نقابة الاطباء العراقيين، مازالت تعمل تحت طائلة قرار مجلس الحكم رقم ٣ لعام ٢٠٠٤، بتوقيع الحاكم المدني الامريكي بول بريمر، متضمنا حل مجالس النقابات والجمعيات العراقية عدا الخيرية منها، وتشكيل لجنة وزارية برئاسة وزير العمل للاشراف عليها وتأمين الحفاظ على اموالها وتشكيل لجان ادارية مؤقتة؛ لإجراء انتخابات المجالس الدائمية ضمن القوانين والانظمة الداخلية النافذة.
وعلى هذا الاساس أجريت جولتان انتخابيتان عامي ٢٠٠٦ ، ٢٠١٠ ومحاولة ثالثة العام ٢٠١٣، فشلت جميعها في إنتشال النقابة من طائلة قرار مجلس الحكم اعلاه؛ بسبب صراعات المناصب الحزبية والفئوية، وعدم وضوح الرؤية لدى المتصدين للعمل النقابي، وإقصاء النخبة وعزوف جماهير الاطباء، عن الانتماء للنقابة، او تجديد الانتماء؛ جراء خيبة الامل وشؤم الأساليب التي إتبعت وفق منهج مدروس يتعمد المضايقات والاعتداءات والتهميش؛ لذلك فالنقابة الان مجمدة وتعمل بمجالس ضعيفة جدا.
في حين مهنة الطب تحتاج نقابة تنظم عمل أعضائها وحمايتهم من الاعتداء والزلل؛ لمساسها بالكيان البشري بكل تعقيداته ولكونها تتوزع بين قطاعين.. عام وخاص، وتنطوي على تفاصيل خصوصية دقيقة.
كانت في العراق، نقابة للأطباء، تؤدي دورا حاميا و راعيا لأعضائها، لكن تعطلت بعد تغيير نظام الطاغية المقبور صدام حسين، في 9 نيسان 2003، بصدور قرار مجلس الحكم رقم ٣ لعام ٢٠٠٤ الذي نص على حل مجالس النقابات والجمعيات، ووضعها تحت إشراف لجنة وزارية عليا، وإنشاء مجالس مؤقتة تعمل على اجراء انتخابات لتشكيل مجالس دائمة تحت إشراف اللجنة الوزارية و حسب النظام الداخلي والقانون النافذ.
استنادا لذلك، أضحت نقابة الاطباء ولحد الان، تكاد ان تكون هي الوحيدة المتبقية، تحت إشراف اللجنة الوزارية تتقاذفها التصارعات الحزبية والطائفية، مكبلة اطرافها.. تمزق أوصالها، مشلولة تترأسها مجالس ضعيفة مقيدة بقرارات قضائية صادرت حريتها في العمل.
وبهذا خسر الاطباء، وخصوصا الشباب منهم، دور النقابة الراعي.. اجتماعيا واقتصاديا وعلميا وأمنيا واخلاقيا؛ فصاروا يتعرضون لاعتداءات، ولا يجدون مدافعا عنهم، وتلحق بهم تجاوزات، ولا قانون يقيهم مغبتها؛ مما أفقدهم حقوقهم ودورهم وموقعهم و احترامهم الاجتماعي، وأدى الى هجرة اعداد ضخمة منهم، وعزوف الكثير عن الاشتراك في نشاطاتها، مستهينين بها، عقب دورتين انتخابيتين فاشلتين، ومحاولة ثالثة، إلتحقت بسابقتيها؛ إذ لم تكتفِ بعدم النجاح؛ إنما خلفت توترات وصراعات بين الزملاء، غذاها الاحتقان الطائفي والاصطفافات الفئوية.. حزبيا وعرقيا؛ ألقى بها وراء سدٍ منيع، يتعذر إجتيازه؛ فبقي الاطباء رهن الإهمال من دون نقابة فعالة.
اليوم.. يحاول الزملاء تنظيم إنتخابات، من الممكن ان تكون تاريخية والاولى من نوعها في نصف القرن الماضي، إلا أن تراكمات السنين الثلاث عشرة الماضية، وتجاذباتها، تقف بوجه الجادين.. المواظبين على العمل؛ لتحبطهم وتنهش لحم اجسادهم وتلوث سمعتهم، بما وصف رسول الرحمة الغيبة، متسائلا: “أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه؟”.
اول الاشكالات، هو تعقيدات قرار مجلس الحكم اعلاه، الذي تفسره الأطراف حسب أهوائها، حتى أن البعض يرى اللجنة الوزارية فوق قوانين النقابات النافذة، ولها صلاحية تجاوز الأنظمة الداخلية، وأنا أرى أن ذلك مستحيل، والبعض الاخر يؤكد على وجوب عمل اللجنة الوزارية، وفق القانون والنظام الداخلي، ولا يحق لها تجاوز ذلك، وفئة ثالثة تقول من حق اللجنة الوزارية تجاوز أنظمة الانتخابات وأعرافها وعدم الرضوخ لمتطلباتها، ومن حقها حجب التوقيتات والتحضيرات وفترات الاستعداد والدعاية اللازمة، وهو طرح لقي إختلافا كبيرة، ومد بونا شاسعا عما يريده الكثيرون، وتقتضيه مصلحة النقابة ومنفعة أعضاء الهيئة العامة فيها.
إخوتي الأطباء.. زملائي في المهنة والعمل النقابي.. الفرصة ما زالت بأيدينا، فلا نفرط بها، إنما ينبغي علينا أن نتمسك بها، محسنين إختيار مجلس يمثلنا.. متكلا على الله بنية صافية؛ للإرتقاء بعمل النقابة، الى خدمة أعضائها؛ لأن المكان بالمكين، ومن سيحل في المجلس، يفرض إرادته الخارجية؛ إذا لم نختاره وفق حاجتنا الداخلية.