19 ديسمبر، 2024 6:26 ص

المعرض التشكيلي الثاني لجماعة اورت آرت  ( ORT ART ) في السويد

المعرض التشكيلي الثاني لجماعة اورت آرت  ( ORT ART ) في السويد

قبل عام من الان كنـّا كمجموعة من الفنـّانين العراقيين نلتقي في أحيان متباعدة وبمناسبات معينة في المنتديات الثقافية او في المقاهي نعيد تذكر ايام الدراسة الفنية في بغداد وذكرياتنا في مقاهيها مثل ( أم كلثوم ) و البرلمان و على ضفاف دجلة وشارع أبو نواس وايام  كنا نلتقي في مدينة الذهب الاسود ( كركوك ) مع بعض من فنانيها ، في مقهى صلاح الدين أو كازينو ( النصر ) المطلـّة على شارع الجمهورية وأحمد آغا ومثلها في أربيل في مقهى ( مچكو ) تحت قلعة اربيل وعلى شارع المظفرية . ونتباحث في تجاربنا في أمور الفن بشكل خاص واحوال الواقع الثقافي العراقي بشكل عام، وكل ذلك اوصلنا الى قناعة بضرورة تشكيل جماعة فنية عراقية لإعادة نشاطنا الفني الممتد من سبعينات القرن الماضي ، فرغم كل مامر بنا من حروب متكررة حملت الكثير من إنتكاساتنا كوطن وشعب إلا أننا كفنـّانين عراقيين تشبـّثنا و حاولنا أن نحافظ على هويتنا الوطنية العراقية بكل الواننا الجميلة حباً بتأريخنا وتراثنا وآدابنا وفنونا العراقية ولأجل مستقبل أفضل للعراق الموحد .
العام الماضي أي سنة 2012 وفي بداية شهر آيار ( مايس ) أتخذنا القرار وكتبنا البنود الاولى لانبثاق جماعة فنية عراقية تحت مسمى ( جماعة فن الضواحي ) ( اورت آرت  ORT ART) معتبرين انفسنا جزء من الحركة التشكيلية العراقية في الداخل لأجل إعلاء الثقافة العراقية من خلال عرض القضايا الانسانية و الثقافية والوطنية للعراق في المنتديات الثقافية السويدية و الدولية .
بتاريخ 05-02-2013 قدمت جمعيتنا اولى اعمالها بإقامة معرض تشكيلي جماعي باسم الجماعة في منطقة ( همّركلـّن Hammarkullen ) في ضواحي مدينة گوتنبورج السويدية و في الليلة الثقافية التي تقيمها هذه المدينة سنويا ً ، وقبلها ايضا ً اشتركنا كأفراد من نفس الجماعة أنا و الفنان عبد الكريم السعدون في عروض بصرية تركيبية في مدينة بوتنا Bottna وهي مدينة الفنانين في الوسط الغربي من السويد وشاركتنا فيها موسيقى الفنان العراقي المرحوم د.طلال اسماعيل عبد الرحمن وقراءات الكاتب العراقي محمود البياتي ، كما اقمنا معرضا لرسومات  اطفال منطقة (همـّركلـّن ) كما قدمنا الفنان جميل جبار بمعرض شخصي لاعماله في الرسم  في پارتيله .
 
وهذه الايام افتتح  هذا المعرض التشكيلي الجماعي الثاني لجماعتنا (جماعة فن الضواحي ) والذي قمنا بها والذي صادف يوم السبت 16 02 2013 وعلى صالة الفن  پارتيله / مدينة گوتنبورغ السويدية والذي اشترك فيه كل من الفنانون :
عبد الكريم السعدون ، أحمد بچاي ،جميل جبار ، فاضل ناصر كركوكلي رغم مرضه و الفنانة السويدية كارولين گوستافسون و فاروق فائق عمر كاتب هذه السطور .
شكل هذا المعرض علامة مميزة لمعارض الجماعة على حداثة تأسيسها من حيث نوع المشاركة وحجمها والتنسيق والتنظيم فكان العرض متميزاً ومرموقا ً.
حضر افتتاح المعرض الكثير من الزوار السويديين والعراقيين وأكدوا على نجاح  المعرض ، وكما ذكرالصحفي (بيورن ديناو BJÖRN DINAU) في جريدة (پارتيلله تيدنينك Partille tidning ) ان المعرض كان عرسا للتجريد الذي تصل جذوره الى العراق.وامتدح المعرض بتناسقه وتوزيع الاعمال الفنية والتي تدل على الخبرة والاحتراف .. كما كان هناك مفاجأة يوم الإفتتاح الموسيقار العراقي نينوس يوسف بعزفه على العود لأنغام ٍ والحان ٍ عراقية جميلة كما كان حاضرا كل من الفنان طاهراسماعيل  الذي غطى المعرض بتوثيقه فلميا والاعلامي ( أديسون هيدو ) حيث أجرى مقابلات مع كل الفنانين المشاركين في هذا المعرض لأخذ آرائهم في الفن وبحثه بكيفية المشاركة في المعرض وتقديم تجاربهم الشخصية .
الفنان عبد الكريم السعدون :
له تجارب وخبرات متعددة سبق وان اقام عدة معارض ، تمتاز اعماله بألوان جميلة مفرحة شفافة تنسجم تماما مع الموضوع الذي يطرحه ففي كل عمل فني نراه من اعماله ونمعن النظر فيه عن بعد كمساحة كبيرة من اللون ولكن عندما تقترب منها تكتشف كوامن العالم الداخلي عالجها بخطوط بسيطة عفوية جميلة مع التلاعب  بتونات اللون القريبة من نفس اللون والتي تدل على الخبرة وحيث تجد مفردات في طبقات العمل  توحي بالعمق وتأخذك الى عالم آخر ، استخدم  الفنان في انجاز اعماله الوان الاكريليك مخلوطة مع اقلام زيتية ثابته ولصق كولاج ورقية مع قطع وقصّاصات جرائدية منسجمة مع سطح اللوحة بحيث تمتد نحو الخارج تشتمل اجزاء من اطراف اللوحة كجزء متصل مع العالم الداخلي للوحة ومع وجود معالجات لونية ملموسة مجسمة بصورة بارزة تتخلل اللوحة لملئ الفضاء المحيط بشخوصه .. وحيث يعالج الفنان في اعماله تلك موضوعة تثير جدلا في اوساط التواصل الاجتماعي حيث يبني الانسان عوالم افتراضية تهيمن على حياته الواقعية وتبعده عنها والتي تشكل تهديدا لبنى المجتمعات وتساهم في خلق بيئة اغتراب جديدة وافتراض عزلة مختارة بارادته ، ويمكن ملاحظة ذلك في   ثلاث تماثيل جميلة اختار لبنائها  قصاصات ورق الجرائد ومن صحف مختلفة ومن مشارب متعددة اراد منها التدليل على المرجعيات التي تبنيها وسائط الاتصال المتعددة دون اختيار في الكثير من الاحيان والتي تفرض تأثيرها من خلال بثها الواسع والمستمر ، ملاحظة شكل الشخصيات التي جسدها للتعبير عن افكاره والتي تستلم بشكل كامل لعميلة البث المتواصله والعالم التي تسكنه فيه حيث الانسان الواقع تحت تأثيرات التقنيات الالكترونية الحديثة والتي تهاجم البشرية ككل وبشكل مخيف بحيث تنسي الانسان الشعور بكيانه وموقعه وحيث ينسجم مع عالم غريب خيالي ، تصوري بعيد عن الاحاسيس والمشاعر الانسانية ويعيش في عزلة تامة عن محيطه ، في  عوالم مبنية بصور مدمجة من الاصوات والنصوص والصور والافلام والفيديو ، من خلال أجهزة الهواتف الذكية المحمولة آيفون وآي باد او كومبيوترات يستخدمها الاشخاص  وفي اي مكان يتواجدون فيه سواء في البيت او الشارع او في وسائط النقل المختلفة.
أما الفنان أحمد بچـّاي :

فعرض خمسة لوحات تجريدية وبأحجام مختلفة كبيرة وبألوان دافئة جميلة وكل لوحاته تراها معمولة على شكل شباك او نافذة تطل على شيء او تخفي شيئا ً في ظلالها وهذه النوافذ تختلف من لوحة الى أخرى من حيث المعالجة اللونية والشكل وكل هذه النوافذ مغطى بستائر مخططة ومعلقة بحبال غير مرئية تدعى (پَرشِيََّن persienn) باللغة السويدية توحي بعوالم اخرى خلف الشبابيك كأنما كل إنسان له فضول ويقف وراء الستار وينظر نحو الابعد اونحو نقطة ٍ ما خارجا نحو عالم اخر وهذه الحالات تشبه الأجواء الكافكاوية الغامضة فيها الرصد والدهاء يعلمك بأن كل إنسان مرصود بعيون مخفية وراء الجدران من مصادر غير مرئية وفي كل الحالات الطبيعية النافذة هي وسيلة لإمتاع النظر لكل ما يجري في الدنيا او الحياة العامة وهذه تنطبق على المثل التركماني المعروف بين التركمان : ( بو دنيا بير پينجره بنزه ر هر گلن باخار گيجه ر )( هذه الدنيا تشبه النافدة لكل من يأتي ينظر منها ويرحل ) و يقول الفنان بچـّاي :
انه اتخذ من الشباك رمزاً لتداعيات الانسان و دواخله في لحظة تأمل ليلية تارة واخرى في النهار ، وكما تكون الاشياء مرئية خارج الشباك وتكون ضبابية و ربما  غير مرئية في وقت محدد زمنيا ً ، أي بإمكان المرء أن يكون عارياً امام ذاته وامام الاشياء الاخرى خارج محيط خصوصيته وان الإنسان لم يعد يمتلك من الاسرار ما يكفي لإسدال الستائر امام الآخرين ..
و عرض الفنان جميل جبار :
           
 اعمالا ً جديدة في اربعة لوحات جميلة تجريدية مكونة من أشكال هندسية مرنة مع لمسات لونية إنسيابية تأخذ مساحات لونية متناغمة مع البعض في بنائها الهندسي وألوانها الواضحة الصريحة الحارة المتضادّة حيث  تنساب توناته اللونية بحركة إنسيابية تظهر مدى خبرات الفنان اللونية الاكاديمية في تعامله مع السطح رغم الطبقات اللونية التي تختلف من جزء الى آخر في معالجته للموضوع الكلي في اللوحة .. لوحاته بشكل عام توحي بألوان شرقية معروفة لكل مشاهد مع خصوصيته المحلية المتمثلة بأجواء البغداديات من حيث إستعمال الألوان الصحراوية مع اللون الشذري التي طغت مع سمات العالم الشرقي والعراقي خصوصا في بناء العمارات والجوامع والفنون الاخرى ،  وعندما تقترب من لوحاته اكثر لتتحول من الكلية نحو الجزئية تكتشف فيها اشكال تراثية توحي بالابواب القديمة او القِبَب في الاسواق او المحلات القديمة وأزقـّة توحي بالأجواء العراقية القديمة يوظفه الفنان من ذاكرته ليعبر عن ذاته في الغربة ..
الفنان فاضل ناصر كركوكلي :
  
فهو المعروف في الاوساط الادبية والفنية العراقية كفنان تركماني عراقي على مختلف الجبهات فهو رسام  وكاتب ومخرج مسرحي وشاعر ، قدم عديد من الاعمال الفنية والادبية منذ سبعينات القرن الماضي لحد هذا اليوم ورغم مرضه اشترك معنا في هذا المعرض بثلاث لوحات كبيرة تميزت باسلوب معالجته للوحة باستخدام السطح الخشن للوحاته وذلك من خلال توظيفه مواد مختلفة تراكمت كطبقات لونية مختلفة متشابكة ثم قيامه بتغطيتها بلون نهائي وذلك بتسطيحه و تبسيطه بلون معين باهت قريب من البياض طاغيا ً على كل مساحة اللوحة وتاركا بعض الاشكال الهندسية  كبقع تشبه الـُجزر البعيدة في عباب البحر او الواحات في عمق الصحراء وعندما تمعن النظر فيها تجد فيها الاشكال المعبرة بحشد لوني غامق وحزين مع رموز تجسد فيها معالم  كركوكية عراقية توحي بأزقتها الموزعة في القلعة مثل محلة ( ييدي قيزلار ، حمام محله سي ,امام محله سي ) بأقواسها وقببها  و مبانيها ذي الجدران الرصاصية او الرمادية وبأتربتها القديمة على اللبخات الجصية القديمة والتي استخدم بشكل عفوي قامت بها ناس بسطاء توحي بالحياة القديمة التي عاشتها قلعة كركوك قبل ان تتحول الى خرائب محزنة مثل كنيسة ( ام الاحزان ) والتي لم تبقى منها غير احزانها كل هذه الاجواء توحي بشكل واضح مدى حنين الفنان فاضل واشواقه الى تلك الازقة التي ترعرع فيها وصقل نفسه ومواهبه وخبراته الثقافية والحياتية ولا زالت الذكريات تطل عنده من خلال وظلال جدرانها وابوابها واقواسها مفعمة بالحياة والحب والحنان رغم المآسي .
الفنانة كارولينا گوستافسون :

فنانة سويدية عضوة معنا في جمعية ( اورت آرت ORT ART ) شاركت بثلاث لوحات وبقياسات مختلفة ،كما اشتركت معنا في المعارض السابقة ايضا ً ، فهي تحاول رسم الطبيعة المستوحات من المناطق الحضرية والصناعية وحسب طريقتها الخاصة وفهمها للبيئة وتحولاتها التدريجية مثلا هي ترصد منظر المدينة كما توحى لها بشكلها التجريدي ومعالجتها اللونية في اللوحة بشكل متناقض وعلى شكل كتل هندسية حزينة مليء بالكآبة رغم جمالها ، اعمالها تتكون من شظايا مختلفة من الإنطباعات التي تشكل صورة مجردة عن منظر لمدينة مبهمة غير مقصودة ربما خيالية لكنها توحي بتناقضاتها وتضاداتها اللونية المتداخلة معبراهً عن أجواء السويد القاتمة ، السماء رمادية اللون دائما ، فهي تحاول اضفاء التجريد على اشكالها بشكل عام من تطوير المجال اللوني لتوظيفها كسطوحا ً لونية مبسطة وتجريدية محايدة قاسية في بعض اجزائها ومرنة احياناً ومتداخلة على شكل سطوح ، يفهم المشاهد للوحتها بأنها ترصد المنظر إما من النافذة أومن ارصفة الميناء العالية بحيث ترى شمولية المنظر بشكل توحي بالبعد ً رغم إيحائها بالواقعية الغامضة بعوالمها التي تخلو من البشر ..
 
اما انا كاتب هذه السطور فقد قدمت خمسة لوحات بأحجام واشكال ومواد مختلفة تعبر عن مواضيع مختلفة ، منها مرسومة على باب خشبي تحت عنوان لوحات متداخلة وهي عبارة عن عوالم داخلية متشعبة مليئة بالذكريات المؤلمة والمختلفة التي مررت بها مرادفا ً انعكاسيا ً للاوضاع التي مرت بها الشعب العراقي بشكل عام .
هذه اللوحات فهي إمتداد لخبرات سابقة والتي كنت دائما ً أحاول ان اغذيها بكل ما هو جديد اتعلمه من خلال متابعتي ميدانيا للفن بشكل عام وذلك من خلال اقامة المعارض او متابعة النشاطات للفنانين الآخرين اما اللوحات الاخرى فنفذتها على قماش الكانفس واستعملت فيها مواد مختلفة من الوان الاكريليك مع استخدام الكولاج بالمواد الاخرى من ورق و كارتون ….
اللوحة التي سميتها بـ( الارث ) وهي تمثل الارث الثقافي والتاريخي لكركوك بوصفه ارثا ً ثقافياً  تاريخيا وإنسانياً وركزت فيها على شكل ورمز القلعة في كركوك محاولاً بها إضفاء المنظر الداخلي للبيوت التي عشناها ومن أزقة وابوابها والقبب التي تزين سطوح المباني ..
اللوحة الثالثة نفذتها بالاكريليك تعبر عن تشخيص انساني لحالات التقييد  والتهميش والنبذ التعسفي وهي عبارة عن شخص مقيد بالتيب مسلوب الحرية منتهك الحقوق ومهمش الكيان وهي حالات موجودة تعيشها اطياف الشعب العراقي لأسباب مختلفة.
واللوحة الرابعة بدون عنوان فهي تعبر عن التداعيات الموجودة في الشارع العراقي والشرق الاوسطي بشكل عام وهي مفككة مليء بالإضطرابات والقتل والتدمير وتمزيق الكيانات واشلاء بشر مخلوطة في كل مكان بشكل تراجيدي محزن ..
اما اللوحة الخامسة فهي عبارة عن تمني  ُأوحي بها بأشكال إنسانية جماعية وفرادى تنوي النهوض نحو الضوء رسمتها بالاكريليك مع استخدام الكولاج بقطع اوراق جرائدية ومواد تشكيلية اخرى متداخلة بخطوط ومساحات لونية حرة مع توظيف الرموز التأريخية والثقافية تعبر كيف تعرض هذا الارث الحضاري العظيم الى إنتهاكات وسرقة في مسارها التاريخي مثلما دمرت الانسانية عندما تعرض الانسان العراقي الى تجارب الحروب والدمار والحصار والقتل الجماعي بإرادة وتخطيط مع سبق الإصرار الى يومنا هذا ، وايمانا ً بأن لكل شيء له نهاية و ليبدأ الانسان من جديد بالنهوض ليبني نفسه بنفسه وبأفكار انسانية جديدة ..
أما الموسيقار العراقي الشاب نينوس يوسف :
فقد اضفى بمشاركته هذا المعرض جواً شرقياً عراقياً وذلك بعزفه على العود كإفتتاحية للمعرض كللها بإرتجالات ٍ موسيقية جميلة وأصيلة مليئة بالحب والحنان والاشواق للوطن العراق استهوت جميع الزوار والمشاهدين للمعرض يعتبر هو الاول من نوعه .. هذا وكانت مدة العرض لثلاثة اسابيع استمرت من تاريخ 16-02-2013  الى 10-03-2013 ..!!

أحدث المقالات

أحدث المقالات