23 ديسمبر، 2024 9:46 ص

إننا أصبحنا، اليوم، في زمن الغرائب والمفاجآت الصادمة غير المتوقعة الذي أصبحت فيه الغلبة للباطل على الحق، وللشر على الخير، وللضلال على الهدى، وللظلم على العدل، وللجهل على العلم، وللخيانة على الوطنية، وصارت اليدُ السفلى فيه لأصحاب العقول النيرة والحكماء والخبراء والعلماء النزيهين الوطنيين المنصفين الخائفين من الله، واليدُ العليا فيه للمتطاولين المحتالين المعتدين على الله، جند الله وربع الله وأنصار الله وحزب الله وأسد الله وآيات الله وحج الله وروح الله وأمر الله وهبة الله وذبيح الله وخليفة الله ونصر الله، وما شابه.

كل ذلك لم يكن ليحصل لولا اتفاق الآراء والمصالح اللئيمة المتبادلة بين اللاعبين الكبار، أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والهند والصين، حتى لم يتركوا للشعوب المغضوب عليها، أمثال شعوبنا العراقية والسورية واللبنانية واليمنية والفلسطينية والليبية، إلا أن تموت سَحقا تحت أقدامهم، أو تحت اقدام عملائهم ووكلائهم، أو أن تغادر أوطانها وتتركها لزمر السياسيين الأفّاقين المزورين وعبيدهم المستغفَلين ليعيثوا فيها الفساد.  

ترى، ماذا سيحدث لو فوجئت داعش، ومعها الخلايا الجهادية السنية النائمة، أو حزب الله العراقي ومعه عصائب أهل الحق وجيش المختار ولواء أبو الفضل العباس والنجباء الشيعية، بتوصل الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى قناعة ثابتة ونهائية بأن لدى العراق مناعةً قاهرة ضد أي نوع من الديمقراطية، خصوصا لو كانت أمريكية، فقرر سحب قواته القتالية، في ليلة واحدة، ومعها بقية المدربين والخبراء العسكريين والمدنيين، وحتى شركات النفط والغاز والكهرباء، وهرب، نهائيا، وبأسرع مما فعل في أفغانستان؟.

ولو افترضنا، جدلا، أن الدواعش والجهاديين الإسلاميين السنة،  أو مجاهدي حزب الله العراقي والعصائب والنجباء وباقي الجهاديين الإسلاميين الشيعة، قد استغلوا هروب الأمريكيين والأوربيين واليهود، فقاموا بانقلاب عسكري ناجح في العراق، وبسطوا هيمنتهم، بالكامل، على الدولة، وأقالوا الحكومة، وحلوا البرلمان، وأعلنوا قيام دولة الخلافة الداعشية، أو دولة ولاية الفقيه، في عموم العراق، ثم وجدوا أن من النافع لهم أن يفتحوا المطارات العراقية والمنافذ الحدودية لكل من يحلم باللجوء إلى أمريكا وفرنسا وبريطانيا والدنمارك والسويد وألمانيا وسويسرا وغيرها، ترى كم من أسرة عراقية وعشيرة وحزب ومنظمة وجمعية وتكية ومسجد وحسينية ستسارع إلى استباق غيرها والنجاة بريشها؟.

وحتى بدون الانقلاب الداعشي أو الولائي الإيراني، وبوجود القوات القتالية الأمريكية، لو أفلحت حكومة مصطفى الكاظمي، بنصر الله وتوفيقه، في الحصول على موافقة أمريكا وأوربا على استقبال لاجئين عراقيين، أيا تكن أعدادُهم، ثم فَتحت الأبواب وسمحت بالخروج، ترى هل سيكون عدد العراقيين الهاربين بأقلَّ من أعدادهم في حالة الانقلاب؟.

إن هذا مجرد خيال، ولكنه من النوع القابل للتحول إلى حقيقة بأقرب فرصة وبأول شرارة، وفي أحد الأيام الحبلى المقبلة.

وتعالوا نتكلم بصراحة. كم عراقي، شيعي أو سني، عربي أو كردي، يكره الهجرة، اليوم وليس غداً، بحثا عن حياة أخرى فيها كرامة وحرية وماء وكهرباء ودواء وغذاء وعدالة وحرية وضمان اجتماعي وأمنٌ وأمان؟.

وشئنا أم أبينا، إن واقع الحال العراقي اليوم يوحي بمعارك جديدة آتية لا ريب فيها. ففي الأشهر القليلة الماضية، تصاعدت نشاطاتٌ مريبة مجهولة يقول الإيرانيون إنها لخلايا داعشية استعادت قوتها.

وهي مقدمة إيرانية لغزواتٍ جديدة، فور خروج القوات القتالية الأمريكية، ستقوم بها كتائب الولائيين المجهَّزين بما يلزم لمعارك جهادية من هذا النوع.  والمبرر أن إيران العراقية ليس لديها خيارٌ سوى النفير العام، لو ظهرت داعش، دفاعا عن مذهب آل البيت، وعن الطائفة، وخدمة لدولة الإمام المنتظر.

فقد نقلت وكالة أنباء (إرنا)  الإيرانية، عن وزير الدفاع الإيراني، قوله إن: “أعداء إيران لا يفهمون لغةً غير لغة القوة”.
وفي أكثر من حديث تلفزيوني كرر المرشد الأعلى، علي خامنئي، القول: “على النقيض من أمريكا، يحقق التدخل الإيراني في المنطقة الاستقرار، ويهدف إلى منع الاضطرابات. إن تدخل إيران في المنطقة حتمي، وسيستمر”.

وتكفي هذه الإشارات، مجتمعةً، لضخ الرعب في قلوب المواطنين العراقيين العاديين غير المسيَّسين وغير المتورطين بحمل سلاح الجهاد السني أو الشيعي. 

يضاف هذا كلُه إلى المعاناة اليومية الدائمة، في أغلب مدن العراق وقراه، من عدم توفر الكهرباء والماء الصالح للشرب، ومن تلوث البيئة، وتدهور التعليم، وتراكم القمامة في الشوارع والميادين، والحرائق والكوارث والمجازر وجرائم السرقة والاختطاف والاغتيال والنصب والاحتيال والسطو والاغتصاب.

وهناك معلومات موثقّة، وقسمٌ منها صادر من أطراف حكوميّة، تؤكد وقوع جرائم ترقى إلى جرائم حرب، راح ضحيتَها عشراتُ الآلاف من المغيبين والمعتقلين والمهجرين، مع هدم بيوت بعد سرقتها، وتجريف أراضٍ وبساتين ومزارع، وحرق مساجد ومدارس وأسواق شعبية، وإهانة متعمدة علنية دائمة لوجهاء وأكابر، ضمن سياسة مقررة مسبّقا لإذلالهم ولقتل إرادة المعارضة لديهم.        

كما تؤكد الدلائل والشهادات المستقاة من الوقائع الميدانية أن أغلب هذه الجرائم تم وفق مخطّط متكامل، وبمشاركة بعض الأجهزة المرتبطة بالحكومة.     
وحاولت وتحاول الحكومات المتعاقبة، دائما، أن تقلل من خطورتها، فتبريءَ منها الفصائل الولائية وتتهمَ بارتكابها جهاتٍ (مجهولة) خارجةً على القانون.
وخلاصة الخلاصة في هذه المقالة هي أن العراق، هذا الوطن الذي كان آمنا وموحدا وحانياً على أهله، وخاليا من جرائم القتل والسرقة والاغتيال والاختطاف والسرقة والاختلاس والمتاجرة بالمخدرات، لم يعد صالحا للحياة الحرة الكريمة التي تليق بأهله الطيبين.

بصراحة، لقد ملَّ العراقيون من طقوس التخلف والخرافة والتضليل والتجهيل التي أصبحت كوابيس تجثم على صدورهم، ليس في أيامٍ معدودة من السنة، فقط، بل في كل يم وكل ساعة.

وعليه فلا يحقُّ لأحدٍ أن يلوم الآلاف أو مئات الآلاف أو الملايين من المواطنين العراقيين الذين عيل صبرُهم وفاض كيل بؤسهم وشقائهم وخوفِهم على عيالهم لو هجموا على المطارات والمنافذ الحدودية طلبا للنجاة، ولو على مضض.