يذهب البعض من السياسيين ذوي الاتجاهات المدنية واغلب السياسيين ذوي الاتجاهات الدينية في العراق الى الاعتقاد بحتمية الصراع ، بل وقدريته ، بين المدنية السياسية والدين السياسي ، وبشكل ادق بين المدنية السياسية والاسلام السياسي ، بدلا من البحث عن ارضية للتعايش المشترك تتجاوز مرارة الصراع بين الطرفين طيلة العصر الحديث ، وقد اضرت تلك الثقافة بالمحاولات الهادفة لايجاد مقاربة مقبولة بين الطرفين تستند الى تطوير نموذج التعددية والشراكة التي خاضها الجانبان فترة مابعد التغيير ، فخطاب الجانبين يعمل ، حتى الآن ، باتجاه التحريض على الآخر ، متكأ الى خلفيات تاريخية لاتمت للحاضر بصلة ، ويسهم غياب القوانين وتطبيقها الى تعالي النبرات الاقصائية والدفع باتجاه زيادة الانقسام والعنف ، وربما تساوى الديني والمدني عند هذا المفصل ، وهو امر مؤسف حقا .
ان المقاربة المطلوبة تقوم على اقرار “المدني” بالهوية الدينية التاريخية للمجتمع ، واسقاطاتها على ثقافته وتقاليده وقيمه وحتى قوانينه ، في ذات الوقت الذي يقر فيه “الديني ” بالجذور الانسانية “المدنية” للدين ونزعة التجديد والتطور وقدرة المدنية على صياغة حياة الانسان وحضارته ، وقد راعى المشرع العراقي هاتين الخصوصيتين ،المتواكبتين وغير المتناقضتين ، في الدستور ؛ بتأكيده على عدم جواز المس بالحقوق والحريات الاساسية للإنسان من جهة وعدم سن القوانين المخالفة لثوابت احكام الاسلام من الأخرى .
ان القبول بسقف الدستور شرط لازم للمشاركة في الحياة السياسية ، وعلى جميع الاحزاب والقوى السياسية بمختلف مشاربها وتوجهاتها الالتفات الى ان الدولة العراقية – بوصف الدستور – ليست دينية ولامدنية ، بل دولة بمفهومها المطلق ، اي دولة مواطنة ، بما يملي على هذه الفعاليات تكييف خطابها السياسي ومواقفها بما يتواءم مع هذه الحقيقة ويتطلب ذلك العمل على مقاربة التعايش المشترك ضمن اطار الاختلاف والتنوع .