23 ديسمبر، 2024 5:57 ص

المقارنة تتطلب الرؤية الصحيحة يا وزارة التخطيط

المقارنة تتطلب الرؤية الصحيحة يا وزارة التخطيط

خلال نقاش مع أحد الأصدقاء ممن وجهت له سهام النقد من موقع المحبة والرشد عن بعض تصرفاته التي لا تتناغم مع وضعه الإجتماعي والأسري، قال: أرفض رفضا قاطعا ان تقارني بأي شخص آخر. قلت له: كيف ستعرف مكانتك ولا اقول قيمتك ومنزلتك في المجتمع دون ان تقارن نفسك بغيرك؟ واستذكر في احد الافلام الاجنبية دار نقاش بين مجموعة من الأصدقاء، فقالت سيدة: انا سعيدة جدا في عملي، ولا يمكن ان يكون هناك أسعد مني في هذه الوظيفة. فسألها احد أصدقائها: هل سبق ام جربت وظيفة اخرى قبلها؟ فأجابت: كلا! فقال لها إذن كيف تحكمين على وظيفتك وسعادتك دون ان تجربي وظيفة اخرى، لتصح المقارنة بين الوظيفتين؟
المقارنة هي الميزان الأبرز لمعرفة مكانه الشخص في المجتمع ومكانه الدولة بين بقية الأمم، فمن خلال المؤشرات الاقتصادية والصحية والتربوية والخدمية والثقافية يمكن تحديد مكانة الدولة في سلم التقدم والرقي والرفاهية. وتعتبر المؤشرات التي تقدمها المنظمات العالمية عن رفاهية ومكانة الدولة من أهم الوسائل التي يمكن إعتمادها في هذا المجال. ويتوجب على الدول ان تأخذ بنظر الإعتبار هذه المؤشرات الدولية، وتعتبرها خط شروع لتصحيح سياساتها وإدارة الدولة بشكل سليم بدلا من إتخاذ مواقف متكلسة وغير عقلانية الغرض منها الطعن في تلك المؤشرات الشفافة، وتبرير إخفاقات الحكومة في تنفيذ برامجها الإصلاحية بشكل سليم.
على سبيل المثال اعترضت وزارة التخطيط العراقية، وهي وزارة بلا عمل، ولا يعرف وزيرها السني عدد الموظفين في العراق، وربما لا يعرف ايضا عدد الموظفين في وزارته على تقرير منظمة الأغذية العالمية بشأن تصاعد مستويات الفقر في العراق، وأعتبرته في المرتبة السابعة عالميا، فقد ورد في التقرير الأممي ان 35% من سكان العراق يعانون من الجوع، بمعنى انه منذ عام الغزو قامت الحكومات الشيعية المتتالية بدور مهم في إدخال العراق في خانة (الصومال، مدغشقر، الكونغو)، مع ان النسبة التي حددتها المنظمة تتوافق مع الواقع الإقتصادي في العراق، وبرأينا ان النسبة تتجاوز 40% من السكان. ولكن الفاشل لا يمكن ان يعترف بفشلة، ويحاول ان يختلق الأكاذيب لتبرير فشله، وهذا ما نلاحظه في خسارة المحور الأيراني خلال الإنتخابات الأخيرة في العراق، وكيف اعترض عليها وهدد السلم الأهلي من خلال ميليشياته المسلحة، لذلك إعترضت وزارة (التخ .. طيط) على تقرير المنظمة الدولية، وفي فبركة من الوزارة زعمت” أن إجمالي نسبة الأسر التي تستلم الحصة التموينية يبلغ 95 في المئة من مجموع الشعب العراقي”، موضحة أن ” المؤشرات التي نعتمدها، مستخرجة من المسوح الإحصائية التي ينفذها الجهاز المركزي للإحصاء وفقاً للمعايير العالمية المعتمدة من قبل الأمم المتحدة”. في هذا التصريح كذبت الوزارة كذبتين:
الأولى: ان 95% من الشعب العراقي لا يحصل على الحصة التمونية تهائيا او بكميات وأصناف محدودة للغاية ، ويمكن لأية جهت دولية ان تجري استبيان مع عينات عشوائية من الشعب العراقي، وستتبين الحقيقة بوضوح.
ثانيا. ان مسوحات الوزارة لا تعبر عن الحقيقة، لأنها وزارة مأزومة وخاضعة للمحاصصة الطائفية، ومهمتها الرئيسة خلق الأكاذيب وتبرير السلبيات. فقد أوضح أستاذ الإقتصاد (نبيل المرسومي) أن “هناك خلل في تقارير وزارة التخطيط التي تعلنها عن نسب الفقر في البلاد، إذ لم تحدد نوعه: هل فقر مدقع أو مطلق أو فقر الدخل أو أنه فقر القدرة. هذا الأمر ولّد لبساً لدى المنظمات الدولية المعنية بهذا الموضوع، لأنها تستند في تقاريرها إلى التقارير الحكومية المحلية”.
علما ان الوزارة نفسها سبق ان اعلنت في آذار الماضي ” ان نسبة الفقر في البلاد 25 % من مجموع السكان، بعد أن كانت 31.7 % عام 2020″، ومن المعروف ان الحكومة العراقية لم تبذل أي جهد لرفع المستوى المعاشي للفرد العراقي، بل العكس الأمور تنحدر الى الأسوأ. وهذا يعطي مصداقية للتقارير الدولية على العكس من تقارير الحكومة العراقية، فديدن جميع الوزارات العراقية الكذب وتبرير الأخطاء.
أعلمتنا الوزارة بأن العام القادم سيشهد عملية الإحصاء السكاني، ولا يمكن التصديق بوعدها الذي سبق ان كررته دون ان تنفذه، مبررة تقاعسها بعدم وجود توافق سياسي بين الكيانات الحاكمة، ونسأل الوزارة : كيف تسنى لك ان تعرفي بأن الحكومة القادمة ـ التي لم تتشكل بعد ـ والتي تتألف من نفس الكيانات الحاكمة، ستوافق على إجراء الإحصاء السكاني؟
وهل تظن وزارة التخطيط ان الوزارات التي تضم مئات الآلاف من الفضائيين ستوافق على إجراء الإحصاء السكاني وتفقد المزايا التي تحصل عليها؟
وهل تجرأ وزارة التخطيط على تحدي هيئة الحشد الشعبي الذي سترفض رفضا قاطعا اجراء الإحصاء للتغطية على الآلاف من العناصر الفضائية؟ وهل ستوافق الحكومة الشيعية القادمة على إجراء الإحصاء وتنكشف إكذوبة الأغلبية الشيعية التي تعشعش في العقول المتكلسة.
هل يمكن لوزارة التخطيط ان تطلب معلومات من الميليشيات المسيطرة على المنافذ البرية والبحرية عن واردات منافذها الحدودية، وهل يعقل ان تستجيب تلك الميليشيات لطلب الوزارة مثلا؟
وهل تملك وزارة التخطيط الإمكانات المادية لإجراء عملية إحصاء العراقيين في الخارج، سيما ان معظمهم حاصل على اللجوء السياسي، ولا علافة له بالسفارة العراقية التي توجد في البلد الذي يعيش به، علما ان بعض الدول ترفض تقديم معلومات عن اللاجئين السياسيين فيها للحكومة العراقية. لذا كل المؤشرات تشير الى ان عملية الأحصاء السكاني لا يمكن ان تتم الا في ظل استقرار سياسي وأمني.
لا يمكن ان تقوم قائمة لأي بلد في العالم وينهض من كبوته، ويرتقي لمصاف الدول المتقدمة دون التخطيط الشامل لجميع موارده البشرية والطبيعية، والتعرف على وارداته وصادراته الحقيقية، وانتاجه الصناعي والزراعي، وتجارته الداخلية والخارجة، ومن ثم يعد الخطط اللازمة لإستثمارها بشكل سليم بعيدا عن المؤثرات الخارجية؟
الخلاصة” لا يمكن لوزارة التخطيط العراقية ان تجري عملية الأحصاء السكاني، لأن هذه الخطوة ستكشف المزيد من الفضائح، وتكشف مستويات الفساد الحكومي، التي لا يمكن ان يستوعبها العقل البشري، لذا قلنا للوزارة كفي عن خداعنا يا وزارة (التخ.. طيط). فقد بلغ السيل الزبى، وصار العراق إضحوكة للعالم.