22 نوفمبر، 2024 11:50 م
Search
Close this search box.

المفهوم الإسلامي للديمقراطية

المفهوم الإسلامي للديمقراطية

ما من شك أن الشريعة الإسلامية وضعت نظام متكاملا للحكم يحفظ حقوق الخالق والمخلوق ولا يمس بأي منهم ولا يعطي الأفضلية لفئة دون فئة ولا يجعل الحكم حكرا على جماعة أو هيئة أو حزب أو أمة وأنما الناس متساوون , الفصل فيهم لمن أتقى ولمن خدم غيره ولمن استعان بالله وحده ، فلا يمكن لمخلوق أن يسيء تحت أي ظرف لمخلوق آخر يشاركه صفة الإنسانية بل يجد لزاما عليه أن يحفظ دمه وماله وعرضه لا لشيء إلا لمجرد أنه بشر يحمل صفة السمو التي منُ الله بها عليه وأستودع فيه شيء من ذاته المقدسة , وليس الإسلام وحده من كرس السمو للبشر بل أن نظرة الأديان جميعها سواء أكانت سماوية أو غير سماوية أرتقت بالإنسان وسمت به وقرنت كل شيء خلق  سواه لخدمته و التفاني في تقديم أفضل ما عنده لهذا الكائن . بل أن الإسلام وهو يمتاز بذلك دون كل الشرائع هو أول من أنزل فريضة الشورى والتداول في شئون الحكم والعدالة ولم يجعله أمر ملزما في عهد الصحابة وحسب بل في عهد الرسول الأعظم ( ص ) .
لقد أمن الإسلام كل دعائم الديمقراطية وأولها خضوع الدولة لحكم القانون الذي تمثله الشريعة الغراء إذ أن القرآن الكريم والسنة النبوية هما القانون الأعلى لمؤسسات الحكم كافة والتصرفات التي تصدر عن الهيئات والإفراد فما اتسق معها كان شرعيا ودستوريا وإلا فهو باطل وغير دستوري ، كما أن الإسلام ضمن استقلال القضاء بعناصره كافة فما كان يتصدى لهذه المهمة إلا من تتوفر فيه شروط الكفاءة المهنية والأدبية وما كانت الرسائل التي شرعت لتوضح أساليب القضاء ونهجه وسيرته إلا شاهدا على أن القضاء سلطة مستقلة يمارسها القاضي الإسلامي دون تحيز أو ميل أو هوى أو تمييز بعد أن تتوفر فيه ما تتطلبه مهنة القضاء في عصرنا الحالي لا بل أن الخليفة عندما كان يمارس القضاء ما كان يقصد من ذلك الجمع بين مختلف السلطات بين يديه بل كان يسير على مقتضى السنة النبوية المطهرة وكان يهدف إلى خلق ممارسة لمهنة القضاء وفق ما تراه الشريعة الغراء كما أن الشريعة الإسلامية حفظت حقوق الأقليات داخل الدولة الإسلامية ووصلت حد تقلد الوظائف العامة بل أن الرسول الأعظم ( ص ) خط الخط الأول واللبنة الأولى في هذا البنيان فجعل سلمان الفارسي جزء من آل بيته الكرام ضاربا بذلك عرض الحائط ما كانت تدين به الجاهلية من اعتداد بالدم والعشيرة والقبيلة وأوكل مهمة رفيعة في السلم الإداري والبروتوكولي للدولة فجعل بلال ( وهو حبشي ) مؤذن له . وأن كل ذلك مؤشرات تدل على احترام حقوق الإنسان وحرياته وهي الدعامة الأساسية في أي نظام ديمقراطي لا بل أن الإسلام ضمن لهذه الأقليات حقوق الضمان الاجتماعي التي تلزم الدولة الإسلامية بالإنفاق على هذه الأقليات إذا أعتراها العجز ونال منها المرض والشيخوخة مقررا بذلك أن فرض نظام الجزية على هذه الفئات إثناء شبابها للدولة الإسلامية يوجب على تلك الدولة الإنفاق عليها إثناء العجز أو المرض وفي هذا مطلق الضمان للحقوق والحريات في فترة مبكرا جدا وهي كما أشرنا الدعامة الأساس لأي نظام ديمقراطي . كما أن الإسلام يقر التداول السلمي للسلطة ولا يعترف بالاستبداد بها أو الطغيان أو جعلها في عشيرة واحدة أو أسرة واحدة ولذلك تعاقب على حكم الأمة الإسلامية في زمن الخلفاء أناس لا ينتسبون إلى عشيرة واحدة أو أسرة واحدة بل ينتمون إلى عقيدة واحدة هي الإيمان بالقرآن والسنة والشريعة الغالبة التي تجسد أن كل مؤسسات الدولة يجب أن تعمل لخير البشرية جمعاء وأن دماء الناس وحقوقهم وأموالهم وشرفهم كلها مصونة لا يجوز التعدي عليها أو الإساءة لها أو لانتقاص منها .
أن سمات الحكم في الدولة الإسلامية التي أشرنا لها سابقا بشكل موجز تؤكد بما لايقبل الشك أن نظام الحكم في الإسلام هو نظاما ديمقراطيا بكل ما تعني هذه الكلمة من ضمان للحقوق والحريات العامة بما في ذلك حقوق وحريات الأقليات الدينية واستقلال القضاء وخضوع الدولة للقانون والتداول السلمي للسلطة فكل هذه المعايير التي تتطلبها الديمقراطية المعاصرة موجودة ومقره ومكرسة في الإسلام قبل 1400 عام ومحاطة بهالة من القدسية  , وقرنت ذلك بالتطبيق والذي زانها فعلا  إن الرسول الأعظم هو أول من سنها كشريعة وكمزاولة ولكن التيارات الإسلامية التي ترجمت هذه الشريعة على أرض الواقع إلى أحزاب سياسية أعطت للديمقراطية الإسلامية مفهوما جديدا ينسجم مع ما تعتقد به تلك الأحزاب أو ما تعتقد أنه وسيلتها للوصول إلى السلطة .
وخلاصة القول انه إذا كانت الديمقراطية الغربية تقوم على الفصل بين السلطات أساسا لها ثم تحولت إلى أساس أخر هو ضمان الحقوق والحريات للإنسان فان الديمقراطية بمفهومها الإسلامي كانت ولا تزال تقوم على أساس خضوع الدولة بكافة سلطاتها ومؤسساتها  وحكامها ومواطنيها للقانون الإسلامي بمصادره المختلفة وان الدولة لايمكن إن تكون ديمقراطية إذا انتهكت قاعدة من قواعد هذا القانون مهما كان موضوع هذه القاعدة وطبيعة مصدرها وكما هو معروف لم يترك القانون الإسلامي شيئا لم ينظمه, من ضمان حقوق الإنسان , إلى المشاورة في شؤون الحكم , إلى استقلال القضاء , ومع الإقرار بوجود هذه الضمانات الديمقراطية المنصوص عليها في الديمقراطيات الغربية أيضا يتبن إن لا فرق يذكر بين المفهوم الإسلامي للديمقراطية والمفهوم الغربي لها إلا فرق واحد فقط هو ترتيب سلم الأولويات فهي في المفهوم الغربي احترام حقوق الإنسان وهي في المفهوم الإسلامي خضوع الدولة للقانون .
    ومع ذلك فلابد إن نعرج على مفهوم الأحزاب والتيارات السياسية الإسلامية للديمقراطية  التي تنقسم إلى قسمين ؛ آراء متشددة وآراء معتدلة ؛ وسوف نحاول دراسة كل منهما بمطلب مستقل .

المطلب الأول
الآراء المتشددة

     إن خطاب التيار الإسلامي المتشدد يجعل من الإسلام حالة رفض مطلق واحتجاج ضد كل الظواهر غير الإسلامية . إن هذا الخطاب حول اليهودية والمسيحية في الشرق الأوسط وفي العالم يعتبر الإطار النظري للجماعات والحركات الإسلامية المتطرفة . ويعتقد هذا الخطاب أن العالم كله يعيش حياة الجاهلية التي تنتشر فيه بقوة آلهة المادية والإلحاد والعلمانية والقوى المعادية للدين . لذا يرى أن المسلمين الضعفاء خضعوا لضغط الظروف القاسية في نظرتهم إلى الإسلام على أنه نظام إيمان ، فقط ، وليس نظاما لكل الحياة . لذا ، فان العلاقة بين المجتمع الإسلامي والمجتمعات الأخرى يجب أن تقوم على تدمير الآخر ، أو على الأقل الإخضاع . ومع أنه اعتبر أن لليهود والمسيحيين الحق في التعبد على أسس ديانتيهم ، إلا أنه لا بد من إخضاعهم للإسلام كسبيل وحيد للتعامل الإيجابي ـ وهذا عبر دفع الجزية . كما إن الشريعة الإسلامية هي القانون الوحيد الذي يجب أن يحكم العلاقة بين الإسلام من جهة اليهودية والمسيحية من جهة أخرى . إذ إن أي قانون آخر يجعل كل المجتمع في حالة كفر . وإذا كان هذا هو حال المسلمين فهو ينطبق ، أيضا ، على غير المسلمين من يهود ومسيحيين .
ولذلك فان فقهاء هذا التوجه يرون أن البروتستانتية هي أقرب إلى الإسلام ، إذ أنها ، بحسب ما دعا إليه مارتن لوثر في القرن الخامس عشر ، الذي هاجم تعاليم الشيطان ، أو تعاليم البابوية والتثليث والكنيسة الكاثوليكية ورفض عقيدة الخلاص عبر الإيمان بالبابوية . وجعل لوثر سلطة النص الإنجيلي أعلى سلطة ، فدعا إلى حرية تفسير النص ، وجعل للإيمان سلطة أعلى من العقل .
ولذلك فهم يعتقدون أن كل رسل الله من نوح إلى المسيح ، بشروا بالتوحيد الخالص ومركزية الإنسان في الكون . لكن الإسلام هو الدين الوحيد الذي لم يفقد أصالته ونقاوته وبقي على حقيقته الأولى . لذا ، فإن أولئك الذين لا يتبعون الإسلام يتبعون عقائد دينية خاطئة . وكمثال على هذا ، يعتبرون أن جوهر اليهودية ، دين بني إسرائيل ، تأثر ، كما تأثرت المسيحية ، بالوثنية القومية . ومع أن بني إسرائيل وصلتهم رسالة التوحيد الخالص في التوراة ، إلا أنهم لوثوها عبر إدخالهم في العهد القديم خرافات ليست بأفضل من خرافات الإغريق . ومع أن النبي إبراهيم ( عليه السلام ) دعا إلى التوحيد الخالص ، إلا أن عددا قليلا من اليهود تبعوه ، أما الآخرون فعبدوا الأوثان ونقضوا الميثاق الذي عقدوه مع الله . علاوة على ذلك ، فقد آمنوا أن إله بني إسرائيل هو إله قومي ، ما سمح لهم بأن يمتلكوا معايير أخلاقية معينة لليهود وأخرى لغير اليهود . والعهد القديم يمتلئ بالإشارات إلى اصطفائهم والى تصوير الله بصور إنسانية لا تليق به ، كحزن الله وشعوره بالذنب .
ويرى فقهاء هذا الاتجاه أنه في مثل هذه الحالات يصبح الجهاد وسيلة ضرورية للدفاع عن العالم الإسلامي ونشر رسالة الإسلام . ومن المنظور هذا ، فإن كل الحروب قد شنت لأسباب المصالح القومية والاستغلال ، فيأخذون من شعوبهم المصادر الطبيعية وجعلهم وأسواقهم تابعين للغرب . فالحربان العالميتان كانتا نتاج إفلاس الإنسانية .
لذا ، فإن الهدف الأول للجهاد هو حماية المسلمين من عدم تحويلهم ماديا ومعنويا عن الإسلام ، أما الهدف الثاني فهو حماية الدعوة إلى الإسلام . والهدف الثالث هو تأسيس سلطة الله في العالم والدفاع عنها ، وهكذا فإن الإسلام لا يبحث عن السلام بأي ثمن بل يتطلب أيضا العدالة . هذا يعني أن على المسلمين عدم مسايرة طواغيت الأرض ، سواء كانوا أفرادا أو جماعات أو طبقات ، وعدم قبول العبودية والاستغلال . وهكذا ، فإن المسلمين يقبلون من غير المسلمين واحدا من ثلاثة : اعتناق الإسلام أو الجزية أو الحرب .
ويرى أبو الأعلى المودودي في كتابه حقوق أهل الذمة في الدولة الإسلامية أن الدولة الإسلامية تقسم المواطنين إلى مجموعتين : من يؤمن بها ، ومن لا يؤمن بها . ومع أنه يجوز للدولة الإسلامية توظيف غير المسلمين ، لكن أفضل عدم تعيينهم في مراكز أساسية . إلا أن الدولة الإسلامية تعطي كل الضمانات للأقليات على عكس الدولة القومية التي تجردهم من حقوقهم وتضعفهم تدريجيا من خلال إضعاف هويتهم الجماعية . فالدولة الإسلامية تزود الأقليات بحقوق وواجبات متساوية كواجب ديني ما يحد من إمكانية تجريدهم من حقوقهم ، بينما توظف الدولة القومية الأكثرية من أجل تجريد الأقليات من حقوقهم 
وطبقا لدستور إيران ، فإن دين الدولة هو الإسلام ، كما إن المذهب المتبع هو الاثنا عشرية . وفي المبدأ ، فإن المذاهب الإسلامية الأخرى محترمة ، ويمكن لمتبعيها ممارستها في مجالات التعليم وفي الأحوال الشخصية التقاضي في محاكمها . وإذا كانت في منطقة معينة تتبع مذهبا معينا ، فإن القوانين المحلية يجب أن تكون وفقا لهذا المذهب .
وعلاوة على هذا ، فإن اليهود والمسيحيين والزردشتية هم الأقليات المعترف بها . فهم لذلك يتمتعون بحق ممارسة شعائرهم الدينية وإتباع قوانينهم للأحوال الشخصية وتسيير تعليمهم الديني . ويدعو الدستور الإسلامي إلى معاملة غير المسلمين بالعدل والأخلاق والمحافظة على حقوقهم عند عدم تحركهم ضد الإسلام أو الدولة الإسلامية .
وضمن الفصل الثالث من الدستور الإيراني ، حقوق الناس ، هناك إحدى عشر مادة حول الحقوق التي يتمتع بها الناس في إيران . وهي تشتمل على الحقوق المتساوية وعدم التمييز بينهم في العراق واللغة وخصائص أخرى وحماية القانون لجميع الناس . كما تشتمل الحقوق الأخرى على حق المرأة في تطوير وضعها المادي والأخلاقي ، وحق المرأة الحامل والمرضعة والحامل وأخريات كالمرأة الطاعنة في السن والأرملة ومن لا معيل لها ، كما يحمي الدستور حق الملكية والعمل والمال ، وكذلك يعطي ضمانات اجتماعية وتعليمية وجعلها حقوقا للمواطن . وعلى المستوى السياسي ، بنص الدستور على حرية التجمع ، سواء كان ذلك من خلال الأحزاب أو الجمعيات أو غيرها ، شرط عدم تعارضها مع أسس الدولة الإسلامية . وهذا يعني عدم السماح بتأسيس الأحزاب غير الدينية ، كما لايمكن المسيحيين ، مثلا ، تأسيس حزب ديني
الفرع الثاني
الآراء المعتدلة

      من ناحية أخرى ، يعتبر اتجاه أخر أن الإسلام هو دعوة لاحترام العقود والاتفاقيات والعهود . إلا أن الجزية هي ضريبة تؤخذ من أهل الكتاب من أجل الخدمات التي تقدمها الدولة ، بما فيها حمايتهم والدفاع عنهم ، فكان يتم جمعها من الأراضي التي كسبها المسلمون في الحرب ، فيصبح المسلمون مسئولين عن أمور الدولة . فالإسلام في هذا المجال مثل اليهودية والمسيحية ، فهما لا ترفضان الجهاد والحرب ، فهذا الاتجاه يرفض الفكرة القائلة إن النظام الإسلامي يرفض حق الأقليات الدينية في ممارسة شعائرها الدينية . فعلى العكس من ذلك ، يرى هذا الاتجاه  أن على كل فئات المجتمع التعاون من أجل إقامة المجتمع الفضيل والحر ، فالإسلام يطالب بحماية الأقليات ويمنع مقاتلة الآخرين من دون عذر شرعي ، فكل المؤمنين ، يهودا ومسيحيين ومسلمين ، يشكلون أمة واحدة. ، وإنه بالرغم من أن تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد الإسلامية هو ضروري إلا أن الأقليات والغرب ليسا أعداء . لذلك يمكن إقامة علاقات ودية وعادلة مع المسيحيين واليهود الذين يقيمون خارج العالم الإسلامي .
 إلا أن فقهاء آخرون  يعتبرون أن أهل الذمة هم اليهود والمسيحيون الذين يعيشون في الأراضي الإسلامية ، أي المواطنين غير مسلمين في المجتمع الإسلامي . فالذمة تعني الأمان والضمان والعهد ، وهي أمور يزودون بها حتى يعيشوا بسلام . وهي موازية لما يعرف اليوم بالتجنيس حيث يصبح الغريب مواطنا . وبهذا المعنى ، فأهل الذمة ينتمون إلى دار الإسلام ولديهم الجنسية الإسلامية . وهذا العقد هو أبدي ويضمن أن المسلمين يحمون الذميين إذا ما قدموا الجزية وتقبلوا الشريعة الإسلامية في غير أمورهم الدينية . وتشتمل حقوقهم على الدفاع الداخلي والخارجي ، الحقوق المادية والقانونية ، وضمان الشيخوخة . والأكثر أهمية هو ضمان الحرية الدينية سواء في المعتقد ، أو في الشعائر من دون أي تغيير من قبل المسلمين . كما يتمتعون بالحقوق الاقتصادية ، سواء في العمل والبيع والشراء ، مع استثناء لحم الخنزير والمشروبات الكحولية . وعلى مستوى آخر ، يتمتع الذميون بحقوق العمل في الوظائف الحكومية باستثناء الوظائف ذات الطبيعة الدينية كالإمامة والرئاسة ، لأن هذه المؤسسات تمثل النبي محمد ( ص ) ، ولا يمكن غير المسلمين تمثيله . لكن يمكنهم تولي وظائف الوزارة والنيابة .
وبناء على ذلك ، فإن المواطنين في الدولة الإسلامية متساوين ومحميين من الاستبداد والعشوائية . فالفرق بين فرد وآخر يجب ألا يرتكز على العرق أو المعتقد . أما في موضوع ممارسة القوة ، فيجب أن ترتكز على الشورى وحرية الاجتماع ، وبخاصة الأحزاب والنقابات والأقليات ومؤسسات المجتمع المدني . إن نظام الحكم الواحد لا يخدم الدولة الإسلامية . كما إن حكم القانون يجب أن يكون الركيزة الأساسية ، ويجب أن يمكن المواطنين من مراجعة القضاء والاحتكام إليه . علاوة على هذا ، يجب ضمان حرية التعبير ، سواء على المستوى الشخصي أم العام .
ويعتبر فيصل المولوي ، أحد قادة الجماعة الإسلامية في لبنان ، أن الإسلام يساوي بين النساء والرجال ، وبالتالي ، بين الحقوق والواجبات . وهكذا ، فإن الحقوق والواجبات الدينية هي نفسها لكل البشرية . فالرجل والمرأة لهما الحق في اختيار المعتقد والإيمان أو عدمه ، ويسري هذا على الرجل والمرأة . هكذا ، فالحقوق يتمتع بها جميع الناس بشكل متساو ، وللمرأة الحق في الحرية والمسكن والرأي والمعتقد والتربية والضمانات الاجتماعية . وفي المبدأ ، للمرأة نفس الحقوق التي للرجل ، والفرق يمكن في الدور الاجتماعي الذي لا يعكس بالضرورة عدم التساوي ، بل وظيفة تعود إلى الفرو قات الجسدية والجنسية . والأكثر أهمية أن للمرأة الدور الرئيسي في إدارة العائلة ، وبالتالي تملك الكثير من القوة ، لأن العائلة هي النواة الأساسية للمجتمع الإسلامي .
ويحدد بيان الإخوان المسلمين حول دور المرأة في عام 1994 هذه الحقوق على الشكل التالي . في ما يتعلق بحق المرأة اختيار المجالس التمثيلية ، فيقول إنه لا يوجد في الشريعة ما يمنع المرأة من المشاركة . فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أمر يقوم به الرجل والمرأة ، وهذا الأمر يشتمل على حق المرأة في الانتخاب . أما بالنسبة إلى عضوية المرأة في المجالس التمثيلية ، فيقول البيان أيضا إنه لا يوجد أي مانع شرعي من ذلك . وهكذا ، للمرأة الحق في الاقتراع والترشيح للمجالس التمثيلية . كما يمكن المرأة تولي الوظائف العامة باستثناء رئاسة الدولة . أما فيما يتعلق بالوظائف العامة الأخرى ، فليس هناك من مانع شرعي بتولي هذه الوظائف إذا ما توافرت الكفاءة . كما إنه لا يوجد مانع في الشريعة أن تعمل المرأة في حقول أخرى كالطب ، وبحسب حاجة المجتمع .       
ويذهب جمع من الفقهاء إلى أن حكومة الأمام الفاسق وفق المنظور الإسلامي خير من فقدان الحكومة ـ فالمجتمع لا تدار شؤونه من غير حكومة . وحتى لو انعدمت الحكومة الصالحة ، فان حكومة الفاجر خير من عدم الحكومة ، وذلك لأن انعدام الحكومة يؤدي إلى الفوضى وفقدان الأمن ، وتتلاشى عند ذلك الظروف الكفيلة بالنمو والتكامل المادي والمعنوي . فالحكومة التي يرأسها أهل الفسق والفجور ، أذا وفرت الأمن للناس ، أفضل من عدم الحكومة . والمجتمع الفاقد للحكومة لا يحقق أي نجاح ( لا بد للناس من أمير بر أو فاجر ) ففي ظل وجود الحكومة وتوفر الأمن يؤدي المؤمن واجباته ووظائفه ويطوي سيره التكاملي ( يعمل في أمرته المؤمن ) ويستمتع الكفار بحياتهم أيضا . فقد قضت الحكمة الإلهية أن يستمتع المؤمن والكافر بنعم الله في الدنيا . ولكن بما أن الكفار يكفرون بنعمة الله ويسيئون الاستفادة منها ، فلا بد إن يحصدوا نتائج أعمالهم في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معا .
ولكن هذا لا يعني طبعا بأن حكومة البر تتساوى من حيث القيمة مع حكومة الفاجر . وليس مرادنا أن الناس ملزمون بإطاعة أية حكومة كانت . بل أن الناس مكلفون بإقامة حكومة الحق والعدل ، ومحاربة حكومة الظلم والجور ، من أجل تغيير حكومة الباطل إلى حكومة الحق . ومن الطبيعي أن حكومة الحق والأمام العادل تختلف اختلافا كبيرا عن حكومة الباطل والأمام الجائر . وأن أفضل عباد الله عند الله أمام صالح تتوفر فيه الشروط الثلاثة التالية : ـ
1 ـ أن يكون عادلا لكي يحارب الظلم .
2 ـ أن يكون قد هدي ويعرف طريق الحق .
3 ـ أن يعمل لهداية الآخرين .
 وإن شر الناس عند الله إمام جائر ضل وضل به فأمات سنة مأخوذة وأحيى بدعة متروكة  .
فالمعيار الذي تقاس به حكومة الحق وتميز من حكومة الباطل يتمثل في مدى التمسك بالسنن الحسنة ونشر الفضائل الأخلاقية والمعنوية . والسمة البارزة التي تميز حكومة الباطل أنها تميت السنن الحسنة وتنشر البدع والخرافات والأمور الباطلة . 

أحدث المقالات