22 ديسمبر، 2024 2:15 م

المغرب ينجح في كسر شوكة التطرف

المغرب ينجح في كسر شوكة التطرف

يتم خلال كل مناسبة سواء أكانت وطنية أو دينية في المغرب، العفو عن عدد من المعتقلين الإسلاميين المدانين في إطار قانون مكافحة الإرهاب، ومن ضمنهم من تورطوا في الأحداث الإرهابية التي شهدتها محافظة الدارالبيضاء يوم 16 ماي/أيار 2003، والتي ذهب ضحيتها أزيد من 40 مواطنا.
والسبب هو مشاركة هؤلاء المعتقلين في برنامج يحمل اسم “مصالحة”، وهو برنامج مخصص حسب بلاغ سابق لوزارة العدل المغربية، لفئة من المعتقلين ممن “راجعوا مواقفهم وتوجهاتهم الفكرية، ونبذوا التطرف والإرهاب، وأكدوا أنهم رجعوا إلى الطريق القويم، وأبانوا عن حسن السيرة والسلوك طيلة مدة اعتقالهم”.
فمنذ اعتقالهم على خلفية 16 ماي الإرهابية، سارعت المملكة المغربية وعلى غرار ما جرى في دول أخرى، إلى عقد لقاءات خاصة مع شيوخ “السلفية الجهادية”، حيث بدأت بالحوار مع عمر الحدوشي أحد أبرز منظري هذا التيار العنيف المعتقل السابق في سجن تطوان (شمال المغرب)، إلا أن الخلافات في التوجهات الفكرية والسياسية للمعتقلين كانت أحد الأسباب التي عطلت هذه العملية إلى حين.
بعدها بدأت تطفو على السطح من داخل السجون مجموعة من المبادرات يقول أصحابها بأنها كانت نتيجة تراكمات فكرية وتجارب علمية هدفها صيانة الصف السلفي، وذلك من خلال استمراريته، وتقرير مبدأ المقاصد، مضيفين أن الهدف ليس هو الخروج السجن، وإن كان مطلبا عمليا معقولا، ولكن للتعريف بميلاد فكر متنور ومتحرر يؤمن بمبدأ التعددية الفكرية والسياسية، من خلال سياسة بنفس إسلامي تحت سقف مبدأ الحوار.
ومن هذه المبادرات صرخة “أنصفونا” التي خطها المعتقل الإسلامي السابق عبدالوهاب رفيقي الملقب بأبي حفص من داخل سجن “بوركايز” بمحافظة فاس، معلنا من خلالها استنكاره للتفجيرات العشوائية في المغرب وكل بلاد المسلمين “لما فيها من إزهاق الدماء المعصومة وإتلاف الأموال المصونة ولما يترتب عليها من المفاسد التي لا يقرها شرع صريح ولا عقل صحيح”.
وقد أطلق على تلك المراجعة الفكرية اسم مبادرة “المناصحة والمصالحة” والتي تلزم الموقعين عليها بعدم تكفير المجتمع والمسلمين بغير موجب شرعي وتقترح على كل من ثبت تورطه في أعمال سابقة أن يقدم للمجتمع والمنظمات الرسمية اعتذارا وأن يبدي ندما على ما بدر منه، وبالمقابل تضمن الدولة للمعتقلين عدم متابعتهم بعد خروجهم من السجن وأن يفتح المجال السياسي لمن يريد ذلك منهم، كما طالبوا بتوفير مساحة آمنة للدعوة إلى الله تعالى دون ملاحقة أمنية.
ومما جاء في هذه المراجعات، التفاعل مع “قضايا المسلمين والإدانة المطلقة للاحتلال والدعم المعنوي التام للمجاهدين من أبناء الأمة المدافعين عن حياضها في فلسطين والعراق وأفغانستان والاصطفاف في تيار الممانعة الرافض لمشاريع الهزيمة والاستسلام والانبطاح أمام المحتل الغاصب لخيرات الأمة وثرواتها”، والتبرؤ من تكفير المجتمع، مؤكدين على أنهم كانوا وما يزالون يصرون على إسلامية هذا المجتمع، فنحن، يقول معتقلي السلفية الجهادية، “أبناؤه وثمرته به تربينا وتعلمنا وعلمنا، نصلي في مساجده ونأكل من ذبائحه، وتنبيهنا على بعض مظاهر الخلل والقصور ليس إلا من باب الحرص والشفقة والغيرة، وليس من باب التكفير الذي تنحله طوائف من الخوارج والغلاة لم نسلم من تكفيرهم لنا”.
غير أن تجاهل الدولة المغربية لمطالب هؤلاء المعتقلين في تفعيل مقتضيات هذه المبادرة، اضطر هؤلاء إلى التصعيد والقيام بردود فعل للفت انتباه المسؤولين إلى مدى المعاناة التي يكابدونها داخل السجون، ومن ذلك تنظيمهم لمجموعة من الإضرابات عن الطعام خاصة في سجن عين برجة وسجن أوطيطة 2 بضاحية سيدي قاسم وسجني الزاكي وبوركايز في كل من مدينتي فاس وسلا، للمطالبة بالبث في مراجعاتهم الفكرية أو العفو عنهم أو إعادة محاكمتهم، على اعتبار أن المحاكمات التي جرت بحقهم، حسب رأيهم، لم تكن عادلة.
وقد أدت كل هذه التصعيدات إلى دخول الدوائر الأمنية في عدد من السجون في حوار جاد مع معتقلي السلفية الجهادية، وتحدثت تقارير صحفية عن تكثيف هذه اللقاءات خاصة مع قادة وشيوخ هذا التنظيم، وهو ما أدى إلى التوصل إلى “ضمانات” مكنت من الشروع في تسوية هذا الملف الذي ظل عالقا لمدة تزيد على عقد من الزمن.
إن قبول الدولة المغربية بتفعيل مقتضيات المراجعات الفكرية والعفو بالتالي عن شيوخ وبعض أعضاء السلفية الجهادية، يؤشر على أن الدلالة الكبرى لهذه المراجعات، كما يقول باحث في الشأن الديني، هي دلالة “أنه لا يمكن أن يكون العنف خيارا مؤبدا وملتزما للجماعات التغييرية من مختلف مشاربها، وأن التاريخ والواقع سيظل يمارس فعله واقتداره على الأيديولوجيات الانقلابية عليه، حتى تنجح في تطويعه أو تطويره، وهذا ليس انهزاما أمام الواقع ومنتجاته، قدر ما هو تصالح مع الواقع، التحاما به من أجل تغيير أكثر رحابة..”.