22 ديسمبر، 2024 6:28 م

المفصولين السياسيين بين الواقع و الوهم

المفصولين السياسيين بين الواقع و الوهم

بعد تغيير النظام العراقي عام 2003 برزت الى الشارع العديد من المأسي التي خلفها كالمقابر الجماعية والسجناء والشهداء وكان من بينها ايضا قضية المفصولين السياسيين.
كنتيجة لذلك فقد اقرت الحكومة العراقية قانون المفصولين السياسيين عام 2005 وتم اعادة الكثير ممن يدعون انهم مفصولين سياسيين على اساس هذا القانون, الدوافع الاساسية وراء اقرار هذا القانون كانت بسبب السعي لكسب اصوات الناس اليهم لانتخابهم في الدورات اللاحقة.
هذا القانون الذي اقر على عجالة كانت له تبعاته الكارثية , حيث تمت صياغته بصورة فضفاضة مما ادى الى وجود الكثير من الغموض فيه ادى الى اعادة عدد كبير من الموظفين الذين تركوا وظائفهم طواعية وممن قدموا استقالاتهم وممن قدموا معاملات تقاعدهم حيث كانت كل هذه الفئات قد تركت الوظيفة لاسباب اقتصادية بحتة حيث لم يعد يكفيهم الراتب فبحثوا عن بدائل في السوق وقسم منهم عملوا في الدول العربية وجنوا الكثير من الاموال وقد ساهمت في تملكهم بيوت لم تكن تراودهم حتى في الاحلام ! بسبب فرق سعر الصرف انذاك, وكذلك فأن عدد كبير من الموظفات قد هجرن الوظيفة خصوصا المتزوجات للاعتناء باطفالهم.
بعد سقوط النظام وتحسن الرواتب المعيشية نسبيا وبعد بلوغ هؤلاء من العمر ما لم يكن من السهل على نفسياتهم المريضة تقبله وهو ان يعملوا في المهن الحرة لان كل الاعمال كريمة وليس واجبا ان يكون لديهم عناوين وظيفية ودوام مريح وراتب مجزي ولم يقتنعوا ان الوظيفة التي تركوها ما عاد بأمكانهم الرجوع اليها خصوصا وانهم قدموا استقالاتهم وقسم منهم ترك الوظيفة بدون اي استقالة لا سيما ان هناك جيلا من الشباب المتخرج من الجامعات هم اولى بالوظائف منهم وكذلك من استمر بالوظيفة في التسعينات رغم كل الظروف و المعوقات, بالاضافة الى ذلك انهم قد احسوا ان ليس لديهم اي تقاعد اذا ما لم يعودوا الى وظائفهم , كل هذه النقاط جعلت من معظمهم قادرا على التزوير والتملق والانتماء الى احزاب واللجوء الى التزكيات من الاحزاب والواسطات من مجلس القضاء الاعلى الفاسد في سبيل العودة الى الوظيفة.
كنتيجة لهذه التصرفات الشنيعة عاد عشرات الالاف من هؤلاء الى الوظائف ومما زاد الطين بلة انه وفقا للقانون فقد تم احتساب مدة انقطاعهم عن الخدمة ولغاية 2003 هي خدمة تحتسب لاغراض العلاوة والترفيع والتقاعد !!! وجعلت من راتب اقل موظف منهم لا يقل عن 750 الف بالنسبة لحاملي شهادة البكالوريوس.
الامر لم يتوقف عند هذا الحد , بل ان الكثير ممن فصلهم صدام لاسباب جرمية واخلاقية قد عادوا الى وظائفهم تحت عنوان الفصل السياسي! , وقد عاد الى الوظيفة ايضا من لم يخدم يوما في الدوائر العراقية واخيرا وليس اخرا الاسماء الوهمية التي ليس لها وجود و اعتبروا من المفصولين السياسيين لاسباب تتعلق بالفساد المالي .
والادهى من ذلك كله فان الكثير من المفصولين السياسيين ممن لم ينتموا للاحزاب ولم يحصلوا على كتب او لم يعطوا ولائهم للاحزاب اصبحوا طي النسيان وهم المفصولين الحقيقيين وليس اولئك المدعين عديمي الضمير والكرامة وعزة النفس والمتلونين مع كل ظرف وراكبي الموجة.
بالنتيجة وحسب الارقام الرسمية فان ما لا يقل عن 80 الف موظف عادوا الى الوظيفة تحت عنوان الفصل السياسي ونسبة المفصولين الحقيقيين منهم لا تشكل سوى 15 الى 20 بالمئة منهم !! , ردت الحكومة العراقية برد متأخر وخجول حيث ان القانون قد عدل عام 2009 واصبح اكثر وضوحا وتحديدا وصار وجود الاوراق الرسمية والاثباتات شي ضروري وشكلت لجنة للتحقق في مجلس الوزراء لكن الفساد في الحكومة العراقية جعل مسألة السيطرة على معايير اعادة المفصولين صعبة ايضا وتختلف من وزارة الى اخرى و نتيجة لذلك استمرت الخروقات رغم ان بعض الوزارات خصوصا تلك التي يشغلها وزراء ليسوا من الشيعة قد ساهمت بكشف العديد من التزوير والادعاءات الكاذبة لمن عادوا تحت مظلة قانون الفصل السياسي و فصلت قسم منهم.
ثم جاء التعديل الثاني عام 2013 وكانت القيود مشددة اكثر وقد اكتشف المئات من المفصولين السياسيين الدجالين وتم احالة من زور منهم للقضاء وفصله من وظيفته وارجاع الموظف الى الدرجة التي يتعين بها اقرانه في الدولة ( اي اذا كان يحمل البكالوريوس فانه سيعاد الى المرتبة السابعة ) واجبارهم على دفع فروقات الرواتب التي استلموها للدولة , وذلك لمن لم تكن لديه اي اثباتات حول فصله , ولكن بقيت المغازلة وغض الطرف في الوزارات التي يسيطر عليها الوزراء الشيعة ليس حبا بهؤلاء وانما املا في كسب اصواتهم ولربما انتمائهم لاحزابهم.
كنتيجة لهذه السرقة العلنية للمال العام والزيادة في الترهل الوظيفي حيث ان معظم من اعيدوا تحت مسمى الفصل السياسي قد اعيدوا الى وزارات خدمية مثل الزراعة والاعمار والاسكان والصحة والبيئة و الصناعة والمعادن وهذه الوزارات اصلا تعاني من الترهل الوظيفي لاسيما وقد اضيف اليها اعمار ليست منتجة.
كان من الجدير بالدولة العراقية في ظل البطالة المقنعة والترهل الوظيفي ان تشرع قانون الفصل السياسي مع شروط صارمة لا تسمح لاي من راكبي الموجة بأن يعودوا الى وظائفهم تحت هذا المسمى وان لا يستغلوا دماء وكفاح من عانى لاجل الحصول على مطامع مكاسب شخصية بدون اي وازع اخلاقي او ديني لا سيما وان القانون يعاقب على مثل هذه الحالات بالسجن لمدة لاتقل عن سنتين وارجاع كل ما تم استلامه من مبالغ للدولة اما رأي الشارع الديني فهو ان الراتب بأكمله حرام ويجب اعادته الى خزينة الدولة.
واخيرا فأن الكثير من مدعي الفصل السياسي الكاذبين, قد استفادوا من الفرصة التي اتيحت لهم بالعمل في دول الجوار والتي جنى بسببها عدد كبير منهم بيت او اكثر في العراق بسبب فرق سعر الصرف انذاك وبذلك يكونوا قد استفادوا في زمن الحصار ولم يضرهم من الناحية المادية لانهم لو ارادوا جمع المبلغ اللازم لشراء بيت لما استطاعوا شراءه ولو براتب ايام الثمانينات ولعشرات السنوات , وجاءوا بعد سقوط النظام وقسم منهم لم يعودوا مباشرة وانما عادوا الى العراق بعد خراب الدول العربية عام 2011 وقد رأوا ان الفرصة سانحة بسبب الفساد المستشري في جسد الدولة العراقية والرواتب قد تحسنت فجعلوا من انفسهم مفصولين سياسيين والمفصولين منهم براء.