23 ديسمبر، 2024 6:20 ص

المعنى الإيراني لصواريخ أربيل

المعنى الإيراني لصواريخ أربيل

نظام الملالي في طهران، منذ أيام الحرب الإيرانية العراقية 1980، يعرف قادة الأحزاب السياسية الكردية، واحدا واحدا. بل هو، منذ أيام القائد المؤسس الملا مصطفى البرزاني، يعرف ارتباطاتهم الحميمة بأمريكا وبإسرائيل، ويعرف مسعود البرزاني، تمام المعرفة، منذ نعومة أظفاره.

ومؤكد أنه شاهد، مثلنا، صور لقاءات الوالد والإبن مع قادة كبار في تل أبيب، وقرأ اعتراف السياسي الكردي الدكتور محمود عثمان بمصاحبته، شخصيا، لملا مصطفى في زيارته لإسرائيل.

ولا شك في أن المخابرات الإيرانية، كغيرها، تحتفظ بصور ووثائق عن تلك العلاقة، وخاصة عندما اعترف بها مسعود، شخصيا، بلا خوف ولا حياء، حين قال لسائلٍ عربي، “أنتم لديكم مشكلة مع إسرائيل، أما نحن فليس لنا معها مشكلة”.

ومن غير المعقول أن المخابرات الإيرانية لم تشاهد ولم توثق زيارات مسؤولين إسرائيليين كبار لمدن كردستان العراق، ولم تطلع على نشاطات الموساد في أربيل، على الأقل في حرب تحرير الكويت 1992، وما بعدها، ولم تحضر حفلات تأبين شيمون بيريز 2016 في دهوك وأربيل.

ولكن قادة النظام الإيراني الرافعين لواءَ المقاومة الإسلامية والممانعة، والمُنادين بتحرير فلسطين و بمحو إسرائيل من الوجود لم يكونوا يرون في هذه العلاقة خطرا على أمنهم القومي، بل إنهم، رغم كل ذلك، وضعوا أيديهم بأيديهم، وضمّوهم إلى جحافل الجيش الإيراني  في قتاله ضد جيش وطنهم، وسمحوا لهم بمعرفة أسرار عسكرية إيرانية حساسة، ثم أمروا أحزابهم العراقية، بقيادة محمد باقر الحكيم، وفي مؤتمرات المعارضة العراقية السابقة، من أولها إلى آخرها، بالتحالف معهم، وتأسيس نظام المحاصصة الشيعية الكردية، برعاية أمريكية إسرائيلية، قبل سقوط نظام صدام حسين، وبعده.

فلم يرسل الإمام الخميني، ولا وريثه الوليُّ الفقيه علي خامنئي، ولا أي واحد من قادة  الحرس الثوري، برغم كل هذا التاريخ الكردي الإسرائيلي المشترك الطويل، صاروخا واحدا يردع مسعود البرزاني، ويجعله يتخلى عن  علاقاته المتشعبة بالإسرائيليين، ويحذره من مغبة التعاون مع الموساد، باعتبار أن ذلك خطرٌ على الأمن القومي الإيراني.

ولو كان الأمن القومي، فعلا، هو الدافع الوحيد للصواريخ الإيرانية الأخيرة، كما يزعم النظام ووكلاؤه العراقيون واللبنانيون، لكانت سبقتها، منذ سنوات، صواريخُ ومسيَّراتٌ عديدة إلى تركيا والكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة التي لأمريكا فيها قواعد عسكرية، ولإسرائيل وجود علني، وهي أقرب إلى إيران من أربيل.

أما المعنى الإيراني الوحيد للصواريخ الأخيرة التي اعترف الحرس الثوري بمسؤوليته، هو، عن إطلاقها، وليس مليشياته العراقية، فهو أنها رسالة بنسختين.

النسخة الأولى إلى أمريكا ودول أوربا لإبلاغها بأن عدم نجاح مفاوضات فينّا، وعدم البدء برفع العقوبات، يعني زياراتٍ عديدةً قادمة ستقوم بها الصواريخ والمسيَّرات الإيرنية لمناطق تواجد أمريكا وإسرائيل في المنطقة.

والنسخة الثانية مرسلة لمسعود تخبره بأن الامبراطورية الإيرانية الإسلامية الجديدة تحذره من مغبة الظنَّ بأن إيران الضعيفة العاجزة عن الرد على غارات الطيران الإسرائيلي على معسكراتها ومقاتليها المنتشرين في سوريا ولبنان، وفي إيران ذاتها، سوف تتردد، لحظة واحدة، عن جعل أربيل أوكرانيا ثانية، إذا لزم الأمر، وبحجة الأمن الوطني، أيضا، أسوةً بحليفها فيلاديمير بوتين. وذلك لأن العراق هو آخر قلاعها، وأن خروجها منه، أو حتى ضرب جزء من نفوذها ومصالحها فيه بدايةُ النهاية لوجودها الاحتلالي،  نفسِه، من جذوره، وربما سقوط ولاية الفقيه، ذاتها، واندثارها إلى أبد الآبدين.

يعني أن استمرار أربيل في التنسيق والتعاون مع الإسرائيليين، والمضي قدما في استغلال ضعف مقتدى الصدر، والتآمر على إيران وعلى أولادها العراقيين يستحق ما هو أكثر من الصواريخ.  

بالمناسبة، إن العراقيين الوطنيين الشرفاء مطالبون بموقف وطني حازم وحاسم من العدوان الإيراني على أربيل باعتبارها مدينة عراقية عزيزة، وأي مساس بأمنها هو مساسٌ بأمن الوطن كله وكرامته وبقائه. إلا أنهم، في الوقت نفسه، مطالبون بإدانة سلوك مسعود، وخاصة فيما يخص تعاونه الحميم مع الإسرائيليين، على غير رضا الشعب العراقي، باعتبار أن ذلك لن يؤذي آل بارزاني، وحدهم، ويجعلهم هدفا لانتقام الإيرانيين، بل إنه سيذهب بما تبقى من السيادة الوطنية العراقية المنتهكة، ويضيف بلاوي جديدة إلى بلاوي العراقيين التي لا تنتهي.

ولو كان مسعود البرزاني قد اختار مناطحة الولي الفقيه وحرسه الثوري، وتَحدى نصائحَ رسوله إليه المدعو اسماعيل قاآني من أجل تحرير الوطن العراقي من الاحتلال الإيراني، لوجه الله تعالى، وحبا بالوطن والشعب العراقي الكردي والعربي والتركماني، والسني والشيعي، وليس بدوافع وأطماع شخصية وأسرية وحزبية ضيقة، ولحساب محتلين جدد آخرين لن يكونوا أرحم على الشعب العراقي من المحتلين الإيرانيين، لكان على كل عراقي، وعلى كل مواطن شريف في المنطقة والعالم محبٍ للسلام ولحريّة الشعوب وكرامتها أن يشدّ من أزره، ويقف وراءه، أياً كانت التضحيات، وأيا كان ثمن الحرية والخلاص.  

ولكن مسعود المتجبر المستبد المصاب بعاهة انتفاخ الـ (أنا) إلى أبعد الحدود توهم، أخيرا، وفي أعقاب انتخابات تشرين الثاني من العام الماضي، بأن العراق قد دخل مرحلةَ ما يكفي من التمزق والتشرذم، وأن إيران لم تعد تجرؤ على استخدام القوة لحماية أولادها العراقيين، وأن مقاعدَه النيابية الأثنين والثلاثين التي فاز بها حزبه في الانتخابات الأخيرة كفيلة بجعله سيد العراق الأوحد، وتمكنه من منحه ومنح أولاده وأبناء عمومته حكم التيار الصدري وسنّة الحكومة والإطاريين، وتفرض إرادته كأمر واقع على إيران ذاتها، وبالتالي على الشعب العراقي، وتحقق له مطالبه التعجيزية الانتهازية التي لن تتحقق، لا اليوم ولا غدا ولا بعد غد. 

بصراحة، أنه كان سكيناً في خاصرة الوطن العراقي وأهله، وأحدَ الأسباب، بل أهمَّها وأخطرَها وأكثرها عبثا بأمن الوطن، وتمزيقا لوحدة ترابه وشعبه، وإضرارا بمصالحه، واستهتارا بمصيره، ليس في هذه الأيام التي نعيشها، بل على مدى عشرات السنين.