18 ديسمبر، 2024 10:03 م

المعوقات والتحديات التي تواجه عملية التنميه في العراق

المعوقات والتحديات التي تواجه عملية التنميه في العراق

ورث النظام العراقي الجديد بعد 2003 تركة ثقيله من الخراب والدمار الذي تعرض اليه الاقتصاد العراقي ابان النظام الدكتاتوري السابق نتيجة للحروب الطاحنه التي زج بها النظام العراق سواء مع جيرانه من الدول الاقليميه او بمواجهته العالم وتحالفاته الدوليه مما ادت الى انهاك العراق شعبا ووطنا وفتت قواه ومرتكزاته الاقتصاديه والاجتماعيه والثقافيه والصحيه  وبناه التحتيه فضلا على ما اغرق به البلد بالمديونيه الخارجيه الي بلغت مليارات الدولارات والتي لازال العراق ينوء بحملها الى الان .اضافه الى ما تعرض اليه العراق وشعبه من حصار اقتصادي جائر نتيجة للعقوبات الدوليه التي فرضتها الامم المتحده على العراق كعقوبة لما اقترفه نظامه بحق الكويت حين غزتها القوات العراقيه في 2 اب 1990  وايضا كعقوبة لما سببه هذا النظام من ارباك وزعزعة الاستقرار والامن العالمي ‘فضلا عما سببه الاحتلال الاجنبي للاراضي العراقيه بغية اسقاط النظام السابق والذي افضى الى ابطال هيكلية الدوله العراقيه وحل كافة مؤسساتها بما فيها المؤسسات الامنيه من جيش وشرطه محليه والذي نجم عنه اخلاء العراق من قواه واداته الامنيه المعول عليها استقرار وضبط الامن واستتبابه في الداخل حيث اصبح العراق ارضا ومدنا مسرحا تتلاعب عليه   قوى الارهاب الداخلي والخارجي دون وجود اي رادع يتصدى له‘ وتعرضت على اثره ممتلكات الدوله والناس الى اكبر هجمة بربريه للسلب والنهب لم يعرف لها تاريخ العراق مثيلا حيث كانت موجودات العراق الثابته والمتحركه وكافة ممتلكات الدوله والناس تحت رحمة اللصوص والعابثين والارهابين مما اسفر عن خسائر جسيمة لا تقدر بثمن‘كان لها وقعها المدمر على الاقتصاد العراقي ونفسية المجتمع العراقي‘  ولكي نستجلي المعوقات والتحديات التي واجهت  التنميه الاقتصاديه العراقيه بعد 2003 نستعرض اهمها بما يلي:
 1-   تدمير شبه كامل للبنى التحتيه وتعطيل لكافة مؤسسات الدوله ومرافقها الاساسيه من قوى الامن والاخدمات  والذي  ترتب عليه شللا تاما في مفاصل الدوله الاداريه والاقتصاديه والامنيه وبات الاقتصاد العراقي عموما لا يلبي طموحات الشعب في سد حاجاته الضروريه واصبح عاجزا عن القيام باي بناء اقتصادي وتنموي وخدمي.
2-   نتيجة لحل القوى الامنيه العراقيه من قبل دول التحالف تركت الساحه العراقيه والمدن العراقيه عموما فارغة تسرح  وتمرح بها قوى الخراب والدمار والارهاب الداخلي والخارجي واضحت مسرحا للصراعات والنزاعات المسلحه التي هيمنت على الوضع السياسي والاقتصادي العراقي فعطلت الحياة واغلب جوانبها الحيويه وصارت هي من يتحكم بزمام الامور في البلد فجمدت اي نشاط اقتصادي سواء كان صناعي او زراعي او تجاري ‘فلم يطلب المواطن العراقي في حينه  غير الامن والاستقرار لكي  يستطيع الاستمرار والبقاء.فالارهاب يمثل تحديا كبيرا لتطبيق السياسات الاقتصاديه وفي كافة المجالات فالسنوات التي تلت 2003 كانت من اكثر السنوات التي مرت على العراق انتهاكا  لحقوق الانسان والقانون وخاصة حق المواطن في الحياة ‘فالعنف الذي تميزت به تلك الفتره من قبل هذه المجاميع اثر بشكل كبير وملحوظ على الوضع الاقتصادي العراقي وبالتالي على التنميه فلا يمكن على ضوء ذلك تحقيق نموا اقتصادي او اصلاح اقتصادي او خدمي في ظل وضع امني متردي لهذا يجب على الدوله ان تراعي هذه المعظله في حالة رغبتها في النهوض وتنمية الاقتصاد الوطني.
3-   ونتيجة للتدهور الامني الرهيب الذي تعرض اليه العراق بعد 2003 انعكست تداعياته على مجمل السياسه العراقيه الجديده فخلقت عدم الاستقرار والتناحر والتصارع السياسي بين الفرقاء السياسين الجدد وتحولت مهامهم من محاولة الحفاظ على الامن واعادة الهدوء والاستقرار للوطن الى حالة من التناحر والنزاع والصراع على المناصب والمغانم والامتيازات بين الفرقاء السياسين ومنتسبي احزابهم لاشباع اطماعهم وطموحاتهم الذاتيه بعيدا عن مصلحة الشعب والوطن وقد سببت هذه الاشكاليات التي خلقتها القيادات السياسيه العراقيه فيما بينها ركودا في جميع جوانب الحياة الاقتصاديه والاجتماعيه والثقافيه وغيرها ولا زالت تداعياتها الامنيه والسياسيه والاقتصاديه يتحمل عبئها وجسامتها العراق وطنا وشعبا ممثلة  بارواح ابنائه ونزيف دمائهم الذي لا ينقطع وبفقدان اراضيه ومدنه وبالدمار والخراب الذي يلحق المواطنين وممتلكاتهم من جراء العمليات الارهابيه لتي تقترفها قوى الارهاب والظلام االتي تسرح وتمرح حسب مشيئتها واهوائها ووفقا للزمان والمكان الذي ترتئيه دون ان تجد اي رادع قوي يثنيها عن تصرفاتها الدمويه الطائشه .4-   فعامل عدم الاستقرار السياسي  له مردود كبير على مجمل برامج االتنميه واقرار المشاريع المعده لاغراضها علما ان برامج التنميه تعطلت تماما  بسبب توجه مهام الدوله الى قطاع الخدمات العامه بغية كسب رضا الجماهير من قبل السلطات ‘وكانت اولوية الميزانيه للدوله العراقيه الجديده قد خصص للامن لكي تثبت هذه الحكومات في محاولة يائسه شرعيتها امام مواطنيها لكونها مرتهنه بما تستطيع توفيرها من امن لمواطنيها ‘مما ادى تغيب الاموال المخصصه لقطاع التنميه .
5-   نظام المحاصصه الطائفيه والحزبيه كان له اكبر الاثر في تحدي البناء التنموي العراقي حيث طبق هذا النظام البغيض من اعلى المستويات في الدوله المتمثل في مجلس الحكم ونزولا الى ادنى موظف او عامل في مرافق الدوله‘مما ادى الى قتل الكفاءه والخبره والمقدره والاختصاص لكون الاولوية في التوظيف بدات تحسب على نظام المحاصصه وليس على اساس هذه القيم والاعتبارات فضاعت على ضوء ذلك كل المساواة ومبادئ تكافئ الفرص ليحل محلها وضع الرجل غير المناسب في المكان المناسب‘وقد ادى ذلك الى   خلق جيش من البطاله والعاطلين عن العمل ‘كذلك فان الاعتماد على نظام المحاصصه دفع بالدوله واحزابها الى الاعتماد على الشركات الاجنبيه لغرض الاستثمار في الداخل وتطوير عمليات الانتاج لكونها اكثر مردودا لمصلحتها ومنافعها الشخصيه من الشركات المحليه العامله في الداخل.
6-   اصدار قانون الاستثمار ليس له اي معنى ما لم يترافق مع الاستقرار السياسي والامني فالاستثمار خصوصا الاجنبي لا يلبي طلبات الحكومه بالتورط للعمل داخل القطر اذا ما كان الوضع الامني هشا ومخترق.
7-   التعدديه الحزبيه والسياسيه والشراكه الوطنيه الحقه لكل اطياف المجتمع العراقي  دون الرجوع الى انحداراتهم الطائفيه والفئويه والعرقيه او الى اللون والجنسس والمعتقد مما يعزز بناء التنميه على الاسس الوطنيه الحقه والمؤيده بمشاركة ابناء الشعب جميعا ‘فالبناء الديمقراطي السليم لنظام الحكم الجديد يجب ان يقوم على الاسس والمبادئ الديمقراطيه التي انتهجتها معظم دول العالم التي اتخذت من هذا الطريق اسلوبا ومنهجا لانظمة حكمها ‘لا ان يقوم على اسس صوريه شكليه دعائيه كما هو الحاصل فعلا بالعراق حيث مقومات الديمقراطيه مبنية اساسا على نظام المحاصصه الطائفيه والعرقيه والسياسيه.
8-   كما ان وجود حكومة دستوريه وطنيه منتخبه من قبل جميع الاطياف المشاركه في العمليه السياسيه والممثله فعلا لجميع ابناء الشعب دون استثناء ‘على ان تكون لها رؤيا واضحه وتصورا مقبولا ياخذ بالحسبان جميع الاوضاع التي يمر بها العراق بامكانياته وقدراته االاقتصاديه والاجتماعيه  والسياسيه وعلى ان تكون قادره على صياغة خطط تنمويه استراتيجيه توفر المناخ الملائم للاستثمار الوطني والاجنبي ومنح القطاع الخاص الوطني  تسهيلات ودعائم لكي يستطيع المشاركه والاسهام في الناتج المحلي الاجمالي ‘فان انتقال العراق من الاقتصاد المركزي الشامل والذي كان قوامه القطاع االعام وسيطرته وتوجيهه الى اقتصاد السوق والذي يعني اسهام  القطاع الخاص اسهاما   فعليا ورئيسيا في بناء هذا الاقتصاد معتمدا على الاستثمارات والكفاءات وتدفق التقنيه الاداريه والفنيه للبلد وتطوير سوق المال..9-   هروب راس المال الوطني الى الخارج نتيجة لسوء وتردي الاوضاع الامنيه وعدم الاستقرار في البلد والبحث عن اماكن اكثر امنا واستقرارا لتوظيفه اثر بشكل كبير على البناء التنموي العراقي وكان من ضمن التحديات التي اعاقت قطاع التنميه العراقيه.10-الفساد الاداري والمالي الذي ينهش في مفاصل الدوله وعروقها دون ان يجد من يردعه ويوقفه عند حده من هذا التمادي والتطاول على المال العام ورزق وقوت المواطن ‘رغم وجود الهيئات الرقابيه والحسابيه التي شرعت بعد 2003 مثل هيئة النزاهه الوطنيه او هيئة النزاهه البرلمانيه والمفتشون العموميون التابعين للوزارات العراقيه او ديوان الرقابه الماليه وكلها هيئات تشريعيه مستقله قانونيا واعتباريا واعطيت كامل الصلاحيات لغرض القيام بواجباتها على احسن ما يرام الا  ان الحاصل فعلا غير ذلك تماما فلم تروج لحد الان اي ملف فساد او سرقة او تلاعب بالمال العام وياخذ طريقه السليم للمحاكم المختصه رغم وجود الاف الملفات والدعاوى القضائيه والتحقيقيه بقضايا الفساد المختلفه لكنها مكدسة في ادراج هيئات النزاهه او المحاكم المختصه كل هذا ناتج عن الهيمنه الكامله من قبل المتنفذين من السياسين والحزبين والمسؤولين العراقين على هذه الهيئات الرقابيه لكي يتستروا على منتسبيهم حتى لا تطالهم المسؤوليه والعقوبات الرادعه ولهذا يبقى الفساد مستشريا ونافذا طالما بقى في مامن من الملاحقه القضائيه والرقابيه‘فازاء هذا الوضع لا يرتجى للعرااق من النهوض الاقتصادي والمالي او بناء تنموي كما يطمح اليه الشعب.
11-فتح الحدود على مصراعيها امام الاستيراد الخارجي وبميارات الدولارات وحتى لابسط السلع والمواد الغذايه الاستهلاكيه كانت له ولازالت مردوداته العكسيه على المنتجات المحليه سواء الزراعيه او الصناعه المحليه في الاسواق العراقيه لان اغلب المنتوجات المحليه لا تقوى على الوقوف منافسة للسلع والمواد الاجنبيه المستورده لا من ناحية السعر ولا من ناحية الجوده مما ادى الى عزوف المواطن عن شراء السلع والمواد المنتجه والمصنعه وطنيا فخلق حالة من الضمور للمنتوج الوطني وبالتالي الى توقف انتاجه محليا فتوقفت على اثره الاف المعامل والمصانع المحليه كما ادى الى عزوف المزارعين عن ممارسة مهنتهم التي نشاوؤ وتربوا عليها فشجعهم هذا الوضع السئ الى الهجره من اريافهم الى المدن ليجدو فيها اكثر رحابة وسعة للعيش وطلب الرزق. وعلى اثر تطبيق هذه السياسه الاقتصاديه السيئه في عدم حماية التجاره ومنتوج العراق الوطني من التدهور والضمور تفشت ظاهرة البطاله واختلاق جيوش من العاطلين عن العمل من الشباب والنساء ومن ذوي المهاره والخبره لعدم حصولهم على فرص عمل او التعين لان اغلب مجالات العمل في هذه القطاعات سدت بوجوههم ‘كل ذلك كانت له نتائجه الوخيمه على الاقتصاد العراقي وعلى البناء التنموي.12-يعتبر العراق من الدول التي تعتمد في اقتصادها على الاقتصاد الريعي المتمثل في النفط وبعض المعادن ‘ولما كان هذا القطاع يعتمد اساسا على السعر الذي تحدده اسعار الاسواق العالميه والتي دائما هي عرضة لسياسة السوق المفتوح التي تتاثر بالعرض والطلب وبالازمات العالميه السياسيه والاقتصاديه ولكون الدخل القومي الحقيقي وميزانية الدوله العراقيه  احادية الجانب في مواردها باعتمادها على ما يرد اليها من اسعار النفط المباع في السوق الخارجيه ونظرا لتذبذب اسعار النفط  مما يؤدي الى خلق حاله من عدم الثبات والاستقرار في الدخل الوطني او ميزانية البلد‘وتاتي تبعا لذلك انعكاسات هذا التذبب  على الاقتصاد العراقي والبناء التنموي.لهذا يعتبر الاعتماد على هذا المورد كمورد وحيد يغطي الميزانيه العراقيه عائقا وتحديا للتنميه العراقيه.
13-يعتبر القضاء من المؤشرات الرئيسيه في شرعية الدوله ونظامها واستقامتها واستقرارها فهو المعيار واالمقياس الذي يرجع اليه في معرفة سلامة الدوله ونظامها الديمقراطي فاذا فسد القضاء فسدت مراتب الدوله من اعلى هرمها  الى قاعها ‘  فيجب ان يكون القضاء نزيها مستقلا قويا لاتمسه اي شائبة تحوم حولها الشبهات‘الا ان القضاء العراقي ما بعد 2003 تعرض للكثير من الضغوطات والتدخلات السياسيه من قبل كبار الساسه والقاده واحزابهم في الدوله  العراقيه واضحى مسيرا حسب اهوائهم وامزجتهم لهذا لم يعد مستقلا في قراراته دون تدخل الساسه في  شؤونه وتحقيقاته ‘والمعروف ان السلطه القضائيه وحسب دستور جمهورية العراق هيئه مستقله تابعه اداريا الى السلطه التشريعيه في البلد الا ان الحاصل فعلا ومن خلال ممارستها لاعمالها الموكله اليها تقع فعليا تحت هيمنة السلطه التنفيذيه وارادتها لهذا تمرر كل مساوءى هذه السلطه وتصرفاتها وتلاعبها بالمال العام وسرقات مسؤوليها وهدرهم لثروة البلد وتحطيم اقتصاده ‘فهناك الاف الملفات التحقيقيه مكدسه في ادراج المحاكم القضائيه دون ان ترى اي ترويج لها لمحاسبة المفسدين والسراق والمتلاعبين ‘ياتي ذلك بفعل الضغوطات التي تمارسها القيادات السياسيه على مجلس القضاء الاعلى وعلى المحاكم لكي تتستر على منتسبيها من الاحزاب وتغطي مساوئهم وامتهاناتهم لاموال الشعب وبذلك يكونون في منأى عن اي محاسبه وعقوبه كل هذا ادى الى تفشي وتفاقم حدة الفساد الاداري في البلد واستفحاله بهذا الشكل الذي عليه عراق اليوم . فلا  تنمية ترتجى ولا بناء اقتصاد متين والفساد ينهش بعروق الدوله وكل مرافقها دون ان يجد اي رادع يوقفه عند حده.