً ، إنني ومع عائلتي من المهاجرين إلى الشتات منذ أكثر من قرنين من الزمن ، ولأسباب سياسية بعد الاقتتال الداخلي عام 1994 ، وأحداث 31 / آب / 1996 .
لكن ! بعد هجمات داعش ، وتعرض المكونات ، إلى ما عاصرناه وشفناه بأم الأعين ، لا سيما المكون الأيزيدي ، ظهرت بوادر فقدان الثقة بين المكونات والسُلطات المحلية ، لذا تعالت أصوات كثيرة ، ونحن منهم ، حول تدويل كارثة شنكال ومحاولة تثبيتها ب ( الجينوسايد ) ، والمطالبة بالإدارة الذاتية غير الحزبية في سهل نينوى ، مع الحماية الدولية لها ، ولو لفترة معينة ، لتثبيت الأقدام لقائميها في تلك المناطق ، مع تشكيل قوات أمنية خاصة بالمكونات ، تابعة للمنظومات العسكرية النظامية في المنطقة للدفاع عن مناطق تواجدهم … على الطرف الآخر أو الجهة الأخرى ، هنالك البعض الكثير ، لا سيما من المحسوبين على البعض من القوى السياسية ، أو المستفيدين بشكل أو بآخر ، والذين يفضلون المصالح الحزبية الضيقة على مصالح بني جلدتهم ، وهذا ما نأسف عليه ، نعم هؤلاء يغرّدون وفق الأهواء والأجواء الخاصة مع شخصهم ، أو ربّما مع عوائلهم العائشين في نعيم أوربا ، يقفون ولو بالكلام والملام بالضّد من هجرة بني جلدتهم ، متناسين بالطبع الظروف التي أدت وتؤدي إلى هروب الأيزيدية من أرض والأجداد ، والآباء ، والتراث ، والحضارة ، والمراقد المقدّسة … منها أسباب موضوعية والأكثر دافعا ً للهجرة وهي : ــ
ــ ظهور تنظيمات متطرّفة ، بين الحين والآخر ، بدءا ً من القاعدة ، ومرورا ً بجبهة النصرة في سوريا ، وصولا ً ل داعش ، والتي باتت ظاهرة تنتشر أكثر من العراق وسوريا ، بدأت تمتد إلى دول أخرى .
ــ امتداد هذه التنظيمات إلى صفوف إخواننا في القومية ( الأكراد ) ، لا بل ظهور تنظيمات متطرّفة خاصة بهم ( أنصار الإسلام نموذجا ً ) ، مما
ستكون لها تأثير مباشر على تواجد المكونات والتعايش السلمي في إقليم كوردستان ، لا بل لها تأثير حتى على تغيير المسار الديمقراطي لحكومات إقليم كوردستان مستقبلا ً .
ــ الحضور الفعال ، لمثل هذه الأفكار المتطرّفة على مواقع التواصل الاجتماعي اليومي ، مما لها تأثير فاعل على معنويات أبناء المكونات ، مثل الأيزيديين والمسيحيين ، وتفكيرهم بالهروب من الوطن ، باتجاه البلدان التي تنبذ وتكافح ضد هذه الأفكار ، وفق القواعد والقوانين ذات الفكر العلماني .
عدا الأسباب الموضوعية اعلاه وربّما غيرها ، هنالك أسباب ذاتية تتعلق بالمكون وبني جلدته والذين هاجروا أو ينتظرون الهجرة بشكل مستمر ، منها :
ــ
ــ هجرة سمو الأمير تحسين بك ، ونجله الوكيل الرسمي له ، و وكيل الوكيل ،
وهكذا ، واستقرارهم في المانيا مع المئات من أبناء عائلة الإمارة ، والمقرّبين منهم ، ومستمرين بالهجرة لحد الآن .
ــ استمرار هجرة المسؤولين السياسيين ، والوزراء ، والبرلمانيين ، وأعضاء مجالس المحافظات ، والأقضية ، والنواحي ( السابقين طبعا ً ) ، والحاليين أيضا ً ب لم الشمل مع عوائلهم ، بعد أن أرسلوا مسبقا ً ، أحد أولادهم القاصرين ، أو زوجاتهم الى الخارج ، ليكون لهم الحجة القانونية بالهجرة.
ــ استمرار هجرة الكفاءات من الأساتذة الجامعيين ، والكُتاب ، والباحثين ، والأطباء ، والمهندسين ، والموظفين ، والمعلمين ( هؤلاء جُلهم القدوة ) من المكون الأيزيدي .
ــ بدأ رؤساء العشائر ، والشيوخ ، والوجهاء الاجتماعيين من الأيزيديين المعروفين ، هؤلاء أيضا ً تركوا رعاياهم وأبناء عشائرهم متجهين إلى أوربا للاستقرار مع عوائلهم .
بقي أن نقول ، خوفا ً من الأسباب الموضوعية اعلاه ، هذا أولا ً ، وتأثيراً ثم تقليدا ً من الأسباب الذاتية اعلاه أيضا ً وهذا ثانيا ً ، بات الكثير والكثير من المواطنين البسطاء ، ربّما غير المتمكنين ماديا ً ، أو حتى غير المقتنعين أصلا ً بالهجرة من ديارهم ، نعم باتوا قلقين الآن على مصيرهم ، ومستقبلهم في الوطن ، للتفكير ولو مستقبلا ً بالرحيل نحو الشتات في ديار الغربة ، يجب أن لا ننسى ، بأن البعض من البلدان البعيدة ، تفسح المجال للاجئيهم من المكونات غير المسلمة ، والمقيمين أصلا ً ، بدعوة أقاربهم من الدرجة الأولى ، وربّما من الدرجات الثانية والثالثة و… و … عن طريق منظمات دولية ، مهتمة بالشؤون الإنسانية أيضا ً ، حيث العملية الأخيرة مستمرة ولحد الآن بالسفر شبه اليومي لعوائل الأقارب المشمولة بالشمل العائلي أو الهجرة …