كم الاجرة الى المقبرة ؟ سال الشيخ ، ذو النظارتين ،الذي كان يتكلم بثقة ورسوخ ،مع الساىق الشاب ،كان الساىق مناديا باعلى صوته ،ومنشغلا جدا ” المقبرة الجديده !،المقبرة الجديده! ” !!،واجاب الشيخ ببرود : *-ب 250 دينارا . وردالشيخ معترضا : -ولماذا ؟ انها اقرب من مدينة المحاويل ،ولا تبعدسوى 30 كيلو مترا عن الحلة *- يا عم –هذه (كيا ) اي (فارة جميلة ) كما تسمونها ،والبنزين قليل ، ثم ان المقبرة ليست على الشارع المبلط مباشرة ،وسنسيراليها ،بطريق ترابي وافق الشيخ العجوز على الركوب مجاورا للساىق ،وامارات الاحتجاج واضحة على وجهة المتغضن . سارت السيارة مسرعة ، وقد ملاء جوفها ،شبابا،ونساء ،وشيوخا ،كانوا جميعا واجمين ،قد غادرت الابتسامة شفاههم منذ زمن بعيد ،كان كل منهم يود ويرغب لو تحدث عما يجول في صدره ،فعند كل منهم ماساة او اكثر —لكنهم صامتون كالقبور التي توجهوا اليها . اخرج الشيخ ذو النظارتين سيجارة واشعلها ،وراح يستنشقها بعمق ،وهو ينظر الى الراكبين في المراة التي وضعت امامه بنظرة متفحصة،مشفقة، ثم سال الساىق : -كم اخرجوا منها ؟ واجابه الساىق : *-يوم اول امس وامس 3000 ،والبحث مستمر،ويقولون ان العدد،قد يصل الى 15 000 !! وهنا انفجرت العجوز القابعة في نهاية المركبة،واجهشت باكية مخاطبة الحاضرين : -ولدي !ولدي !،انه صغير ، في الخامسة عشرة ،ولم نعرف ،كيف قتلوه ،واين دفنوه !! كان يجلس الى جانبها شاب وسيم في ريعان الشباب،راح يهديء ،من روع والدته ،ويكفكف دموعهاالغزيرة بمنديل عتيق ،لكنها دفعت يده بشدة موبخة له :
-اسمع !اذا وجدنا(حيدر) ،واذا لم نجده ،لا بد من قتل ذلك الذي جاء على راس قوة معه ،والقى القبض عليه،كان يريدك انت ،لولا هروبك ،انه عدونا ! *-سياخذ القانون مجراه ،ولن يفلت خاصة وان التقارير ،وجدت في مقرهم الحزبي !! واطبقت يديهاثم قلبتهما امام وجهه ،احتقارا وازدراء له ،فلاذ بالصمت وهنا تكلمت امراة تجلس في الركن الثاني من المركبة ، كانت في الخمسين من عمرها ،تغط تحت عباءة صوفية متهرىة ،وتخفي نصف وجهها ب”الشيلة”. – انا ابحث عن اثنين من اولادي ،امس قتلني الحر والعطش في مقابر بغداد ،وقبلها في مقبرة الامام البكر (ع) ولم اعثر على اي منهما ؛ عسى اللة ان يرحمني واجدهما ،في هذه المقبرة الجديده !! وسالتها الشابة التي كانت تجلس قبالتها في قلب المركبة -ومتى اعتقلا؟! “1”
*-في بداية الانتفاضة الشعبية ،اخذهما الجيش . -وما كانت تهمتهما ؟ احدهما شارك من اجل الخلاص من النظام ،والاخرليست له يد في كل ما جرى ،انهم (يكرفون كرف السمج ) واستعدلت في جلستها،واستشاطت غضبا من محدثتها : عن اي تهمة تتحدثين ؟وهل النظام الا جريمة كبرى ،هو نظام الحروب في الكويت وايران والحرب القاىمة في داخل البلد ،كانك تعيشين خارج العراق ،الم يعتقل ابن(حسيب)واختفى نهاىيا ،الم يعدم (ابو خليل ) لرفضة الانخراط في الجيش(2) الشعبي ،وكتبوا على تابوته (خاىن وجبان )،واخذواثمن الاطلاقات ؟ الم يشنق (ابو حازم ) بتهمة الشيوعية ؟الم يسقى السم (ابو مهند)؟! الم يقطعوا الاذان والالسن؟! ،الم يعدموا محمد مظلوم ،وغيره؟! ،الم تمنع فاتنة من الزواج من ابن خالها العسكري ،وحاليا معقدة وجالسة في الدار؟!، الم يقتل الاطفال والنساء والشباب والشيوخ الاكراد بالسلاح الكيمياوي ؟! ،واين شيخ محمد حيدر ؟!، ولكن قولي لي ،ولو انك بنت محلتنا !،هل انت وكيلة للامن -وتخفين علينا ؟! وخرج كهل اعرج يستندعلى عكازته ،يضعها تحت حنكه الاشيب عن صمته،بعد ان سعل مرات قاىلا: -لقد قتلوا شقيقي “جابر” بالسم ،مات بعد ان اخرجوه من السجن وبعد شهر واحد فقط !! واعتدل رجل يقابله في المركبة ،وفي الثلاثين من عمره قاىلا: – اخي الاكبر (حسين) اسشهد في حرب ايران ،ولو حل صدام المشاكل بالمفاوضات بدل الحرب ، وعن طريق الامم المتحده ،لكان ذلك احسن ،ولحقن دماء الناس ولكانت اموال الشعب لنفعه وتطوره ، وايران طامعة في السيطرة على العراق منذ القدم ، ولماذا حضرت الى المقبرة؟! جىت الى المقبرة ابحث عن اخي الاخر ،لم يبق سواي لوالدي العجوزين وهنا رد الشيخ ذو النظارتين : – اللة يرحمه ،سمعت حينها ان الشهيد اخوك قد دفنتموه ومعه ثلاثة ارجل ،
*-نعم !هذا صحيح ،لقد جاءت في التابوت ثلاثة ارجل،وقد عرفت والدتي رجليه من خلال شامات كانت عليها في طفولته ،لذلك دفناه ! – وماذافعلتم بالثالثة ؟! *-دفناها ايضا،فماذا نفعل؟! -سيلحقنا النظام بشهيدنا ان اعترضنا ،وستذهب مناجميع حقوقه الشحيحة !!-اسكتوا،دعونا نصل الى المقبرة !! وانعطفت السيارة في الطريق الترابي،وسارت ببطء وبهدوء،مثيرة الغبار الكثيف الخانق ،حتى وصلت الى المقبرة—تجمع المىات ،وتكدست العظام ،والملابس المتهرىة ،بعضهاوضع في اكياس من النايلون، والاخرى ،تقلبهاايدي المتفحصين ،علهم سيعرفون ابناءهم ،اواخوانهم ،اواباءهم ،اوجيرانهم ،اومعارفهم .اما الذين وجدت معهم بطاقات تعريف،فكان ذووهم ،ياخذوهم وسط العويل ،واللطم على الخدود ،والرؤوس ،وحثو التراب ،والدموع النازلة ،المنهمرةمن اعين الجميع . نزل الشيخ ذو النظارتين ،من السيارة ،على مهل ، وصوب نظره نحو الة الحفر، ونحو اكياس النايلون ،،ونحوالعظام المبعثرة —وهز راسه ،وعض على شفتيه — (انهم اناس ،بشر ،)رمق الجميع بنظرة حزينة ،منكسرة ،ونظرالى وساىل الاعلام ،وهي منشغلة ،ومدهوشة-تصور،وتسجل ،وتقابل المنكوبين ، وقد حضر بعض الحاكمين في السلطة الجديدة ، ليتفرجوا !!—كتم،الشيخ ذو النظارتين في داخل نفسه ،المه العميق ، وتمتم قاىلا:(لقد حضرتم بعد خراب البصرة ) !!
ورفض مقابلة احد منهم ،لكنه قابل احد معارفه الذي حياه باحترام : -هاه ،يا ،استاذ ،هل رايت ما فعل الطغاة ،واعوانهم عملاء الاجانب ،لقد قتلوا شعبنا !! *- انا اعرفهم ،وانت تعرفهم !!! وقطع حديثهما اكتشاف قبر طويل ،هرع الناس نحو الرمم المخرجة والجميع يتطلعون، مدهوشين ،ودقت النساء صدورهن ،وخمشت احريات خدودهن ،كانت الرمم تدل على نساء،واطفال تيبسوا على صدور امهاتهم ،وشيوخا ،وشبابا، ومعوقين مع عكاكيزهم —حرارة الشمس المحرقة ،احرقت الجميع ؛ انسحب الشيخ العجوز الى ظل قريب —وانزلقت نظارته بسبب العرق حتى وصلت الى ارنبة انفه —منعها من السقوط ، على الارض قاىلا : بصوت مسموع : ( 3) كلهم شهداء،كلهم معانقون تراب الوطن الحبيب -فمتى يرتوي الوطن من الدماء ؟!ومتى يكف الطغاة عن قتل الشعوب !!!!! ++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++ “1”الانتفاضة الشعبية :سماها الكاتب بهذا الاسم ،لانها انتفاضة قام بها الشعب العراقي بكافة فىاته عربا وكردا وسنة وشيعة وباقي القوميات والاديان ،وليست كما سماها الامريكان على انها انتفاضة الشيعة في الجنوب ،ولابالانتفاضة الشعبانية -كما سماها الطاىفيون -ليسهل عليهم استلام السيطرة والحكم باسم المكونات والمذا هب وسرقته ،وقد حدثت اواخرشهرشباط ، واستمرت ، في عام 1991 م ،ولم يكن لها اعلام حتى الغزو في عام 2003 م وزور التاريخ الحكام الجدد حلفاء الاحتلال -وقد بدات من مدينة البصرة ،بعد تحطيم احد تماثيل الطاغية ،ثارا وغضبا ،لكرامة الجيش العراقي،وبغضا للنظام الدكتاتوري ،بعد هزيمته من الكويت حفاة ! والحقيقة هي ان بدء العمليات البرية لقوات التحالف بتاريخ 17/1/1991 وسيطرة طيران الحلفاء على الاجواء العراقية ،قد ازاح الخوف عن الشعب ،وصاروا يستهينون بالنظام علنا ،ويشتمونه جهرا ،وهذه هي بداية الانتفاضة، والانتقام منه، والتهياة للثورة عليه، ويشتري البعض السلاح لقتاله ، وان شرارة الانتفاضة اشتعلت نارهابعد تحطيم صورة الطاغية في مدينة البصرة ،ودخول وهزيمة الضباط والجنود حفاة،اليها. (2)الجيش الشعبي:هو ميليشيا حزب البعث الحاكم ،واجبر المواطن العرا قي على الانخراط فيه ،وصار وقودا للحرب وللطغاة ،واعدم الكثير منهم ،وقطعوا السنتهم واذانهم في مسرحيات معروفة وكان حزب البعث بعد مجيىه لحكمه الاول في العراق قد شكل ميليشيا بعد انقلاب عام 1963 م تحت اسم الحرس القومي ،وله تاريخ معروف ! وقد اسس الشيوعيون ميليشيا تحت اسم “المقاومه الشعبيه ” عام 1959 م وقد اسس النظام الحالي اكثر من 50 ميليشيا في العراق تحت اسماء مختلفه ،وتبعيتها معروفه ولجهات مكشوفة . (3) لا زال العراق يىن تحت انين المقابر الجماعية فقد كشفت مقابر في سبايكر ،وفي الرمادي ،وفي محافظة ديالى ،وفي سنجار ، والله اعلم بما سيكتشف !!!!!++++++++++++