· دولة تنتظم كأحجار الشطرنج على رقعة هزازة
· علاقة شوهاء بين المتفرجين وقرقوزات المسرح
· لو أن 1 % مما ينفق على شؤون السلطة رصد للمجاري ما طفحت تفيض بقطرتين من نصف غيمة عابرة
مهد بوريس نيكولايفيتش يلتسن.. الرئيس الاسبق للاتحاد السوفيتي المنحل، بتطبيق “الغلاسنوست – الجهار والعلانية.. سياسة المكاشفة والانفتاح” قبل الشروع بالـ “بيروسترويكا – إعادة البناء من خلال برنامج الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية”.
وهو ما لم تفعله امريكا، يوم 9 نيسان 2003 بعد اسقاط الطاغية المقبور صدام حسين، ولم تعن به الجهات السياسية العراقية، التي أقدمت على تقاسم الكعكة المسمومة التي فرط بها الامريكان، سهوا او عن عمد، والتهمتها الكتل السياسية الشرهة للمال والسلطة، تعب منهما بهوس من دون ان ترتوي.
فأبسط وأول الخطوات الواجب اتباعها، منع التجول اسبوعا على الاقل، تتولى خلاله القوة المحتلة، حسب مواثيق الامم المتحدة، توزيع الماء والطعام على الشعب المستباح، وتحقيق الضمان الصحي لأفراده، مع كامل المسؤولية القانونية عن سلامة من لا يقاوم.
خلال الاسبوع تعيد تنظيم البنية الادارية والخدمية للبلد، على اساس قانون الطوارئ، الذي يحتوي ضمنا، تسليم الرئاسة الى أحد عملائها المخلصين من جهتين.. لها ولبلده، يعنى بتدعيم اركان الدولة المنهارة، وترصين بنائها، بمساعدة قوات الاحتلال، والإشراف على انتخابات رئاسية، تؤدي الى ادارة عجلة الاقتصاد والخدمات والامن.
ما يعود بالعراق الى التأسيس للديمقراطية، على ارضية من المكاشفة التي لا تبقي شعورا بالحيف داخل احد من اطراف المجتمع.
فـ “الغلاسنوست” التي فرشها يلتسن، تمهيدا لـ “البيروسترويكا” ليس معجزة الهمته اياها السماء، وحيا من آلهة الأولمب، انما إجراء منطقي، قائم على ابسط المعايير المنهجية لإدارة الدولة.
وكان هذا الاجراء واجب التطبيق قبل اقحام الديمقراطية الهوجاء التي اكتسحت الأخضر واليابس، فصارت آفة وبالا على العراق؛ لأنها حشرت في غير موضعها مكانا ولا اوانها زمانا.
محاولة ارضاء الشعب بالأخطاء بلغ بنا المستوى الكاريكاتوري الذي تعيشه الدولة.. شعبا وارضا وسيادة، تساوى الصح مع الخطأ في تداخل يتعذر فك اشتباكاته من دون خسائر دستورية واخلاقية ووطنية.
وطنيا، وجد الجيش نفسه مضطرا لمداهمة الأبرياء، والأعتداء على حرماتهم؛ دفاعا عنهم إزاء قوى سبقت الحكومة الى الإستحواذ على مدن بأكملها.
وأخلاقيا، ظن العراقيون ان الجيش سيكف عن توجيه فوهات بنادقه الى الشعب، عائدا للوطن بعد ان تأسس في 6 كانون الثاني 1921 جيشا لحكومة ضد شعبها، وظل يمارس هذا الدور بتفان مهووس، تمنينا ان يصحو منه بعد زوال الطاغية، لكن الاحداث أثبتت ان “من شب على شيء شاب عليه”!
فلا الشعب راضٍ عن حكومة توطد دعائم ثباتها بضربه، ولا هو قادر على الاستغناء عنها، إزاء التهديدات المفتعلة، من “القاعدة” و”داعش” وسواهما؛ من مخاطر تلزم الشعب بالتمسك بالحكومة على علاتها، كما يقول المثل المصري، الذي سوغته الافلام في تداولنا اليومي: “ظل رجل ولاظل حائط”.
حكومة فاسدة ارحم من داعش فظيع! جعلت الشعب كالمستجير من الرمضاء بالنار، فالدولة لم تتشكل، بمؤسساتها الراسخة، لكن القوى المطروحة على انها وطنية، تنعم بمقدرات العراق، كما لو كان دولة.
بالجزء الذي يدر انعاما على الرعاة، العراق دولة، لكنه في واقع الامر، ينتظم كأحجار الشطرنج على رقعة قلقة.. تتهزهز.
فالخطوات الاجرائية المفتعلة، من إدعاء الديمقراطية، ذرا للرماد في العيون، والتنكر لها، كلما اقتضت الحاجة، مدت علاقة شوهاء بين جمهور المتفرجين والقرقوزات المهرجة على المسرح “!؟” يدفع الوطن ثمن تجميلها، لكن الطبع المشوه يغلب التطبيع الممكيج.
وكل ما تداعى اليه العراق، من انهيار حاد في هاوية الفساد المالي، والاحتقان الطائفي، وانهيار منظومتي الامن والخدمات، كنا سنتجنبه، لو ان خطوات منهجية، اتبعت في التحول، من الديكتاتورية الى الديمقراطية، اقتداءً بـ “بيروسترويكا” يلتسن.
إذ كرست جمهورية ما بعد سقوط الطاغية في 2003، المبدأ الذي تأسس عليه العراق، من قبل الاحتلال البريطاني عام 1921.. حكومة وجيش لقمع الشعب، وكلما وهن المواطن، استقوت السلطة.
وهذا ما جره علينا سوء التطبيق المتعمد للديمقراطية، التي وضعت الأخوة على حافة اقتتال طائفي، يبرأ منه الخلفاء الراشدون، و… يتلطخ الغلاة بدم الابرياء، حثا من دهاة يتمترسون خلف الاحداث، متوارين.. لا يظهرون الا بقدر ما تستلزم مصالحهم الشخصة والفئوية، بينما البلد يعاني عوزا بابسط حاجاته البديهية، من خدمات وامان.
فلو أن 1 % مما ينفق على شؤون السلطة، رصد للمجاري؛ ما طفحت تفيض بها الشوارع، بعد قطرتين من نصف غيمة عابرة.