منذُّ بزوغ شمسِ الإسلام، حيث عبرت عنهم الأحاديث بأنهم جماعة فاضلة مبشرةٌ بالجنّة، ملازمة للقيّادة، كملازمة الظّلِ لصاحِبه، تعي وتفهم ما تقوله القيّادة، تتُّرجم ما تقوله القيّادة وما تُريدهُ مِنَ الأمُّة، ولم تستغِلَ قُربها المكانيّ من القيّادة أبدًا أثناء تواجدها، صحيح أنهم اختلفوا مِنْ بعدها، كان ذلك بسبب “الأنانيّة الحزبية”(١) حيث كان يرى كُلًّا منهم أنّه الأجدر بالقيّادة من بعد الرسول الاكرم (ص).
وذكر القُرآن الكريم جملة من صفاتهم ((مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ))(٢)
حتى أصحاب الإمام علي (ع) كانَ لهم الدور الريادي الرسالي الأصيل، في إحقاق الحق، وكشف المستور عن الباطل، ليس إبتداءً بالثوري عمار بن ياسر صاحب الخُطَبْ المزلزلة من دون منبر بل كان على باب المسجد، وليس أنتهاءً بالمنفي أبا ذر الغفاري الذي نفتهُ السُّلطات مِنْ أجل كلمةُ حقٍ خالدة.
ولم أنسى أو أتناسى في هذا الشهر الحرام (محرم) صاحب الجرح الخالد، الذي ينزف صدقًا وإخلاصًا ووفاءً وشجاعةً، لا أنسى أصحاب الإمام الحسين (ع) الذينَ قال عنهم ((فَإنّي لا أعْلَمُ أصْحاباً أوْفَى وَلا خَيْراً مِنْ أصْحابي)).
أمَّا اليوم فقد بدأ عصرٌ جديد وفكرٌ جديد وطرحٌ جديد، فقد ظهر لنا مرادفًا ـ وهذا ما هو مشاع ولم يرد لا لغةً ولا اصطلاحًا ـ للصحابة “المقربيّن”، ومِنَ الظريف جدًا أن القيّادات الحاليّة قاطبة ولا أستثني أحد سوى كانت دينية شعبية سياسية، فهي تعطِ لــ(مُقَرَّبيها)، نفس مكانة “الصحابة”، وتعتقد بأن “المقربين” يحملون نفس صفات “الصحابة” ونفس مكانتهم في الأرضِ ومنزلتهم في السماء.
فأصحاب الأمس، اكارم فضلاء شجعان لا تأخذهم بالله لومةِ لائم، تعرفهم سوح القِتالِ و الوغى، حكماء، صادقين، معتدلين، واضحين، ليسوا بوشاة.
أمَّا مقربي اليوم، وشاة(٣) لصوص، يقننّون صفاتهم الخبيثة بالتقديس، ويجيدون فن التدليس، ينشرون البدع، ويشعلون الفتن، مترفين، يدوسون على آهل العِلّمِ والمعرفة بأقدامهم الكسيحة، وهما نقيضان لا يجتمعان.
وهؤلاء الوشاةٍ اليوم هم آهلُّ الحلِ والعّقد، يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف. ولا أستثني أيَّ مكانٍ في هذا الكون ما لم يُسيطر عليه هؤلاء الوشاة “المقربين”، إلاّ مكانًا واحدًا وهو مكانة المؤمن عند الله (عزَّ وجّل)، فكم من مؤمنٍ من آهل العلم و المعرفة مجهولٌ في الأرضِ ومعروفٌ في السماء، وكم من “وأشٍ” معروفٌ في الأرضِ ومجهولٌ في السماء.
وفي الختام رسالتي إلى جنّاب السيّد جَعْفَر الصَّدر:
((بيني وبينك ألفُ “وأشٍ” يكذبُ)) . (٤)
بقلم: مقتدى الشميسي
________________
١/ هذا ما خصّصتُ لَهُ فصلًا كاملًا في كتابي (الدين الجديد)، بعنوان (الأنانيّة الحزبية).
٢/ سورة الفتح ، الآية ٢٩
٣/ وشَى بفلان إلى الحاكم :نَمَّ عليه وسعى به، نقل شيئًا عنه بخُبث./ هذا ما ورد عن معنى الوشاة في معاجم اللغة.
٤/عبارة عن عِتاب ارسلهُ المتنبي إلى سيف الدولة الحمداني، وجسده المتنبي بقصيدة، وما هذا البيت إلاّ بيت من هذه القصيدة، يتحدث به المتنبي عن الوشاة الذينَ صاروا سدًا ما بينه وبين سيف الدولة الحمداني.