صلاحية أي نظام سياسي للحياة تكمن في فقرة ” حقوق الانسان ” وتحت هذه الفقرة يندرج كل النشاط السياسي المتحضر ، فهي بوابة حياة وحيوية الانظمة الساعية لبناء دولة متحضرة قادرة على الاشتغال التنموي ، فغيابها يشوّه أي نشاط ويجرده من أي ايجابية ممكنة ، والانسان ” اثمن رأس مال في الوجود ” كما قال المفكر الالماني الراحل كارل ماركس ، ما يعني ان كل الجهود والفعاليات والانشطة الحضارية يتوجب ان تنصب لحماية رأس المال هذا من أي محاولة لتغييبه أو المساس بقدسية وجوده ودوره الحياتي .
المغيبون والمفقودون في العراق قضية وطن حقيقية ، وعلى اساس حلّها أو تجاهلها يكمن الموقف من شعارات بناء الدولة العراقية لما بعد 2003 ، هذا البناء المشوه الذي ترافق ، بسبب طبيعته الطائفية ، مع بروز واحدة من أهم مشكلات اللوحة السياسية العرقية ، وهي التغييب والفقدان لآلاف المواطنين نتيجة الصراعات السياسية ومحاولات الاقصاء والثأر والتهميش والتغيير الديموغرافي والاعتقالات العشوائية التي مارستها قوات حكومية وقوى مسلحة خارجة عن القانون .
الملفت للانتباه ان الحكومات المتعاقبة تعاملت مع هذا الملف ( السياسي – الانساني) بطريقة لايمكن تفسيرها الا بعدم الرغبة في الخوض بهذا الملف الذي سيرفع الغطاء عن قوى وشخصيات حكومية وغير حكومية متورطة به لاعتبارات طائفية وانتقام سياسي .
يجري التعامل مع هذا الملف بهذه الطريقة المثيرة للشكوك رغم ان اللجنة الدولية لشؤون المفقودين بالعراق كشفت ، بمناسبة اليوم العالمي للمفقودين، أن 40 ألف شخص مفقودون في العراق، داعيةً الحكومة إلى معرفة مصيرهم ، وغالبيتهم من محافظات الانبار ونينوى وصلاح الدين وديالى ومن حزام بغداد ، ويقدر مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان، مصطفى سعدون، أعداد المفقودين والمغيبين في العراق بما بين 12 إلى 15 ألف شخص من أهالي الأنبار وصلاح الدين ومحافظات أخرى فضلا عن مختطفي ومغيبي حركة الاحتجاج الجماهيري التي انطلقت في الاول من اكتوبر 2019 .
ورغم محاولات النكران والتجاهل وغلق مناطق خصوصاً جرف الصخر امام أي محاولة ، حتى وان كانت حكومية للكشف عنهم ، الا ان المؤسسات الدولية تؤكد حقيقة الغياب والفقدان لمواطنين بالآلاف !
فالتقرير الذي رفعته ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت الى مجلس الامن حول الوضع في العراق تضمن الإشارة إلى وجود آلاف المغيبين والمخطوفين قسرا.
وعزز التقرير قرار مجلس الامن نفسه تشكيل فريق دولي للتحقيق في مصيرهم، و وصل فريق التحقيق الدولي إلى العراق أواسط العام الفائت للبحث في هذه القضية الشائكة. وأفادت مصادر مطلعة أن الفريق الدولي لديه معلومات دقيقة عن ملف المغيبين والمخطوفين حصل عليها من قوى سياسية عراقية ومنظمات حقوق الانسان.
وكانت نائبة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق أليس وولبول، دعت بمناسبة اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، الحكومة إلى التحقيق في جميع حالات الاختفاء وكشف مصير المفقودين وأماكن وجودهم وإعادة المحتجزين إلى أسرهم وتحديد المسؤولين عن عمليات الاختطاف والقتل ومحاكمتهم.
ان أمام السيد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي مهمة الخوض في هذا الملف بجديّة ونزاهة ففتح هذا الملف على مصاريع ابوابه سيفتح امام الكاظمي ملفات عسيرة الخوض مثل تورط شخصيات سياسية مهمة بهذه الجرائم وملف السجون السرية فضلاً عن عمليات التعذيب الممنهج في السجون العراقية على ايدي القوات الرسمية المكلفة باحترام الانسان وحفظ حقوقه !