ودعته ليلا عام 1994من ساحة حافظ القاضي وسط العاصمة بغداد حين قرر السفر الى غير رجعة بسيارة كابرس موديل 1990يقودها صديق – خريج علوم كيمياء – في طريقها الى عمان حاملا معه – عثك تمر كامل ﻷننا لانجيد التعليب مثل باقي البشر حتى بتنا نستورد التمر المعلب ونحن اهل التمور من ايران والامارات – كانت الكهرباء يومها مقطوعة تماما وكنت استخدم التورج لمتابعة حقائبه وامتعته وكل مابداخلها من ملابس – البالة – وهو المهندس الكفوء الاول على دفعته والذي اضطر الى مغادرة وظيفته بعد ان اصبح راتبها ﻻيكفي لشراء ادوية لعلاج والدته المريضة فما بالك بالاكل والشرب والايجار …ام سعد – شقيقته – وبعد ان شتمت كنتها وثنت بجارتها قالت ” عيني تروح وترجع بالسلامة اموووء ” اراد ان يتوضأ ويصلي قبل مغادرة العراق لعلها تكون آخر صلاة له في بلاده قلت سآتيك بأبريق ماء واذا به مقطوع من الابي – قلت حبيبي تيمم ” ام سعد مازالت تثرثر بعيدا عن كل كوارث العراق وحصاره الغاشم ( شفتها شعملت بيهه اليوم ..اكلها جيبي الطاوة خلي نسوي بيض ..دكلي واني شعليهه، والله ﻻ وريج نجوم الظهر !!) .
قلت ﻻ اله الا الله ..قال محمد رسول الله ، اللهم انا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ماترضى، اللهم انت الصاحب في السفر وانت الخليفة في الاهل “.
كان راديو السيارة وﻻزلت اذكر ذلك جيدا يبث اغنية ” عبرت الشط علمودك خليتك على راسي ” رحل ولم اره منذ ذلك الحين وقلبي معه ..علمت بعدها انه ظل في عمان بضع سنين قبل ان يهاجر الى النمسا ويحصل على جنسيتها ليعود قبل يومين – بجوازه النمساوي – اشتياقا ﻷهله ووطنه بعد 23 عاما من الغربة ، باس تراب الوطن الغالي وبكى ، ان لي وشكى – لزوم السيناريو المسرحي المعتاد على انغام المضيع ووطن وين الوطن يلكاه الخ مصحوبا بالدموع والمخاطين من الاحبة والمقربين وكلهم يظن انه عاد ثريا ومحملا بالهدايا وﻻيعلمون بأنه عاد (ايد من ورا وايد من كدام ) بعد زيجة اجنبية فاشلة للحصول على الجنسية سلبته كل مايملك واذا بنا نلتقي ببيت ام سعد تماما كلحظة فراقنا حيث الكهرباء مقطوعة ..الماء كما تركه قطرة قطرة ..الناس كما تركهم، السنتهم مع الحق وسيوفهم مع الباطل ، يسبون السلطة سرا ويصفقون لها جهرا ,ام سعد ماتزال تسب كنتها ..ابو جابر مازال وسيظل حتى يقبر يغش في الميزان ..استاذ رامي مازال يبيع الاسئلة الى الطلاب ..ابو مروان الحلاق مازال يطعن بأعراض نساء المحلة ، علوان مازال يحتسي العرق المحلي رافضا العولمة ، ماجد يواصل لعب القمار ، فريد على سجيته يكفر علانية من دون ان يتعرض ولو الى صفعة من منتفض لحدود الله ﻻفي البيت وﻻفي الشارع – انا اتحدث هنا عن 23 عاما من عمر وطن – ابو تغريد انتقل من كتابة التقارير ضد ابناء المحلة لصالح الامن العامة الى كتابة التقارير لصالح احدى الميليشيات المسلحة التي انضم اليها بأعتباره من مقارعي النظام السابق على حد وصفه ، عطوان يمدح النظام السابق سرا ويسبه علانية برغم انه – وهو المختلس المعروف على مستوى المحلة – حصل على مخصصات المضطهدين والمفصولين سياسيا كاش موني – تماضر ماتزال في بيت ابيها لم يتقدم لخطبتها احد …سمية ماتزال تتعرض الى صفعات زوجها الليلية برغم انها انجبت منه خمسة ذكور وثلاث اناث … منى تزوجت وطلقت مرتين …سحر تزوجت وترملت مرة واحدة ،عمر مازال اعزبا يعاني من صدمة حبيبته التي تركته ذات يوم قبل 30 عاما – ادري روميو وجوليت ابن الاوادم – سالم ابو العمبة صار سياسيا ، وحمادي الفرار صار ضابط دمج …!
وشكيب شنو اخباره ؟؟
شكيب مازال يبيع تراثيات ونحاسيات وارابيسكيات ومخشلات اجداده ويأكل بثمنها ويتباهى بصورهم يوم كانوا باشوات ، كونه عطال بطال منذ خلقه الله تعالى يقود سيارة جده موديل 1950 وﻻيفكر ببيعها ..بأنتظار ان يهاجر الى اميركا التي حدثه عنها والده سنين طويلة ..وﻻ اظنه سيفعل لحين نفاد المؤونة وانتهاء الكنز الذي ورثه عن اجداده !
جلسنا سوية على الكورنيش في شارع ابي نؤاس فهمس باذني قائلا – اخويية احجزلي على طيارة الخميس المقبل ﻷن بلدنا وناسنا نفس الطاس ونفس الحمام والله تعالى يقول في محكم التنزيل ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم ) .
قلت تؤمر ولكن من غير ام سعد هذه المرة وووومن غير عثك التمر ..وعليك ان تتوضأ قبل المغادرة وان تتحمل العتمة المطبقة حتى المطار وان ﻻتثق بمن يحمل موبايل امامك ويسب الحكومة فقد اصبحت التقارير حاليا صوت وصورة وليست كما كانت على عهدك ورقة مكتوبة بقلم الجاف بخط مخبر يريد ان يتسلق على جمجمتك للحصول على ..تنكة تعلق على صدره او كتفه !!اودعناكم اغاتي