8 أبريل، 2024 10:09 م
Search
Close this search box.

المعلم الأنموذج … مصطفى الطويل

Facebook
Twitter
LinkedIn

التعليم هو احد الركائز المهمة لصيرورة الإنسان المتحضر الذي يقع على عاتقه بناء المجتمعات المتقدمة والمتطورة تكلنوجيا وحضاريا ، لذلك اهتمت حكومات العالم المتقدم بالتعليم وأولته عناية خاصة ، لأنه المادة الأساس لتطورها وتقدمها وديمومة وجودها ، فحققت قفزات هائلة في جميع مرافق الحياة ، وأسهمت في إشاعة الرخاء والتمدن بين شعوبها والشعوب التي تأثرت بها بشكل او بآخر … بينما ظل التعليم في دول العالم الثالث يشكل تسقيط فرض لدى حكومات هذه الدول ، وجزء من بيروقراطيتها التقليدية ، وفق مبدأ ( إن كل ما يحتاجونه يمكن استيراده سواء كان تكنولوجيا أم خبرات ) … لذلك بقيت معظم هذه الدول تراوح في مكانها ومتخلفة عن ركب الحضارة … والعراق إحدى هذه الدول فالتعليم يقع في ذيل أولويات حكوماتها منذ تأسيسه عام 1921 ميلادي ، وقد ازدادت أموره سوء في العقدين الأخيرين بفعل الحصار الاقتصادي الذي فرض على الشعب العراقي عام 1991 والذي انهارت بفعله كل مؤسسات الدولة واختلت بسببه الكثير من القيم والثوابت الاجتماعية والأخلاقية للمجتمع ، وكذلك بفعل الاحتلال والفوضى التي خلفها ورائه بعد سقوط الصنم … فالتعليم في العراق يعاني من الإهمال المتعمد من قبل أصحاب القرار وهذا الإهمال شمل كل مرافقه بدء بالمعلم وانتهاء بمناهج التدريس ناهيك عن قلة المدارس ووضعها المزري الذي لا يتناسب بأي شكل من الأشكال مع بلد بغنى العراق … لكن بالرغم من كل ذلك بقي الكثير من المعلمين يناضلون من اجل الحفاظ على القيمة واللبنة الأساس لروح التعليم ، وديمومة الرسالة المقدسة المناطة بهم … في إحدى مدارس المناطق النائية في بغداد هناك معلم شاب فنان جميل يطلق عليه رفقائه اسم (مصطفى الطويل) وذلك لطول قامته الرشيقة ، يدرس هذا المعلم مادة الرسم التي درسها في كلية ومعهد الفنون الجميلة لتسع سنوات ،  لم ينتمي لاي جهة حزبية او فئوية وليس له أي انتماء غير انتمائه لوطنه وعمله وطلابه ، بالرغم من دخله المادي المحدود الذي لا يسد رمق عيشه لنهاية الشهر ، عمل هذا المعلم على تطوير مدرسته وإحداث تغيير جذري في مظهرها وعطائها التعليمي ، فهو لاشهر طويلة مضت يعمل على تحويل جدران وفضاءات مدرسته إلى لوحات جميلة تثير البهجة والارتياح في نفس كل من يشاهدها حتى جعل مدرسته لوحة جميلة ونادرة وعلامة فارقة بين مدارس العراق ، وكل ذلك كان بمجهوده الخاص وبتشجيع من كادرها التدريسي الذين تعاطفوا مع فكرته وساندوها ، وحول احد الصفوف المهملة إلى مرسم جميل يعمل على خلق أجواء من المتعة والفرح وحب لمادة الرسم  لدى طلابه ،والتي أهملت هذه المادة المهمة  من قبل الكثير من إدارات مدارس العراق ، وقيامه بحملات تنظيف كبير ودورية لمدرسته حيث يقوم بعمليات التنظيف بنفسه وبمساعدة بعض زملائه ، وانشأ حديقة جميلة فيها بجهوده الخاصة ، وقيامه بتنظيم مهرجانات وطنية وتقديم عروض مسرحية  يشارك فيها تلاميذه الصغار ، دون أي دعم مادي من أي جهة ما …
 إن هذا المعلم هو أنموذج يجب الاعتناء به وتشجيعه والاقتداء به وتعميمه في الوسط التعليمي العراقي  ، لأنه يمثل جيل من الدماء الشابة داخل المؤسسة التعليمية تعمل على إزالة حالة الركود التي تعانيها هذه المؤسسة ،  وهو وبعض المعلمين الشباب من أمثاله يمثلون بارقة أمل لانتشال الواقع التعليمي من الروتين والجمود  اللذين يعانيهما … لنصفق  لمصطفى الطويل ، وندعم هذا المعلم الشاب المحب لعمله والذي اختار لنفسه ساحة جهاد يمكن ان يقدم من خلالها خدمة لوطنه الذي احبه فاخلص له.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب