19 ديسمبر، 2024 12:10 ص

المغفور له محمد خضير الحلبوسي في وداع الأقدار

المغفور له محمد خضير الحلبوسي في وداع الأقدار

رحل عن عالمنا أحد رجالات الأنبار الغياري ، وقامة شامخة ، بعد أن ودعته الأقدار، وهو الشيخ محمد خضير الحلبوسي، أحد أعمدة الأنبار ورجالاتها الطيبين في قضاء الكرمة ، مصنع الرجال.

والمغفور له محمد خضير الحلبوسي، شخصية وطنية تقلدت مهاما رفيعة في الدولة العراقية السابقة، وقد تحول مضيفه العامر في الكرمة في سنوات الثمانينات والتسعينات الى جموع بشرية تقصده من كل محافظات العراق، لمساعدتهم بتسهيل مهام أو طلب وظائف ، أو حاجة لعوائل فقيرة ، أو إشكال مع دائرة من دوائر الدولة أو معضلة عشائرية ، وكان الرجل كريما مع الجميع ، وأسهم في حل الكثير من المعوقات التي تواجه آلاف المواطنين، برحابة صدر ، حيث كان الرجل شهما سخيا ، تتمثل فيه كل سمات رموز الأنبار وشيوخها الطيبين الذين نذروا أنفسهم لخدمة عراقهم، وتقديم الغالي والنفيس من أجل أن ترتفع القيم العليا، ولكي ترتفع هامات الرجال الى علياء السماء.

كان صديق وأخا ورفيقا للجميع، لمن يعرفه وعاشره عن قرب ، وهو مبتسم ومتفائل على الدوام، وصاحب شخصية مرحة ، يخفف عمن زاره بداره أو في دائرته، وما من أحد قصده ، رحمه الله، إلا وخرج من داره وعلامات الإرتياح على وجهه ، وحين يودعه، يخرج وهو فرح بما أسداه له من خدمة يقدمها، أو رفع غبنا أو مظلمة عن كثيرين، ومن مختلف المحافظات العراقية، بلا إستثناء..

ومن محاسن الصدف أن جمعتني معه دورة متقدمة في تطوير اللغة الإنكليزية في معهد متخصص لمدرسي اللغة الانكليزية بمنطقة الوزيرية في التسعينات ، وكان الرجل مندفعا في التعلم، وهو بدرجة مدير عام في رئاسة الجمهورية ، وإذا في يوم من الأيام ويفاجأ بأني قدمت لمدرستنا في المعهد قصيدة باللغة الانكليزية موزونة ومقفية إنكليزيا، وعندما إطلعت عليها مدرسة المادة قالت ، أنا لا أفهم في الشعر ، وهي لا تعرف فيما اذا كانت مطابقة لمواصفات القصيدة أم لا، عندها تدخل المرحوم محمد خضير قائلا : يا حامد ..” أنت تقرأ من ورانا وتعد قصائد باللغة الإنكليزية”؟؟ فضحك الكثير من ألاصدقاء في وقتها ، وكان الرجل فخورا بما قدمته من نتاج أدبي في دورة متقدمة لتطوير لغتنا الإنكليزية.

كما زارنا الرجل في إحدى الدول العربية، عندما كنت أمارس عملا دبلوماسيا فيها قبل أكثر من عشرين عاما ، وأطلع على قصيدة غزل لي أعددتها عن جمال ذلك البلد وروعة شواطيء بحره وجمال طبيعته وصباياه ، فإعجب بالقصيدة وأخذها معه الى بغداد ، وهو يرددها بين الحين والآخر ..

ووجدت من أن دواعي تلك العلاقة المتميزة التي جمعتني معه قبل عقود طويلة ، وعرفانا مني لتلك الايام ، إلا أن أعد له كلمة تأبين تليق بمقام هذا الرجل الشهم المضياف ، والرمز الأنباري المفعم بالبطولة وشيم الرجال، إكراما مني لمواقفه المشرفة رحمه الله، وأنا أدعو له الله سبحانه وتعالى أن يدخله فسيح جناته ويلهم أهله وذويه ورفاقه وكل من عرفه الصبر والسلوان..

وإنا لمحزونون عليك يا أبا شهد ، وقد رحلت الى دار القرار، وانت بعناية الباري وحفظه.. وما علينا إلا أن نردد لاحول ولا قوة إلا بالله ، ولا اله إلا الله ، والرحمة لكل أموات العراق وشهدائه الذين روت دماءهم الطاهرة أرض العراق ، وكانوا قربانا وهم يقدمون أرواحهم فداء من أجل رفعة العراق وإعلاء شأنه، وإن الله على نصرهم لقدير..

لانقول ودعا يا أبا شهد.. فذكراك وسجاياك العشائرية الطيبة تبقى خالدة في نفوس العراقيين ، على مدار السنين.