بعد أن لاحظ البرلمان الدنماركي (حاله كحال بقية البرلمانات الأوربية) عزوف الناخبين الدنماركين عن المشاركة في الإنتخابات البرلمانية (حالهم حال بقية الشعوب الاوربية) المرفهه والمتحضرة حيث بداءت السياسة في عالم النشاط (الأكتف) تستهلك مفهوما القديم الممل و تحولت الاحزاب السياسية الى مؤسسات بليدة محدودة (الجدوى الإقتصادية) أو منظمات مجتمع مدني عادية ولم تعد تقدم الكثير للمجتمع خصوصاً بعد تطور مفهوم (الدولة الإلكترونية) المعاصرة و (مفهوم المواطنة الإنسانية) و(العدالة الشاملة) و(القانون الموحد) ومفهوم (الإنسان) وغادروا مفاهيم أصبحت تراثاً أو خيالاً فلا يوجد عندهم ظلماً يستدعي المطالبة بالعدل ولا دكتاتوريات تستدعي المطالبة بالديمقراطية ولا تمييز يستدعي المطالبة بالمساوات وارتفعت راية الآنسانية بأبهى صورة لها وأصبحت للأقليات ميزة (الرعاية المركزة) ولم يعد الفساد قادراً على البقاء في ظل السلطة الرابعة وفي ظل سلطات الرقابة الشعبية الصارمة وفي ظل ثقافة وأعراف جماهيرية تستطيع بسهولة ان تعبر عن نفسها بمنتهى اليسر أنشأت أعرافاً سياسية عميقة التأثير وأكثر إحتراماً من دساتير الشرق وأما مفهوم الحرية فبداء ينشاء عندهم حس إجتماعي ضابط للحريات المنفرطة ولكنهم يخافون من وضع أي قوانين (معرقلة) للحريات وبداءت (المعارضة) السياسية تتلاشى تبعاً للتلاشي التدريجي للأحزاب السياسية نفسها خصوصاً بعد أن بدات مؤسسات الدولة المعاصرة تتغول على إختصاصات الأحزاب (بنعومة) خدمية غاية في الحساسية والذوق وتحول رسم سياسات الدولة وإقتصادياتها محكوم بأنظمة وقوانيين وحسابات دقيقة وممكننة (فل أوتماتيك) ومجال الراي فيها لأصحاب الإختصاصات والخبراء عبر معادلات وقوانين وأجهزة ومختبرات علمية بحته ليس للسياسين فيها دور مهم غير(التوقيع على قرار مدروس كامل المواصفات) لذا تقلص دور الأحزاب السياسية إلى درجة كبيرة وتحولت جل إهتماماتها نحو البيئة في هذه المرحلة بعد أن أستقرت مشاكل الطاقة الى حلول متوازنة ومعقولة على ايدي (مهندسين متخصصين) وليس السياسين ؛ والخدمات البلدية اصبحت منزوية بدائرة حكومية (مدعومة) لا لانها تقوم باعمال جيدة ولكنها في ذات الوقت تمتص جزء من البطالة البسيطة (هم حكومة المؤسسة وليس هم الأحزاب) . والمشكلة الاكبر التي جعلت الناس ينصرفون عن السياسية ويتقلص دور السياسي الى حد كبير هو عدم وجود (ابطال قوميين) وموت الانسان الخارق (السوبرمان) او هجرته الى الشرق لعدم الحاجة اليه في الغرب وبداءت نسبة المشاركة في الانتخابات تبعاً لكل ذلك بالانخفاض الشديد حتى ان قسم كبير من من يشاركون في الانتخابات يعتبرونها مهرجاناً لكسر الملل اليومي ولا علاقة له بالسياسة!!!.
كل هذا دفع (البرلمان الدنماركي) الى البحث عن طريقة تحث الناس على المشاركة في الانتخابات خوفاً من ان ياتي يوماً لا يشارك فيها غير الحزبيين وهم يتناقصون يوما بعد يوم الأمر الذي دفعهم للقيام بحملة إعلانية لتشجيع الناس للمشاركة في الأنتخابات (على غرار ما تفعله المفوضية “المستقلة” للإنتخابات العراق) ولكن كيف ؟ لن ينتبه لاعلانهم احد في خضم ملايين الاعلانات عن اي شيء وكل شيء ؟؟ لابد من إعلان يكسرالروتين و(يكسر الملل) للوصول إلى المواطن الاوربي لذا لابد من إستدعاء البطل القومي (الشعبي) لانقاذ السياسة عبر انقاذ الانتخابات وهذا البطل القومي لا يمكن الا ان يكون (سوبرمان الجنس) الشيء الوحيد المتبقي الذي يمكنه ان يحرك عقد الخوف من البرود الزاحف على حياتهم الباردة (لا مفخخات ولا تفجيرات ولا إنتهاكات ولا مداهمات ليلية ولا حتى نهارية ولا إعتقالات عشوائية ومرتبة ولا سجون سرية مليئة بالاثارة والرعب ولا انقطاعات للكهرباء ولا للماء ولا قصف ولا حروب …) وبقت (الحرية) الجنسية (المنفتحة) وليس (الجنس) من
أهم وسائل إيقاف هذا الزحف وكسر الرتابة يمنحهم الدفء ولن يكون البطل القومي هذا الا (مارداً جنسياً) خارقاً واستدعوا لذلك هذا المارد المسمى (فوتمان) لينقذ الانتخابات الاوربية كلها لانهم كلهم مع الاسف الشديد يعانون نفس المشكلة (طز بالسياسة) لعدم الإقتناع بأهميتها أو حاجتهم لها ولعدم مقدرة (السياسة) على مجارات التطور والتجديد في كل شيء حتى تدنت نسب المشاركة في الإنتخابات الى حافات الثلاثينات (رغم “التسهيلات” الكبيرة للمشاركين بإمكانهم الإنتخاب عبر اللأنترنيت وهم متمددون على إسرتهم) ورغم ذلك هي في تناقص مستمر. تخيل إنتخاباتنا (الساخنة) المتفجرة الملتهبه وإنتخاباتهم الباردة وطريقنا إلى الصندوق وطريقهم والذي يزيدها برودة وملل روتيني قاتل إنها خالية من التزوير والاشد سخونة عندنا انها تشتد سخونة على سخونتها بعد ظهور النتائج لا قبلها!!! ربي يستر على الجميع علينا وعليهم.
نعود إلى البرلمان الدنماركي الذي لجاء إلى أسلوب “مثير” وغير مسبوق لحث المواطنين على المشاركة في الانتخابات الأوروبية حيث وضع سيناريو “جريء” من خلال إنتاج شريط رسوم متحركة يصور حياة بطل خارق “فوتمان” يعيش حياة “جنسية مترفة” وكلفه برفع نسبة التصويت وتشجيع الاوربيين على المشاركة في الانتخابات وليس أي شيء آخر فمهمته (قومية) يصوره الفلم وهوفي وضعية “حميمة” محاطا بمجموعة من النساء “العاريات” يمارسن الجنس الجماعي معه وهو في عنفوان القوة والرجولة وكامل الفحولة ، لكنه ما أن يتلقى مكالمة هاتفية حتى يقوم برمي كل تلك النسوة من السرير بمنتهى الغيرة والقوة والعنفوان الوطني ويرتدي زيا جلديا خاصا وينطلق مسرعاً في مهمة “إنقاذ” الانتخابات الأوروبية. هذا الفيديو مدته دقيقة ونصف كسر كافة التقاليد الأوروبية فيما يتعلق بموضوع المشاركة في الانتخابات. ومن خلال هذا الكرتون “الجريء” قرر البرلمان الدانماركي لعب ورقة إستفزاز مشاعر المواطن الاوربي وهو أمر نجح إلى حد بعيد حيث وحقق (فيديو فوتمان) نسب مشاهدة عالية جداً ( عشرات آلالاف) وما كان يحدث ذلك لولا “فوتمان” إلا إن ذلك واجه جملة إنتقادات قبل أن يتم سحبه تخوفا من ردود فعل غير محسوبة. وفيما نظر البعض من المواطنين الأوروبيين إلى هذا الفيديو من زاوية “الفكاهة” إلا أن البعض الآخر شعر بـ”الصدمة” فأول مشهد يظهر فيه “فوتمان” محاطا بأربع نساء يافعات “عاريات” يمارسون “الجنس” معه ولا أعرف على وجه الدقة ما هو وجه “الإستفزاز الأوربي” لمثل هذا المشهد (لعله ذكرهم بعقدة عندهم تجاوزها الإنسان الشرقي رغم عشرات العقد الأخرى ومئات البلاوي التي تحيطه من كل جانب في حياته ورغم فشله في الكثير من الميادين إلا في هذا النجاح فإنه العيب الأخير الذي لا مجال للفشل فيه ) ، قد يسيل كثيرا من الحبر ويثير عددا من التساؤلات حول سبب اعتقاد البرلمان الدانماركي أن “فوتمان” قد يجعل الناس ينتخبون!
عله العالم يقف اليوم على أعتاب الحاجة إلى نمط آخر للحكم وعلى أعتاب نهاية زمن الديمقراطية “التقليدية” لعلنا في الشرق على وجه العموم وفي العراق على وجه الخصوص قد تجاوزناها إلى مرحلة (ما بعد الديمقراطية) المهم بل الأهم أن هناك “فوتمان شرقي” بنسخة عراقية ما زال قوياً حياً كل شيء فيه مفتول! جاهز للإعارة للبرلمان الدنماركي حيث لم يتبقى لنا غيره وخوفاً عليه من التلف بعد ظهور نتيجة الإنتخابات العراقية.