5 نوفمبر، 2024 6:49 ص
Search
Close this search box.

المقدس/الجزء الثاني

المقدس/الجزء الثاني

والغريب والذي قلما اشير اليه، ان صراع البشر مع رجال الدين كان قد سبقه صراع الله معهم ، وهو يشبه الى حد التماثل صراع الله مع ابليس، ففي الوقت الذي رضي الانسان فيه ان يكون عبدا لرجال الدين، دون الله خالقهم ، كان الله يرسل نبيا اثر اخر مبلغا ومنذرا من ان رجال الدين قد حرفوا الدين واخلوا بتعاليمه، ولو لم يكن النبي محمد (ص) قد اعلن انه اخر الانبياء لكان الله قد ارسل الكثيرين غيره ليبلغنا ان رجال الدين المسلمين لايختلف حالهم عن حال كهنة اليهود وقساوسة المسيح ابان ظهور الرسالة الاسلامية، وكيف انهم غيروا الكلم عن موضعه ، رغم ان البشر وبسبب نشوء وتطور الحضارات ومنها الحضارة الاسلامية وانتشارها وتنامي موارد الفكر والفقه والعلوم والاتصالات وانتشار المعلومات من حضارة واخرى لم يعد قادرا على التصديق بشكل جمعي بانبياء اخرين، ولكن من السهل عليه تماما التصديق بافكار جديدة لها طابع الثورية وقد حصل ذلك مع الشيوعية التي لو كانت قد لبست لباسا دينيا لعمت كل البشرية ولما واجهت الانتكاسة التي واجهتها، بعد ان آمن بها مايزيد عن عدد المسلمين في العالم، ولكان كارل ماركس اشبه بنبي عندهم رغم انه وللاسف لم يدع النبوة، ولكن الله لم يغلق ابواب الرسالة السماوية، فكل الاديان تؤمن بعودة شخص ما واجبه الالهي هو اعادة الامور الى نصابها، ولكن السؤال المهم هنا : هل سيعطي رجال الدين الفرصة لاحد حتى وان كان ظهوره صادقا وحتى وان جاءه وحي الله لاتمام دعوته؟.. بالتاكيد لا، لسبب بسيط هو ان من جعل الامور بغير نصابها هم رجال الدين انفسهم، وعبر قرون مضت والى وقتنا الحاضرمسلمين وغير مسلمين، لعب رجال الدين دورا مهما في التحريف واختلاق الاحاديث والاساطير والفتاوى التي تحفظ لهم مصالحهم ومصالح رجال الحكم المتحالفين معهم، والمسلمون مثلا على تنوع مذاهبهم يؤمنون بظهور المهدي مع اختلافهم في اصله وشخصه، ولكن رجال الدين لم ولن يعطوه الفرصة إن ظهر لاستكمال رسالته مثلما فعل كهنة اليهود ازاء المسيح ومثلما فعلوا جميعا ازاء النبي محمد، وعليه فان هذا الظهور ( إن حصل) سيواجه حربا شرسة سيقودها ضده اولا رجال الدين الذين ستتهدد مصالحهم ومراكزهم، ولنا في حادثة احتلال الحرم المكي من قبل جماعة جهيمان العتيبي عام 79 وادعائه انه المهدي المنتظر دليل على كيفية تعامل رجال الدين مع من يدعي الدعوة الالهية للاصلاح، وكيف انهم حتى لم يستمعوا اليه والى دعوته ولم يناظروه ويناقشوه بل عاملوه وجماعته بمنتهى القسوة ومكنوا ال سعود من القضاء عليه وعلى جماعته ، وهذا لايعني ( اني من المؤيدين له او لغيره الذين تعرضوا ايضا للاضطهاد والتعذيب والحبس وغيرها من قبل رجال الدين اولا والسلطة ثانيا ، فالامر لايخلو من الدجل في كل حيثياته) ، ولكني انما قصدت أمرين مهمين: الاول هو ابراز دور غالبية رجال الدين في محاربة كل ما يهدد مصالحهم، اما الثاني فهو ان كل من ادعى انه نبي جديد او انه المنتظر انما كان يحارب في الاساس رجال الدين وفسادهم، ولنا في البهائية التي يعتنقها اليوم مايقارب سبعة ملايين شخص والتي اعلن عنها في حديقة النجيبية ببغداد عام 1863 والتي هي وليدة البابية التي تاسست في شيراز عام 1844 والتي ادعى فيها ( علي محمد بن محمد رضا الشيرازي) انه المهدي المنتظر واعدم امام العامة عام 1850 ثم نفي (بهاء الله) الذي ايضا ادعى انه المنتظر الموعود من ايران الى عكا في فلسطين عام 1868 ، مثالا على
ذلك مع ملاحظة ان مؤسسي البهائية وبعض قادتها كانوا رجال دين شيعة وابناء مراجع دينية ارادوا التجديد والاصلاح .
والقاريء المتمعن للقرآن سيجد اياتا كثيرة توضح كيف ان رجال الدين اليهود والمسيحيين كانوا قد حرفوا كلام الله واستغلوا الدين لصالحهم وفي احدى الايات يقول الله انه ارسل لبني اسرائيل اثنا عشر نبيا ولكنهم نقضوا ماعاهدوا الله عليه (المائدة 5-13) وفي سورة البقرة يقول رب العالمين لرجال الدين اليهود ( ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا) 41 وغير ذلك الكثير الذي يدعونا للتساؤل اذا كان الله قد ارسل لليهود ، وهم قلة في ذلك الزمان وعصرنا الحاضر، اثنا عشر نبيا فلماذا ارسل الينا نبيا واحدا؟.. ونحن كلنا كبشر خلقنا من طين واحد، نوازعنا واحدة ورغباتنا وعواطفنا واحدة؟.. وفي حقيقة الامر، نحن المسلمون استبدلنا غياب الانبياء بحضور الاتباع وبايعنا من يدعي انه هو (شيخ أوحجة الاسلام) ، فافترقنا عن تعاليم الله الواضحة في كتابه واتبعنا تفاسير ونهج الطامحين ممن تمكن من الكلم والبلاغة والفصاحة وعجز عن الوصول للخلافة كونها ارث بني امية اولا ثم بني العباس ثانيا، فلم يجدوا وسيلة للسيطرة على البشر والحصول على الاتباع والمصالح والسطوة والشهرة غير ابداء الراي والقول الفصل في احكام القران وسنة نبيه وأخذوا يسطرون ماطاب لهم من احاديث اختلقوا الكثير منها واسندوها الى اموات اكل الدهر عليهم وشرب في زمن لم يكن للبشرية الامكانية والمقدرة على التفحص والتمحيص والتدقيق في صحة مايروى وما يسند، فكان ان تفرقنا الى مذاهب متعددة كل منها يدعي علانية انه الفرقة الناجية وان الاخرين مصيرهم جهنم وبئس المصير، ثم ابتدأت الفتاوى التكفيرية مستندة الى تفاسير المعتوه ( ابن تيمية) الذي اغرته الدنيا فاصدر اولى فتاويه وهو في السابعة عشرة من عمره، وصعد المنبر في الجامع الاموي مفسرا للقرآن وهو في الواحدة والعشرين ، ليؤسس بذلك فتنة لم تشهد لها الاديان لا من قبل ولا من بعد ، ولعلنا لانجافي هذه الوقائع اذا قلنا اننا في هذه الايام ،رغم التقدم الحضاري وانفتاح الاتصال وتقدم الوعي البشري، نجد الكثير ممن اطال لحيته وادعى المشيخة او لبس العمامة وادعى انه من نسل رسول الله يجلس بين بسطاء الناس في صعيد مصر او السودان او ليبيا او اليمن او اندونيسيا او العراق ويقول لهم قال الله في كتابه العزيز كذا او قال رسول الله كذا فيصدق الناس ذلك ويقبلون يديه بل يصل الامر الى تقبيل التراب الذي يسير عليه هذا المدعى، لنا ان نعرف ايضا اننا في هذا العصر وبعد مايقرب من الالف والنصف من الاعوام الهجرية ومع وجود الانترنيت والمدارس وكتب الحديث والتفاسير ووضوح اركان الاسلام استبدل فقهاء الشيعة الزكاة بالخمس ( المال الذي يدفعه الشيعة لرجال الدين كبديل عن الزكاة) لانه يخدم مصالحهم ويزيد ثراءهم ثم افتى الكثير منهم بان الخمس اوجب من الحج الذي هو ركن ثابت من اركان الاسلام ، والناس على بساطتها وعقلها المغيب تتبع اهواء هؤلاء دون محاججة ودون تساؤل عما هو صح وماهو خطأ.. مثلما يفعل الكثير من ابناء السنة في اتباع فتاوى وتفاسير ابن تيمية وتلميذه ابن القيم واخيرا محمد عبد الوهاب فيكفرون الاخرين ويتخذون من قطع الرؤوس وحرق الاجساد وسيلة لنشر مذهبهم..
وعلى ضوء كل ماتقدم فليس من السهولة الان او بعد زمن ياتي على البشر التصديق كليا بالظهور الالهي حتى وان جاء بمعجزة، واولا علينا ان نتذكر ان كل الانبياء كانت لهم معجزات ومع ذلك حوربوا وقتل بعضهم فمن صالح الى يوسف وموسى وعيسى ثم النبي محمد، فلماذا لم يصدق الاولين على بساطة وسذاجة وعيهم وعدم امتلاكهم لاجهزة المخابرات والاستخبارات وللصواريخ ولمحطات الفضاء كما نملك ،
معجزاتهم وعلينا نحن ان نصدقها؟..مع اننا يمكن ان نصدق سببا واحدا كافيا لعدم الوثوق بهذه المعجزات وهو ايماننا بان هذه المعجزة ان حصلت ، فانها ربما صنيعة المخابرات الاميركية او الدوائر الصهيونية..
ثم اذا حصل وظهر هذا الظهور الالهي المنتظر في بلدان اوروبا مثلا وصدق به المسيحيون، فهل سيصدق به المسلمون؟.. والعكس ايضا يقودنا الى نفس التساؤل مادام كل منهما لايعترف بصدق واحقية الاخر، وايضا اذا ظهر المنتظر في مكة فهل ستصدق طهران به؟..بل ان ظهر في قم فهل ستؤمن النجف به؟.. والعكس ايضا، وهكذا وعلى هذا الاساس فان الله تعالى اذا اراد ان يبعث المنتظر فانه انما عليه ان يفني نصف سكان الارض في الاقل حتى يستقيم الامر، ولكن يبقى سؤالنا الاهم: من الذي سيقاوم هذا الظهور ويعترض على مشيئة الله: نحن البسطاء ام رجال الدين سواء المسلمون منهم او المسيحيون او من الديانات الكثيرة الاخرى؟.. من المؤكد ان رجال الدين هم الذين سيفتون بمحاربته لاسباب كثيرة ومتعددة ولكن اولها واهمها هو حفظ مصالحهم ومراكزهم التي تؤمن لهم السيطرة والاتباع والسطوة والملذات..
يتبع [email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات