23 ديسمبر، 2024 10:07 ص

المغلق في لقاء الرئيسين …

المغلق في لقاء الرئيسين …

ليس امامنا بعد لقاء الرئيسين في اربيل , الا ان نبحث عن الأمل الذي تفحم عبر سنوات حرائق الفتن الطائفية العرقية, في ان يُزيل سؤ الفهم وتضيق مساحة الأحقاد والكراهية والخوف من الآخر , بين المكونات  العراقية , التي لا يعرف تاريخها الوطني غير الصفاء والأخوة ورغبة التعايش وتقاسم المنافع بالعدل والمساواة .
( قبل لقاء دولة وفخامة الرئيسين ) في اربيل والذي يبدو عليه ودياً فوق المألوف , سبقه يوم ( المصافحة ) الأكثر ودية بين رئيسي مجلسي الوزراء والنواب , كلا اللقائين خرجا بوعود وقرارات وتعهدات ولجان , وتراجعت الخلافات والأختلافات والتهديدات وتوتر عضلات عسكر الجانبين , وقد ستر اللـه الأمة وجنبها الكارثة وقرب بين قلوب الدولات والفخامات والسعادات والسماحات ودفع بها الى طريق الهداية, رقصت دموع الفرح بين اجفان الحاضرين من مقربي احزاب المصافحة والمعانقة من زاخو حد الفاو , مروراً بغرب البلاد , وبقى الشك نقطة مرعبة في قلوب العراقيين , خاصة فيما يتعلق بالمغلق  .
بأستثناء القضايا التي تتعلق في المجالات الأمنية , المخابراتية والأستخباراتية ( وتلك نقطة ضعف حكومة الشراكة ) , فالأمور الآخرى , سياسية واقتصادية وبرنامجية وكذلك العلاقات الخارجية والداخلية , وبالضرورة ان يميزها الصدق والشفافية والصراحة مع بنات وابناء العراق , الوجه غير المخاتل بين الناخب والمنتخب في العلاقات والممارسات الديمقراطية , هنا يصبح ( المغلق ) مثيراً للشك والريبة ومصدراً لأسوأ الأحتمالات , كيف نفسر الأمر واين نجد المصداقية وحسن النوايا في لقاء ( مغلق ) بين شخصين يمثلا حزبين , لا يسمح بحضوره والمشاركة فيه حتى لنواب رؤساء الجمهورية والوزارة والنواب واطراف اخرى مشاركة في العملية السياسية في المركز والأقليم , هنا يتسائل الرأي العام ويفسره ساخراً , انها ذات الدورة لــ ” تيتي … تيتي ” .
من واجبنا , ويحق لنا ديمقراطياً , ان ندلوا بوجهة نظرنا بالحراك التصافحي التصالحي المفاجيء, والقبل الباردة ورجفة العواطف التي لا تختلف عن سابقاتها .
في تقديرنا , ان اللقاءات المتسارعة وربما ستتسع وتتكرر بين اطراف مختلفة على سبيل التخبط , لا يوجد على طاولتها ما يعني الناس والوطن , او اية قضية عراقية آخرى , الا على سبيل المقايضات , انها هروب الى الأمام لبعض الأحزاب التي فاجئتها الرياح المعاكسة لرغبة وتطلعات اشرعتها , فحزب الدعوة ــ مثلاً ـــ ( دولة القانون ) التي اتسعت اخيراً لأربعة احزاب اسلامية , وضاقت مساحتها داخل الشارع العراقي وتراجع رصيدها في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة, والتي تنبأ بنتائج غير سارة في الأنتخابات التشريعية القادمة , يبحث الآن عن مخرج لم يجده برفقة اطراف ائتلاف العراقية او الكتلة الصدرية والمجلس الأعلى الأسلامي , مما يضطره البحث عن شريك يعاني ذات الهموم , فكان الحزب الديمقراطي الكوردستاني, الذي يعاني مخاوف جدية من ان تفلت من قبضته سلطة الأقليم, حيث يواجه الآن حركة تغيير (كوران ) نامية مؤثرة واحزاب اسلامية معارضة, الى جانب ذلك , فالحليف الأستراتيجي ــ الأتحاد الوطني الكوردستاني ـ لم يبقى في جعبته ما يبرر تحالفه وعليه الهروب بريشه قبل ان يبتلعه الحزب الحليف , فهو الآن ـــ الديمقراطي الكوردستاني ــ مضطراً للبحث عن حلفاء من خارج البيت الكوردي , فكان حزب الدعوة الأسلامية ( دولة القانون ) خياره الأنسب .
نقاط ضعف لقاء اربيل , وكل ما نتج عنه من تصريحات وقرارات ولجان , ستبدأ من اللقاء المغلق, وما يترتب عليه من تسائلات سوف لن تجد اجاباتها المقنعة كونه ( مغلق ) مثل شخصين لحزبين لا غير, وسيواجه الحزب الديمقراطي الكوردستاني ورئيسه السيد مسعود , تسائلات جدية في المستقبل القريب من قبل الرأي العام الكوردي , خاصة عندما يكتشف ان قضيته الكوردية لم تكن حاضرة على طاولة المغلق , واللجان كسابقاتها مقبرة لما يتفق عليه , كذلك سيواجه حزب الدعوة ( دولة القانون ) ذات التسائلات داخل محيطه في الجنوب والوسط , عندما تتكشف الحقائق , على ان طاولة ( المغلق ) لا يوجد عليها غير الهموم الشخصية والحزبية المحدودة , ولا يوجد بجانبها قضية وطنية مشتركة , وهموم الناس لا تعالج داخل المغلق , في هذه الحالة , ستتسارع الرياح المعاكسة لأشرعة الرئيسين والحزبين , ويكون المغلق انتكاسة اضافية وليس مخرجاً , وستقول الأنتخابات التشريعية القادمة كلمتها الأخيرة , وهنا سيتعرض الكيان التنظيمي لحزبي المغلق الى هزة داخلية مثلما تعرض لها ائتلاف العراقية .
لا نستبعد اطلاقاً , ان اجواء المصافحات والمعانقات , قد تقف خلفها ارادات اقليمية دولية, لكن التظاهرات والأعتصامات غير المتوقعة ــ مقارنة بالحالة العراقية الهشة ــ التي اجتاحت الكثير من المدن التركية , قد تكون انذار مبكر , جعل دار الرئيسين وحزبيهما وكذلك الكيانات والأطراف الآخرى غيـر امنـة, فالعراق يختزن في عمق معاناة مجتمعه اكثر من ربيع وطني , هنا لا يمكن ان نتجاهل الدور المؤثر لحركة التغيير الكوردية ( كوران ) , نموذجاًً ليس على صعيد الداخل الكوردي , بل على الصعيد الوطني ايضاً, ومع انها ابتدأت تفتح ثغرات وعي في الداخل العراقي, ومنه مجتمع الجنوب والوسط ــ الأكثر استجابة ــ فعليها الا تكتفي بعفوية تأثير تجربتها بل يجب وبالضرورة ان تتجاوز افقها القومي وتوثيق العلاقات مع الحراك الوطني لتكون التغييرات والحلول وطنية لمعالجة الأشكالات التي تعترض صفاء العلاقات بين المكونات العراقية وتثمر بدورها حلولاً ديمقراطية , لتشكل بيئة مثالية لمعالجة الأزمات بما يتناسب وخصوصيات المكونات .
العراق بحاجة ماسة وملحة الى حركة تغيير وطنية ترفع صخرة التطرف الطائفي القومي عن صدر المجتمع , حركة شابة على اصعدة الفكر والسياسة والتنظيم والتجربة, تتفهم الواقع العراقي كما هو دون القفز عليه, وتتجنب خمائر الأنتكاسات والهزائم التاريخية , حتى لا تسبب لها الأنتفاخ على حساب العافية , فالعراقيون اذا ما ارادوا اعادة صياغة مشروعهم الوطني , فيجب ان تكون ادواتهم وطنية .