23 ديسمبر، 2024 10:40 ص

المعلومة الاستخبارية … وسذاجة التفكير الامني

المعلومة الاستخبارية … وسذاجة التفكير الامني

على مدار عشر سنين تصدح حناجر المسؤولين الامنيين بعبارات ان  تردي الوضع الامني تقف خلفه جهتان الاولى القاعدة وأفراخها من التنظيمات الارهابية والثانية حزب البعث المنحل وكلاهما يتلقيان دعما” من الخارج يضمن استمرارهما بعمليات القتل والتخريب داخل العراق.

 العدو واضح ومشخص كذلك أساليبه في القتل معروفة حيث السيارات المفخخة والانتحاريين هما ابرز ادوات التدمير لدى تلك الجماعات .

 لكن ما هو غير واضح ومخفي بل غير متوفر هي الخطط الأمنية التي تضع الحلول  الناجحة لازمة اسمها الإرهاب في البلد فضلا عن غياب العقول الأمنية التي تمتلك القدرة على التعامل مع هكذا أزمات .

 التصرف العشوائي في التعامل مع الأزمات هي السمة البارزة في سلوك أجهزة الأمن حيث نلاحظ الأخير يتعامل مع الحدث الأمني مثله كمثل الملاكم الذي يخوض نزال مع خصم قوي يفوقه في القوة , هو يعلم بهزيمته مسبقا” في تلك المواجهة لكنه مجبر على خوض النزال لذا تراه يجرب حظه العاثر في تلقي اللكمات عسى إن يصمد إمامها لكن دون جدوى فهو يقاتل بروح انهزامية لا بروح المقاتل صاحب الشكيمة الذي يستغل نقاط الضعف لدى الخصم ليستثمرها في هزيمته .

نقاط الضعف هذه هي حال أجهزتنا الأمنية فهي تنتظر وقوع الحدث الأمني ومن ثم تتعامل معه لكن بمفهوم القدر الواقع لا محال فالاستسلامية والرضوخ للأمر الواقع هي السائدة بل والمسيطرة على معنويات القادة الأمنيين ذالك كون العدو يملك زمام المبادرة بسبب غياب المعلومة الاستخبارية عن تحركاته.

 في عام 1979 وصل المفاعل النووي في مدينة (تري مابل ايلانر)إلى  مرحلة الانصهار حيث تسربت كميات كبيرة من الإشعاع إلى الجو بسبب فشل إحدى صمامات التبريد التي تجعل المفاعل بارد, سبق هذا الحدث و قبل ثمانية أشهر حدث فشل مماثل في مفاعل في مدينة اوهايو حينها حذرت لجنة التحقيق وكذلك الشركة المصنعة لتلك الصمامات من إمكانية حدوث فشل مستقبلي في تلك الصمامات والتي كانت ذات الشركة قد صنعتها للمفاعلين آلا إن المسؤولين تجاهلوا تلك التحذيرات و الإنذارات حين وقعت الكارثة فلم يتعاملوا مع المعلومات السابقة بدرجة من الذكاء والجدية .

 كثير هي الإحداث و قبل وقعها التي أطلقت إنذارات حذرت من وقوع الحدث الأمني لكن لم يعر لها أهمية فضلا عن عدم توفر عقول أمنية باستطاعتها التعامل مع تلك المعلومات وما حادثة هروب السجناء من سجن ابو غريب آلا مصادق واضح لذلك الترهل الأمني بل هناك حوادث أمنية كثيرة لا يسع المقام لذكرها .

 كل ذلك يرجع إلى بدائية الخطط الأمنية الموضوعة من قبل أناس لا يملكون الكفاءة الكافية للتعامل مع حجم التهديدات الأمنية الكبيرة التي يواجهها البلد
 حيث تقع الكثير من الإعمال الإرهابية دون ادني استعداد مسبق للتعامل معها سوى إحصاء جثث الشهداء والعمل و بجد على ضمان عدم تسريب الإعداد الحقيقية إلى الرأي العام فضلا عن قطع الشوارع والتخطبط في سلوك إفراد الأجهزة الأمنية .

 ذلك لأنهم فوجؤا بما يحدث حيث كانت ردة الفعل تلقائية فوضوية و يمكن تمثيلها بردة الفعل المنعكس عن شعور شخص يوخز  بأرة فتراه ينتفظ بشكل غير أرادي فيقوم بفعل غير مدروس يسوقه الى مشاكل كبيرة .
 
ذلك بسبب عنصر المفاجئة حيث يصنف المختصون في أدارة الأزمات و الإحداث الأمنية إلى ثلاثة أصناف: الأول الحدث المفاجئ والثاني بالحدث محل الشك حيث الأول هو الذي لا يمكن منع حدوثه كونه مفاجئ والثاني لا توجد استطاعة لمنعه بسبب غياب المعلومات الدقيقة و الكافية لمنع وقوعه .

 أما الصنف الثالث هو الحدث المتوقع و الذي تتوفر عنه المعلومة المسبقة و بالوقت الناسب الذي يتيح لعنصر الأمن تحويل الأزمات (الحدث الأمني ) إلى توقعات يمكن منع حدوثها من خلال المعلومة الأستخبارية الأستياقية والتي بالضرورة يجب أن تتوفر بموازاتها ذهنية أمينة قادرة على تحليلها بالشكل الصحيح .

إن المعلومات المسبقة عن نشاطات الأرهابين وأماكن تواجدهم فضلا عن طرق تنقلهم والبيئة الحاضنة لهم ومصادر التمويل كل ذالك يمنح الأجهزة الأمنية فرصة إجهاض تلك العمليات و قبل وقوعها .

 حيث تعد المعلومة الاستخبارية المسبقة بمثابة العيون التي تسترشد بها تلك الأجهزة وبدونها مثلها كمثل الأعمى السائر في طريق وعر .

 في مراجعة سريعة الى ميزانيات الدفاع والداخلية و الأمن الوطني فضلا عن المخابرات نجد وفي مجموعها ما يعادل ميزانية دولة أن لم يكن عدة دول مجتمعة .كل تلك الإمكانيات لم تستطع و من خلالها جميع هذه الأجهزة الأمنية من منع الانهيار الأمني في البلد بل ولم تسعى إلى بناء منظومة معلوماتية يمكنها التعامل مع هذا الانهيار فضلا عن التأثير فيه ذلك لعدم قدرتها من تحويل الأزمة (الحدث الأمني) إلى فرصة يمكن تفويتها على العدو .

 في غياب تلك المنظومة تقف عاجزة تلك المليارات من الدولارات و المخصصة لاستتباب الأمن و أحلال السكينة في المجتمع على الحفاظ على سلامة أرواح المواطنين فضلا عن غياب عنصر الأمن و الاستخبارات الكفء ذو الخلفية الفكرية والثقافية الناضجة التي يكون مصداقها الشعور بالمسؤولية تجاه هذا الوطن .

 من غير ذلك لن تشفع لنا تلك الجيوش من الجهلة و إنصاف المتعلمين و الموئدلجين بالولاء لأحزابهم دون الوطن فهؤلاء لن يكونوا لنا ناصرا” ولا معين في قبال هذه الهجمة الشرسة .

ما تقد هي رسالة إلى من بيده زمام المبادرة ناصح و محذر من حدوث نتائج لا يحمد عقباها إن استمر الوضع على ما هو عليه . 

إلف تحية لرجال الأجهزة الأمنية الذين نذرو أنفسهم وضحوا في سبيل امن  هذا الوطن حيث كانت عيونهم ساهرة ويقظة في وقت خلدت كل العيون للسبات والنوم .