18 ديسمبر، 2024 7:22 م

المفاهيم الي تضمنها بيان المرجعية الدينية

المفاهيم الي تضمنها بيان المرجعية الدينية

بعدَ أن اختلط الحابلُ بالنايل وكثرت التصريحات والأقاويل وبعد أن تضاربت الآراء حول الانتخابات القادمة المزمع اقامتها في الثاني عشر من الشهر الحالي قدّمتْ المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف وعلى لسان ممثلها الشيخ عبد المهدي الكربلائي في خطبتي صلاة الجمعة بيانا توضيحياً وافياً دقيقاً شاملا ليضعَ حدّا لكل من يحاولُ الافتراء على المرجعية الدينية ولكل من يتأثر بالإشاعات . ولكي يصل البيان الى الناس كافة بشكل مبسط ، أوضحُ بعض المفاهيم التي تضمنها بشكل لا يقبلُ التأويل والتشكيك :

أولا : أوضحت المرجعية أنها مع عملية الانتخابات وليس ضدّها . كما أنها اعتبرت مشاركة الناخبين مشاركة اختيارية وليست وجوباً وحسب قناعة الشخص . وهذا يعني أن المشاركة في الانتخابات ليست فرضاً على المواطنين وانما هي حق لهم . وفي نفس الوقت حثت المرجعية على المشاركة بشكل غير مباشر من خلال تعبيرها أن العملية الانتخابية لا بديل عنها من أجل ادارة البلد الادارة الصحيحة ، وهذا يعني بحكم المنطق أن المرجعية تفضل المشاركة عن عدمها لأنها الوسيلة الوحيدة لحكم البلد .

ثانيا : أوضحت المرجعية في بيانها أنها تقفُ بمسافة واحدة من جميع الكتل والقوائم والأشخاص ، وأنها لا تدعمُ كتلة دون أخرى ولا تدعمُ شخصاً دون آخر . بلْ ان اختيار المرشحين متروك للناخبين وفق قناعتهم . كما أكدت المرجعية الدينية على نقطة مهمة جدا تتضمن عدم تصديق الذين يدعون غير ذلك ويحاولون خداع الناس بأن المرجعية تدعم طرفاً معيناً أو أنها قريبة منه كما حصل في الدورات السابقة .

ثالثا : أكدت المرجعية الدينية الشريفة على حرصها الشديد على سلامة العملية الانتخابية ونزاهتها وعلى خلوها من الشوائب التي ربّما تفشل الهدف الأساسي من الانتخابات . وطلبت من الجميع احترام هذا المبدأ والعمل به قولا وفعلا .

رابعا : طلبت المرجعية في بيانها التاريخي عدم السماح للتدخل الأجنبي مهما كان مصدره في سير العملية الانتخابية والتأثير عليها وعلى نتائجها . وهذا يدلُ بشكل واضح أن المرجعية تحرصُ على استقلالية الشأن العراقي وليس كما يدعي البعض من ولائها لجهات خارجية .

خامساً : كما عبّرت المرجعية عن رأيها بوضوح أنها لا تؤيدُ التفرد بالحكم اطلاقا ، وانما تفضل حكم البلد حكماً ديمقراطيا . وهذه النقطة بالذات تحتاج الى ايضاح أكثر لأن البعض قد يفسرها تفسيراً خاطئاً ويعتبرُها رفضا لمبدأ الأغلبية السياسية . ولكن المنطق اللغوي يفصلُ بين مفهوم الأغلبية السياسية والتفرّد بالحكم . لأن التفرّد بالحكم هو بمفهومه الغاء الجميع واللجوء الى الرأي الواحد في كلّ شيء ، أي ما نطلق عليه ( الدكتاتورية ) بينما الأغلبية السياسية هي ركيزة من ركائز الديمقراطية في جميع دول العالم تمنحُ الفائز بالانتخابات حرية اختيار فريقه لإدارة البلد دون الاعتماد على مبدأ المحاصصة المقيتة وعلى التنازلات الكثيرة من أجل رضا فلان وعلان على حساب شؤون البلد ومستقبله .

سادسا : أكدت المرجعية على عدم السماح للالتفاف على أصوات الناخبين . وهذا يعني اعطاء كلّ ذي حق حقه بما كسبه من الأصوات وعدم محاولة تجاهل تلك الأصوات . لأن المرجعية ترى أن أصوات الناخبين لها حق شرعي لابد أن يحترمهُ الجميع ، ولا يجوز اهمال تلك الأصوات لأي سبب أو حجة أو ذريعة . وهذه النقطة أيضا تحتاجُ الى توضيح أكثر لأن البعض قد يفسرها بأنها دعوة من المرجعية لشمول جميع الفائزين بالانتخابات بالحكم لإدارة البلد والمشاركة بالحكومة . وحسب اعتقادي أن المرجعية العليا ليست بهذا المستوى من السذاجة ( أجلها الله ) وليس من المعقول أن ادارة الحكم تشمل جميع الفائزين بعضوية البرلمان ، وانما هنالك آليات نص عليها الدستور العراقي من أجل توزيع المناصب . ولكن المقصود بعدم الالتفاف على أصوات الناخبين عدم اهمال الأصوات التي سيحصل عليها كل مرشح للوصول الى البرلمان ، أو اهمال الأصوات التي توجب منحه منصب من المناصب التي يستحقها . وهذا هو مبدأ الديمقراطية المعمول به في معظم دول العالم المتقدمة .

سابعا : حَرّمت المرجعية تحريماً شديدا على كل من يبيعُ صوته مقابل ثمن معين ، وهو يعلمُ علم اليقين أنه سيمنح صوته لمن لا يستحق ذلك . لأن هذا الأمر سيفتحُ الطريق للفاسدين الذين يحاولون الوصول الى البرلمان وتحقيق غاياتهم عبرَ وسائل لا أخلاقية وغير شريفة ، وبالتالي فان الذي يبيعُ صوته يكون قد شارك بعمليات الفساد ، وهو مسؤول عنها أمام الله .

ثامنا : ضمن سياق البيان وردت عبارة ( المجرّب ) التي اختلفت فيها الآراء وتعددت التفاسير والاجهادات حول مفهومها . ولكن البيان الأخير أزال الابهام عنها وذكر أن المجرّب من الفاشلين وحتى غير المجربين . وهذا التوضيح ينسجمُ جداً مع المنطق والحق والعدل . لأنه ليس من المعقول أن الشخص النزيه الناجح لا يتم انتخابه بحكم قاعدة ( المُجرّب لا يُجرّب ) وانما فحوى ذلك عدم انتخاب المجرّبين من الفاشلين . وهذه القاعدة تشمل كل نواحي الحياة وليس الانتخابات فقط . وعلى سبيل المثال وليس الحصر ، لو لدينا منتخب كرة قدم فشلَ في احراز بطولة ما ، وأردنا تفكيكه واعادة تشكيل منتخب جديد يليق بسمعة الكرة العراقية فهل سنبعدُ جميعَ اللاعبين حتى المميزين منهم وفق مفهوم المُجرّب لا يجُرّب ؟ الجواب المنطقي يقولُ لا يمكن ابعاد الجميع بما فيهم الأكفاء المميزين ، وانما الفاشلين فقط .