22 ديسمبر، 2024 11:59 ص

المفهوم السياسي والدلالة العلمية

المفهوم السياسي والدلالة العلمية

يرتبطُ عمل السياسي بما عنده من فكر عن السياسة والتي تعني ويمكن تعريفها “بأنها الإجراءات والطرق التي تؤدي إلى اتخاذ قرارات من أجل المجموعات والمجتمعات البشرية، وكلمة (سياسة) كغيرها من الكلمات ذات الدلالة العلمية والفنية المستعملة عند العلماء والكتاب والمفكرين وغيرهم، فهي تحمل معنيين ” لغويا ً” من ساس يسوس بمعنى قاد رأس، والسياسة لغويا الترويض والتدريب على وضع معين، والتربية والتوجيه، صدر الأمر والعناية والرعاية، والإشراف على شيء، والاهتمام به والقيام عليه”. العراق أصبح ليس بعيداً عن وصفه بساحة صراعات دولية وإقليمية لدى الجميع و هشاشة المشهد السياسي وإنعكاسه على أداء المؤسسات الأمنية الرسمية لتزداد خطورة التذمر الشعبي وفقدان الشعور بالأمن الضروري وميدان تنافس على المصالح بين القوى المؤثرة في الدولة بسبب جهل السياسيين وفقرهم العلمي او لا اقل الناقص عندهم مما زاد من الممارسات المخطوءة او الغير المدروسة و الخلافات والازمات والتوترات بين اطراف العملية السياسية ، العراق اليوم يحتاج الى الخطاب العقلاني الذي يدعو للحفاظ على الدولة وتدعيم مؤسساتها الدستورية وعبور الطائفية، وإرساء المصالحة والوئام المجتمعي، والتذكير بمجد العراق وبعض ما تحقق من نجاحات، ويقوم هذا الخطاب على دقة اختيار المفردات والتوازن بين المذاهب ومغازلة النخب وتعظيم دور القوات المسلحة الرسمية، مع تعزيز ثقة العراقيين بأنفسهم من خلال استذكار بعض الصور المشرقة للماضي.

وهذا البلد برغم إمكاناته وموارده الكبيرة التي لم تستفاد منها يعاني الأمرين من سوء الحالة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ووصلت الأوضاع فيه إلى موضع لا يحسد عليه على جميع الاصعدة و لا شك فيه ان مراعاة التوازن الاقليمي والدولي واتخاذ الموقف الحيادي من الصراعات والابتعاد عن الاحلاف الغير مجدية، يجب أن تمثل أحد أهم أركان السياسية الخارجية للدولة في جميع المرحلة ، ومن المهم جداً ان لا تسلك العلاقات الخارجية اتجاه واحد، دون مراعاة الاتجاهات الاخرى ومصالحها ودورها المؤثر في اي مكان في العالم وان تؤسس لعلاقات متوازنة دولية تبقيهم على مسافة واحدة من جميع دول المنطقة، وبخاصة تلك التي يمكنها أن تؤدي دوراً إيجابياً في المسارات المستقبلية ، سياسياً وأمنياً واقتصادياً، بحكم الوزن الإقليمي والدولي والإمكانات المتاحة فيه.

يعتبر علم السياسية كأحد الحلول البديلة لتقوية مؤسسات الدولة اذا ما كانت قد نضجت عند السياسيين العراقيين العملية السياسية والذين يفتقرون إلى ابسط مفاهيمه ، والاعتماد على أساليب وأنماط متطورة مختلفة تساهم في بناء اي مجتمع قائم على السلوك الحضاري، وتكوين نخبة سياسية علمية مثقفة لا تكتفي فقط الأطر المفاهيمية والنظرية فقط، بل تشارك في الحياة السياسية من خلال انخراطها في مجمل المؤسسات، سواء الرسمية أو غير الرسمية؛ مما يستدعى الاهتمام البالغ بهذا العلم، وفتح المجال أمام الباحثين والمتخصصين في صياغة خطط وبرامج تقدر على مواكبة الظواهر والحد منها.

الغرض من دراسة السياسة هو تعميق المعرفة والفهم لواحدة من أكثر المجالات تأثيراً على الناس والمجتمعات والشركات اليوم، وهي الحكومة التي تنتج من سياسات معيّنة في العالم، ثم بدرجة موازية لفهم التوجهات المستقبليّة للحكومات حول العالم. هذا العلم يضيف قيمة لجميع المواطنين، كما أنه ضروري في العديد من الوظائف اليوم، ويحتاج رجال الأعمال التنفيذيين إلى بعض الفهم للمسار المحتمل للسياسة من أجل اتخاذ قرارات استثمارية حكيمة . تأتي أهمية السياسة من كونها المؤثر بحياة الدول منذ نشأتها , و الإنسان منذ ولادته و حتى وفاته . فكل ما يتعلق بحياة الإنسان يسيس أو تشرف عليه السلطة السياسية . حتى غدت هذه الأخيرة تتدخل بجميع مفاصل الحياة البعيدة كل البعد عن السياسة و معتركاتها .

ويرتقي هذا العمل أو ينخفضُ بحسب رقي فكره الذي آمن به ويدفعه للنهوض بما يجب عمله في الاصلاح وصوابه ، أو ينخفض سلوكه بحسب انحطاط في الحياة والفكر فيما يجب عمله لأن الفكرَ هو الذي يوجدُ المفاهيمَ لديه، ويكيِّفُ سلوكَهُ في الحياة تجاه الأشياء بحسبه، فسلوكُه تجاه شيء فكَّرَ فيه وتكوَّنت مفاهيمه لديه و تجاه شيء يبغضه وعنده مفاهيم الحب او البغض ، في سلوكه تجاه شيء يرتبط بعمله بمفاهيمه عن الأشياء والحياة، وما عنده من فكر عنه ويرتبط به حتمياً.

والسياسي عندما يقال له سياسي يجب عليه ان يُحسِنُ الفكرة بالعلم فيما يجب للسياسة بالإعداد الموثوقة به والاستعدادِ المؤمن بما يجب للسير في مسالك الحياة؛ بالفكرة المستنيرة الصحيحة الصالحة للعقيدة الصحيحة و للمنهج والنظام المتكامل، وعليه أنْ يستحضرَ المفاهيم بذكاء متوقِّدٍ، ويستلهمَ الفكرة الجادة والخبرة؛ ليُعبِّرَ في سلوكه عن إرادة قيادة فكرية صالحة العقيدة والمعالجات الصحيحة المنهج في تنظيم حياة الناس من أمتهِ و في علاقاتهم الداخلية برعاية الدولة، لإقامة السلطة العادلة ، وترتيب نظام الامة في علاقاتهم الخارجية للدولة والعالم بما يرعى مصالح وطنه بين البلدان على أحسن وجهٍ.

السياسة فن يجب ان يمارسه السياسيون، بطريقة علمية، و الأصل فى السياسة هو ممارستها علمياً، في السياسي يأتى أولا ثم يأتي بعد ذلك دارسو السياسة وعلماؤها، ويرتكز دارس السياسة وعينيه على ممارسي السياسة فى الحكومة والبرلمان والانتخابات والمحليات والأحزاب والنقابات يلاحظهم بدقة، ويرصد ما يقولون ومتى يقولونه و يحاول فهم دوافعهم ومبررات قراراتهم. يبحث فى تصرفاتهم عن الأشياء التى تتكرر، فيحولها إلى استنتاجات وقوانين عامة تشرح وتفسر السلوك السياسي فى مجتمعه والمجتمعات الأخرى. وبعكس ذلك تنمو المشاعر السلبية تجاه السياسيين، الذين يراهم الناس بشكل متزايد فاسدين، زائدين على الحاجة، أنانيين، يسعون لمصالحهم الخاصة.