تتميز قصص لؤي قاسم عباس بطابعها الحكائي الذي يتخذ من الواقع ثيمة أساسية تعتمد في بنائها على المفارقة النقدية للواقع والإحداث عبر انهماكها في رصد ومتابعة الحدث اليومي السائد وما يعتريه من تحولات فكرية ونفسية تعكس حجم المضمر الثقافي ،النفسي الذي تختفي خلفه انساقنا الثقافية والسلوكية الضاربة في عمق وعينا وثقافتنا اليوم ،وهذا يتضح في اختياره لعناوين قصصه القصيرة التي سنسلط الضوء فيها على أربع قصص هي (عالم افترضي .. عالم حقيقي ) و(جنازة السيد المدير )و(مدينة الأحلام) و(سوق الأفكار). حيث تشترك هذه القصص في تناولها للواقع على انه مجموعة حكايات مختلفة قد صنعها الإنسان للإقناع نفسه بأنه يعيش ضمن حقيقة ثابتة اسمها الواقع .تقوم هذه الحكايات في بنائها على رؤيتين مركزيتين هما ،الواقع والافتراض بكل ما تحمله هاتين الرؤيتين من دلالات فكرية واجتماعية تنفتح بدورها على عوالم الكاتب القصصية . ففي قصة( عالم افتراضي ..عالم حقيقي ) انجد ان للعالم الافتراضي ( الفيس بوك ) هو بؤرة الحدث حيث جميع أحداث القصة تدور حول إقناع المتلقي ان ما كان يعد ضمن ثقافة افتراض او حلم صار واقعا له قوانينه وشروطه مثل اي واقع اخر سمته التعايش والتواصل بين الأشخاص لذلك هذه القصة والتي يرويها البطل بأسلوب المخاطب تضعنا امام تحدي حقيقي لكل قيم الواقع يقول السارد (أحاول ان أسرد لكم تجربتي مع عائشة صديقتي في العالم الافتراضي ,الفيس بوك) فمنذ البداية يضع المتلقي أمام فعل الافتراض كي يشعر المتلقي انه إمام حدث حكائي مختلق لكن سرعان ما يتحول هذا الافتراض الى واقع له مكان وزمان انا (محمد سلطان من العراق ) وصديقتي ( عائشه من المغرب ) فهذا التداخل مابين الواقع والافتراض الهدف منه كسر نمطية الواقع الحقيقي بالواقع الافتراضي لذلك يتنوع هذا الافتراض ما بين قصة وأخرى ففي قصة (جنازة السيد المدير) نجد ان افتراض موت المدير يفتح نوافذ الأمل بغد افضل لدى الطلاب(بفرح شديد استقبلت خبر وفاة السيد المدير … اي صباح جميل هذا) الحلم في واقع جديد خالي من نمط التسلط السائد فيتحول موت المدير الى لحظة حزن وشؤم لدى أهالي الطلاب، والى لحظة سعادة وفرح وأمل ،جعلت الطلاب يفترضون واقعا جديدا خالي من سطوة المدير وعصاه التي طالما هددنا بها حتى تحولت كلمة (مدير) الى رمز للتسلط والقمع لدى الطلاب (لست ادري لماذا يمرون بجنازة المدير امام بيتنا ، انهم يزفون الي هذه البشرى ) ،ونجد ذلك يتكرر في قصة( مدينة الأحلام ) ((وهي مدينة يعيش الناس فيها على عدم ارتكاب المعاصي والأخطاء يضعون على صدورهم لوحة بيضاء تظهر نوازعهم وخلجات صدورهم ، وعلقوا في موضع جباههم لوحة زجاجية كأنها شاشة التلفاز تظهر ما يدور في رؤسهم من افكار بيضاء او سوداء )) فمدينة لؤي قاسم هي أشبه ما تكون ب(المدينة الفاضلة) لكن ليس بشكلها الافلاطوني القديم و إنما بشكلها الافتراضي الجديد ، فهذا النزوع نحوا الافتراض من خلال القص يكشف سعي الكاتب للبحث عن معنى جديد اقل قبحا من العالم المعاش من خلال إيجاد عوالم افتراضية خالية من التسلط وتكشف في الوقت نفسه أزمة الكاتب من هذا الواقع لذلك هو يدفع لتغير معادلة الواقع/ الازمة بمعادلة الواقع /الافتراض، بكل ما يشكله الافتراض من رحابة وحرية وخيال استطاع من خلالها الكاتب من أحداث مقاربة فنية طرفيها الواقع والافتراض لكن هذه المقاربة هي الأخرى تخضع لنفس آليات التحول السردي اي الانتقال من الواقع الى الافتراض وبالعكس وهذا يتضح في الاستهلال قصة (مدينة الاحلام ) يقول (تسللت في يقظتي عبر بوابة الوهم الى مدينة الأحلام) فالتأكيد على الحلم والافتراض لدى الكاتب هو تأكيد رمزي اكثر مما هو واقعي لإيصال رسالة مفادها ان كل حقائقنا عن الواقع هي في الأصل كانت حلم اتفقنا ان نسميه حقيقية ،وبالتالي علينا ان نحلم ونفترض كي نعيد انتاج وجودنا الإنساني.اما في قصة( سوق الأفكار) يضعنا الكاتب إمام مفارقة فلسفية في الشكل والمضمون استخدم فيها أسلوب التهكم والنقد لاجتماعي ،لنوعية من البشر تبيع كل شيء كي تقتات على ما تبيعه حتى أفكارها فرطت فيها لتعيش بلا أفكار، ورغم ان القاص يفترض هذا السوق من مخيلته لكنه افترض يخضع لتوظيف ممنهج ومدروس تتسع من خلاله دائرة التأويل والنقد ،يقول الراوي (هو سوق اعتيادي ليس فيه ما يميزه عن بقية الأسواق . الا أنه يختلف من حيث المضمون؛ فالسلعة الرئيسية التي يتم تداولها فيه هي الفكرة ) تكشف هذه القصة حجم التراجع الفكري الذي تكون بفعل الكم الهائل من الاحباطات المتكررة حتى فقدنا الثقة في قدرتنا على تحويل أفكارنا الى واقع وإبداع لأننا لا نفترض النجاح بل نفترض الفشل أولا ، تقوم المفارقة في هذه القصة على ان من يبيع أفكاره يخسر كل شيء الا الكسل الفكري هو السلعة الوحيدة التي يربحها (احدهم باع فكرته بعشرة ألاف دينار فقط وعاد الى بيته ورأسه خالي )، لذلك كل من يوافق على البيع ينتهي بالموت الفكري والكسل اي يصبح عبئ على نفسه وعلى غيره . اعتمد الكاتب لغة تهكمية فنية لذلك تعمد فرض بعض الكلمات العامية السائدة لما تحمله من إيحاء عالي على التهكم والمفارقة وذلك لإشعار و تطمين المتلقي انه إمام واقع هو جزء منه ،استخدم أسلوب الكامرة في الوصف بما تحمله الكامرة من دقة عالية وسعة في الرؤية (وقبل الدخول للسوق يجذب انتباهك الإعلان الضوئي الذي وضع في واجهة السوق والذي يبلغ ارتفاعه أربعة امتار وعرضه ستة أمتار ) اجاد الكاتب في جعل نهايات قصصه نهايات صادمة للمتلقي حيث انتهت جميع قصصه بمفارقة نقدية للواقع والافتراض ففي سوق الأفكار تنتهي القصة باجتماع صاحب السوق السيد حسيب مع السيد نزار ساعده الأيمن قال له ( علينا ان نفكر بجدية للرحيل من هنا الى وطن أخر فلقد اشترينا كل الافكار ولم يعد في هذه المدينة رأس واحد فيه ذرة من التفكير ) تتكرر هذه النهايات و المفارقات في باقي قصص المجموعة . لم تخلو بعض هذه لقصص من بعض التكرر في المشاهد والكلمات لكن تكرار لايؤثر كثير في شكل القصة ففي قصة جنازة السيد المدير يتكرر مشهد التشيع وصوت النعي اكثر مما تحتمل القصة. اعتمد الكاتب على حبكة قصصية نازلة تبدءا بالافتراض وتنتهي بالواقع استخدم الكاتب لغة صورية جميلة وذلك لتحفيز النص والمتلقي للقراءة أجاد في جعل عوالمه الافتراضية قريبة من التحقيق اي ليست عوالم مفارقة كثيرا للواقع . في الختام نجد ان هذه المجموعة القصصية في شكلها العام هي بحث واقتفاء للمعنى الافتراضي المتمثل في الحلم والعوالم الافتراضية الأخرى لإيجاد حياة وواقع أكثر إشراقا وجمالا من عالمنا الحقيقي اليوم ،الذي فقد كل معنى إبداعي وأخلاقي جميل وبالتالي فقصص لؤي قاسم في الكثير منها هي كسر للسائد من المعاني وما يرافقها من فشل وتأخر ثقافي واجتماعي وحضاري وذلك من خلال تحفيز العقل البشري على الحلم والافتراض ومن ثمة اكتشاف معنى جديد للحياة عبر الافتراض . كي نكون شعبا قادر على الخلق والإبداع يجب علينا ان نفترض بأن هناك معانى جديد للحياة.