تكلموا تعرفوا والمرء مخبوء تحت لسانه | ألامام علي
كثيرة هي رحلات الضياع البشري غير المجدي التي أنتجت يأسا أسس كفرا , وقليلة هي المواقف واللقاءات التي عرفت الحق فأنتجت أملا أسس أيمانا .
تحتاج هذه المواضيع الكثير من الدراسات والبحوث ألاستدلالية , وهناك أفاضات كثيرة للمحققين والفلاسفة من الذين أنتصروا لفكرة ألايمان , يقابلها عدد غير قليل من الذين ضيعوا بوصلة المنهج فجاءوا بحشو الكلام ورث الحديث مما جعل غير المختصين يصعب عليهم فرز البدعة والضلالة عن التألق في ضوء المعرفة
وسأختصر على القارئ والمتابع وجه الحاجة لمثل هذا الحديث :
يقع المقارنون بين ألاسلام ” الدين ” وبين الماركسية في خلط يعبر عن عدم أستقامة المنهج البحثي لديهم وذلك لعدم ظهور منهج ألاستنباط أو ألاستقراء فيما يكتبون , وهي مناهج يحتاجها منطق المعرفة البشرية في الوصول للحقائق عندما تناقش فلسفة ألاعتقاد التي تعتمد على القوة والحيوية في أنتاج ألافكار لتدخل الى ميدان الحوار المعرفي كبطاقة هوية ومرور معترف بها منطقيا .
ومن أوضح معالم ذلك الخلط مايذهب اليه البعض من أعتبار كل من الدين والماركسية قد فشلا في أنتاج ” الدولة ” وهذه مصادرة غير مسموح بها لمن يعرف تاريخ ووسائل أنتاج الدولة بمعناها القانوني وألاجتماعي .
فألاسلام :” دين ” : أسس دولة وأنتج وسائلها ووضع نظريتها وكانت من أنجح الدول التي ظهرت في تاريخ البشرية , ودولة ألاسلام وزعت الثروة بشكل ناجح وفعال لاينكرها العقلاء ” أخذت من الغني بقناعة وطيب نفس وأعطت للفقير بأحترام وتقدير عال بألانسانية ” ” أقيموا الصلاة وأتوا الزكاة ” فكانت الصلاة جسرا روحيا ” أثبتت ألابحاث العلمية أن ” ألاندروفين ” يؤدي الى الهدوء في الشخصية , ومن العوامل التي تساعد على أفراز ” ألاندروفين ” مع الرياضة , وألاسترخاء , والتنفس العميق , هو الصلاة , واليهودي والمسيحي يصلي الواحد منهم صلاة واحدة أسبوعيا ويصلي المسلم ” 35″ صلاة في ألاسبوع , وهذا يعني أن ممارسة الصلاة بأصولها يؤدي الى هدوء شخصية المصلي فلايعود يعاني من القلق وألارق الذي تعاني منه شخصية غير المصلي , وهذا مما يصب في أطار التنمية البشرية ثم في أطار الدولة , وهذا من أنجازات الدين , بينما لاتمتلك الماركسية مثل هذا
والزكاة : عبادة ذات معطى أقتصادي ” توزيع الثروة ” وهذا المعطى ينعكس على التنمية البشرية مرورا بالمجتمع ثم الدولة , فالدولة التي أسسها النبي محمد “ص” ” 23″ سنة عمرها وصلت الى مرحلة التكافئ والغنى بحيث لم يعد من فقير يعطونه الزكاة التي كانت ترجع الى بيت المال حيث تستثمر في مشاريع الدولة
بينما الماركسية خلال ” 70 ” سنة لم تستطع أنشاء الدولة على أسس الشيوعية ” دولة العمال والفلاحين ” وأنما ظلت شعارا حتى تناولته عوامل التغير والتبدل بمفهومها المادي الذي غالت فيه
والذين يقارنون بين ألاسلام والماركسية لم ينتبهوا الى حقيقة الفوارق والمنطلقات الفكرية بينهما , فألآسلام لم يكن فكره ماديا وأن تكن المادة مأخوذة بنظر ألاعتبار كوجود يخضع لسنة الله في الخلق : ثم أستوى الى السماء فقال لها وللآرض أتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ” .
بينما كانت الماركسية تؤمن بالمادة دون غيرها , قال لينين : أن دعائم المفهوم المادي عن العالم لايمكن أن يزعزعها أي تغيير للمفهوم العلمي لخصائص المادة ” – ماهي المادية – ص20-21-
والفكر الماركسي ظل يعيش مرحلة عصر نيوتن في الفيزياء الميكانيكية التي توقفت بين بعدي الزمان والمكان , بينما قد أنتقل العلم الى مرحلة فيزياء الكم بعد ظهور النظرية النسبية التي أخذت بأبعاد : أنسان , ثم الزمان والمكان , وأدخال ألانسان ” الوسيط ” في فيزياء الكم غير مفهوم العلماء عن المادة , مما جعلهم يجدون في الدين قدرة على الحداثة لم ينكروها , فالدين هو من قال عن السفر في الفضاء , وهو من قال بوجود أصغر من الذرة ” الكوارتز ” وهو من قال بوجود بصمات تأينية في رحم المرأة المتزوجة من زوجها لاتختفي تلك البصمات ألا بعد أربعة أشهر وعشرة أيام , وعدة المتوفي عنها زوجها في ألاسلام هو أربعة أشهر وعشرة أيام , مما جعل أحد العلماء المشتغلين في هذا الحقل يعلن أسلامه لآكتشافه هذه الحقيقة العلمية , بينما يظل عندنا بعض الذين لم يتوفروا على قدر كاف من التحصيل العلمي يلوكون أحرف الكلام وهم يشربون من ماء أجن ؟ لذلك تأتي مقارناتهم فجة يتيمة لاتعرف كيف تستيقن عن أبويها , والفطرة هي صناعة ربانية يعرضون عنها وهي موجودة بين جنبيهم .
ومن أخطاء المقارنات بين الدين والماركسية مايذهب اليه البعض من أن الدين قائم على العقوبة وتقديم الغفران بألاغراء بالجنة وهو تبسيط مخل بالمعرفة بألانسان أولا ثم بالدين ثانيا , حيث لم يكن هذا الذي يتصورونه دينا , وأنما هو تبرير لهروبهم من مواجهة الحقيقة ” أعبد ربك حتى يأتيك اليقين ” واليقين هنا هو الموت , والموت ظاهرة تحدي لمن ينكر الخالق والخلق معا .
والدين هو أصطفاء رباني للبشر ” أن الله أصطفى لكم الدين ” والدين شريعة للعارفين ” شرع لكم من الدين ماوصى به نوحا والذي أوحينا اليك , وما وصينا به أبراهيم وموسى وعيسى ”
وفكرة ألاصطفاء مشروع معرفي يشمل كل من الدين وألانسان ” أن الله أصطفى أدم ونوحا وأل أبراهيم وأل عمران على العالمين ”
” ذرية بعضهم من بعض والله سميع عليم ” .
وهذه المعرفة تتأصل مع الوجود من خلال كون متدين ” يسبح للله مافي السماوات ومافي ألارض ” والماركسية التي لم تر غير المادة لم تعد قادرة على أستيعاب ماهو خارج المادة من قوانين , ولذلك أصبحت المناقشة معها سالبة بأنتفاء الموضوع , فالمادية الديالكتيكية لم تنجح في كشف العلاقة بين الشيئ والفكرة عدا علاقة سبب النتيجة , وهو تفسير غير صحيح للحس أو الفكر , ولهذا بحث مطول ليس هنا مكانه , والذين أعجبوا بالنظرية الماركسية هم من وقعوا أسارى فكر لم يستحضروا أدواته جيدا .
أن الدين عقيدة تنسجم مع الفطرة وهو خيار رباني لا يزاحمه خيار أخر , بينما الماركسية هي نظرية لم ترقى الى مستوى العقيدة لعدم قدرتها على ألاقتراب من الفطرة وفقدانها للقوة والحيوية , مع قدرة النظريات ألاخرى على مزاحمتها .
والذين لم يظهر متأخر في حياة الناس كما قد يتصور البعض وأنما هو الحاضر في صفحة الوجود ” أن عدة الشهور عند الله أثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات وألارض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم ” والقيمومة هنا للحياة , والحياة صناعة ربانية ” هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ” وأي نقاش لايأخذ بهذه الحقائق وهي أبعاد معرفية لايكون محاورا يستحق ألآنتباه ؟
رئيس مركز الدراسات وألآبحاث الوطنية
ِ[email protected]