23 ديسمبر، 2024 6:43 ص

لقد دأبنا على الاحتفاء في مثل هذا اليوم من كل سنة بصانع الأجيال ومربي رجال المستقبل ومخرجهم من ظلام الجهل إلى نور العقل والعلم ألا وهو المعلم… المعلم الذي اختار أن يمتهن العمل الذي اختطه وسار في طريقه جميع الأنبياء والمرسلين والعلماء الرساليين، هذا الطريق المتعب المضني الذي لا يمكن  لأي أحد أن يمشي فيه دون أن يكابد المصاعب والجهد، وأن يبذل من وقته ووقت عائلته ومن كل كيانه ما يكون واسطة لبلوغ النشء الأخلاق الفاضلة والسيرة الحسنة، فضلاً عن العلم والمعرفة، كل هذا الإحسان الذي يبذله المعلم من مهجته يجب أن يقابل بالمثل من جميع
 أفراد المجتمع  والجهات العليا في البلد، لا سيما السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية من خلال سن القوانين التي تحمي المعلم من المضايقات التي يُعَرَّض لها، ورفع مستوى المعلم معنوياً ومادياً.
 أما فلذات أكبادنا وأبنائنا الطلبة الأعزاء فلا يكون الإحسان منهم إلا بالانصياع لتوجيهات الملاكات التربوية من معلمين ومعلمات وإدارة المدرسة واحترام كل أولئك وإظهار الإجلال والإكرام لهم ومساعدتهم لبلوغ العملية التربوية أهدافها بمواظبتهم ــ أي أبناءنا الطلبة ــ على الدوام الرسمي والجد والاجتهاد في طلب العلم وهذا ما نأمله منهم، ولا يكونوا ممن يقابل الإحسان بالإساءة بل أن يكونوا قرآنيين في سلوكياتهم ويقابلوه، أي الإحسان بالإحسان، كما قال تعالى في كتابه الكريم:﴿هل جزاء الإحسان إلا الإحسان﴾ أي لا يكون جزاء للإحسان إلا بإحسان
 مثله…
أما المعلم فلا بد لنا في يومه المجيد أن نقف معه وقفة، فعلماء الاجتماع وعلى رأسهم (دوركهيم) لهم رأيهم في تكوين الضمير مأداه أنه ” حصيلة آلاف الضغوط الاجتماعية على الفرد : التربية في الأسرة وفي المدرسة ، القهر الرسمي الذي تمارسه المؤسسات والنظم الاجتماعية.. التقليد والاحتذاء …كلها قوى تتضافر وتتحالف على تشكيل ضمير الفرد ” من هنا نتلمس الدور الخطير الذي يضطلع به المعلم في المدرسة، فهو إحدى الركائز التي يبتني عليها ذلك البناء الشامخ الذي يحدد مسار الإنسان ووجهاته وهو ذلك الصوت الداخلي الذي يوعز للإنسان بالتوقف عند مواضع الشر ويؤنبه
 إذا اقتحمها، ويرتاح ويطرب إذا سار في طريق الخير ألا وهو الضمير.
إن المعلم على وفق المعطيات أعلاه ضرورة لا مناص منها لمجتمع يريد التقدم والازدهار، فبالعلم ينحو المجتمع قدماً نحو أسباب المدنية والتكنولوجيا، لكن ذلك ليس كافياً لبلوغ التطور بل ينبغي أن يكون هناك دور آخر كما أسلفنا ليكتمل البناء ويكون رصيناً، فمثلاً إذا كان لدينا جيل متعلم فليس بالضرورة أن نتجه صوب التقدم، إذ إن الإنسان ذو غرائز وميول قد تتجه به نحو الانحرافات الأخلاقية مما يحدو به إلى السير في طريق تغليب مصلحته على مصالح الدولة وأفراد المجتمع، أو بعبارة أخرى يتجه نحو الفردية ويضرب عرض الجدار المصلحة العامة، وهو ما يؤدي إلى
 الفساد الإداري والمالي فضلاً عن الأخلاقي، وهذا أبرز الأسباب التي تؤدي إلى تخلف المجتمعات ورسوبها في قاع الجهالة وعدم قدرتها على اللحاق بسلم التطور والتمدن الذي سارت به أشواطاً بعض الدول في الشرق والغرب.
إن الوظيفتين التربوية والتعليمية الملقاة على عاتق المعلم هي قريبة جداً من المهمة التي أنيطت على عاتق الأنبياء والمرسلين، لكن بالمفهوم المشكك على وفق اصطلاح المناطقة، فقد جاء في محكم كتاب الله الكريم: ﴿هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين﴾ فالتزكية والتعليم من أبرز أغراض بعثة الرسول بل تقديم التزكية على التعليم له دلالة واضحة على أهمية التربية في سلوك افراد المجتمع وأنها ينبغي أن تسير بموازاة التعليم، إذ كم من متعلم بلغ أرقى درجات العلم في الطب
 والهندسة والإدارة وغيرها قد ابتلي فيهم الشعب العراقي وراحوا يسرقون قوته ويرهقون كاهله ولا تفتا جيوبهم تنهمر الأوراق الخضر والحمر فيها، وكل ذلك؛ بسبب الطمع والجشع وانعدام الإحساس بالمصلحة العامة، نحن نريد معلمين مرفوعين برفعة الأخلاق والعلم ﴿ يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات﴾ حتى نستطيع أن نؤمنهم على فلذات أكبادنا ليرسموا لهم طريق العلم والمعرفة مشرباً بالفضيلة وعلو الهمة.