زارني فريق اعلامي من شبكة فايس الكندية لاجراء مقابلة تلفزيونية مفتوحة حول الاعلام العراقي وتأثيره على مجرى الاحداث في البلاد وهل له دور في التوعية والتنوير ، وكيف تقدم وسائل الاعلام الترفيه في بلد تسود فيه اخبار الموت والقتل والتهجير والصراعات الطائفية والفساد . وبعد استعراض شبه تاريخي ارادوه هم عن انطلاق تلفزيون بغداد كأول محطة في العالم العربي عام 1956 انتقل الحديث حول تبعية وسائل الاعلام الموجودة حاليا وخاصة الفضائيات ومصادر التمويل ، وكانوا على بينة من ان معظم الفضائيات العراقية تابعة الى جهات دينية او حزبية وهي التي تنفق عليها ، واما القنوات الخاصة او شبه الخاصة فهي غامضة التمويل ، فالاعلان التجاري الذي هو مصدر التمويل الاول في العالم لوسائل الاعلام يكاد ان يكون معدوما في العراق ، فمن اين يأتي التمويل للفضائيات ” المستقلة ” !!!
وكان لا بد وان يتطرق الحوار الى امور تتعلق بالابتزاز الاعلامي والتحرش ببعض السياسيين ورجال الاعمال واصحاب العقود لكسب ودهم اوتلميع صورتهم او الحصول على ” مكافأت” من بعضهم مقبل السكوت عن ” هفواتهم ” وقد نجح هذا النهج الى حد كبير فشاعت برامج المقابلات التلفزيونية ” الخشنة ” في العديد من الفضائيات ، وبرز مذيعون ومقدمو برامج اتصفوا ليس فقط بالصوت العالي واللهجة الهجومية وانما ايضا باطلاق الاتهامات الصريحة للمسستهدف والتهديد بوجود وثائق وادلة ادانة حقيقية او مزعومة .
وتوقع الضيوف الكنديون ، في مثل هذا الاوضاع السياسية والامنية القلقة والاستثنائية ومع السخط الشعبي المتصاعد ان تزخر القنوات العراقية بالبرامج الكوميدية الساخرة ، برامج تعتمد الهجاء اللاذع لنقد االاوضاع السياسية والاقتصادية والامنية والاجتماعية برامج حسنة الاعداد والتحضير تتناول قضايا الساعة الانية التي تهم المشاهدين ، يستعرضها برشاقة مقدم طليق اللسان ، خفيف الظل ، لماح ، جذاب ، امام جمهور حقيقي او افتراضي يستهجن سلبيات الحياة اليومية بتنوعها دون لؤم او خباثة ، بل ان الجمهور قد يسخر احيانا حتى من ذاته اذا قدم له المقدم صورا سلبية من سلوكيات بعض المواطنين .
والنوع الثاني من الهجاء الساخر للسلبيات هو تقديم حزمة من المشاهد التمثيلية الكوميدية القصيرة لتعرية الاوضاع السلبية والمظاهر الهجينة في السياسة والمجتمع والاقتصاد وحتى في الثقافة والرياضة وهو اسلوب فني هجائي ساد في المسرح باوروبا تحت مسمى الكاباريه السياسي وفي المنطقة العربية برع فيه الكوميديون اللبنانيون على المسرح وفي التلفزيون ..
وهناك بعض الامثلة عن مجموعة برامج تدخل ضمن هذا الصنف قدمتها فضائيات عراقية “مستقلة ” قبل سنوات ، وبغض النظر عن المستوى الفكري او الفني او المهني لتلك الاعمال ، لم استطع ان اشرح : لماذا توقفت تلك المحاولات الساخرة . اهو تغير في التوجهات .. ام في المفاهيم .. ام في الجدوى .. ام هو عجز في التأليف والانتاج لهكذا برامج اعلامية انتقادية !! او هو ربما خوف القنوات من المساألة وتحمل المسؤولية ، او التعرض الى اللوم ، بل وحتى العقاب من اصحاب المصالح المستهدفين بالنقد وانصارهم ، وهذا ربما يفسر لنا احجام القنوات على عرض برنامج ” الشو ” الانتقادي الساخر الوحيد الذي تنتجه مجموعة من الشباب العراقيين المقيمين في الاردن بجهود شخصية .
واطرف ما سألني محاوري الكندي في نهاية اللقاء ان اذكر له مجموعة مفردات لغوية يتكرر تداولها حاليا في وسائل الاعلام العراقية ، فذكرت له بعضها بسرعة ثم زدت عليها بعد اللقاء ( متجنبا ذكر اسماء الاشخاص وهي كثيرة ) ، وفي النهاية وجدتها ، حتى بسردها العشوائي ، ودون ترابط انشائي ، تجسد الاوضاع السائدة بصورة شاملة احسن من اي تقرير منسق بمهنية – وهذا بعضها :
( …. فساد . كهرباء . طائفية . توافقات . داعش . محاصصة . تظاهرات . نواب . مهجرين . نازحين . تهميش . دستور . تقاعد . عقارات الدولة . اصلاحات . من اين لك هذا . ساحة التحرير . اقليم . الحشد الشعبي . بدر . دول الجوار . الحرس الوطني . فتاوى . مزدوجي الجنسية . التحالف الدولي . صفقات الاسلحة . ايران . سعودية . وزراء فاشلون . المرجعية . الصدريين . المنطقة الخضراء . شهادات مزورة . الوقف السني . الوقف الشيعي . هيئة الحج . تفجير .الانبار . الموصل . ايزيديون . بيجي . ارهاب . خطف . اغتيال . تدمير . سليماني . نقشبندية . بعث . جيش المهدي . مرتبات النواب . حمايات المسوؤلين . منافع . عقود. عمولات . رشوة . اقليم البصرة . الفلوجة . النخيب . مصالح . اقارب . مجلس القضاء .شرعية . اختلاس .فاسدون هاربون . امانة بغداد . البنك المركزي . العصائب . غسيل اموال . مسلحون مجهولون . كركوك . الجنوب . غارة جوية . اسلحة. تفجيرات . قيادة عمليات . مجلس المحافظة .هيئة النزاهة . لجنة النزاهة . استجواب . الاكراد . حزب الدعوة . ائتلاف الوطنية . مجلس الاعلى . اختلافات . تصريحات .. تفويض . ارحل . مطالب . تآمر . تحالفات جديدة … و … و…”
ولكم ان تزيدوا ما فاتني من قاموس لغة الاعلام السائدة حاليا!