1. الإرهاب الطائفي
2. التيار الصدري
3. المجلس الإسلامي الأعلى
4. فتوى السيد السيستاني
عندما تولى السيد نوري كامل المالكي رئاسة الحكومة العراقية عام 2006، كان العراق يعاني من المشكلتين الآتيتين :
* الوجود الأمريكي العسكري في العراق
* المقاومة الإسلامية ضد الاحتلال
فالوجود الأمريكي الذي تواجد في العراق مطلع نيسان 2003 والذي تمخض عنه إسقاط حكومة صدام حسين ، والدعوة إلى إقامة نظام ديمقراطي ، بدأ بمجلس الحكم وانتهى بالانتخابات البرلمانية التي تشكلت عنها الحكومة الديمقراطية المنتخبة الأولى لمرحلة ما بعد تغيير نظام البعث من قبل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبمباركة من قرارات مجلس الأمن وبإشراف مباشر من قبل الأمم المتحدة . وفي الوقت نفسه ظهرت ردود فعل دينية وقومية ووطنية ترفض الوجود الأمريكي والقوات الأجنبية في العراق بعد استنفاد الأغراض التي جاءت من أجلها ، وهي إسقاط النظام الدكتاتوري للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين . وهذا ما جعل القناعات تتعزز لدى الكثير من العراقيين الذين لايروق لهم ذلك الوجود الأجنبي في وطنهم ، فراحوا يقومون بعمليات مسلحة ضد قوات الاحتلال أينما كانت على أرض العراق ، دون أن يكون هنالك فارق في الأهداف لدى مسميات المقاومة ، بالرغم من أن المقاومة كانت على نوعين ؛ مقاومة شريفة تهدف إلى إخراج القوات الأجنبية من أرض وسماء العراق ، ومقاومة مأجورة أو مرتزقة أو وليدة الضرر ، التي كانت ولاتزال تهدف إلى محاربة القوات التي أسقطت حكومة البعث الصدامية في العراق وسلطت عليهم سلطة العملية السياسية الحالية ، والتي ظهر فيها الوجود الشيعي السياسي جلياً ، من الأحزاب الإسلامية الشيعية بعناوينها التنظيمية الكثيرة ، والتي كان البعض يعتبرها وجهاً سياسياً من وجوه الجمهورية الإسلامية الإيرانية في العراق ، كالمجلس الإسلامي الأعلى وحزب الدعوة الإسلامية وغيرهم آخرون . وهذا ما ولد شعوراً طائفياً لدى الكثير من سنة العراق ، متصورين أن الشيعة سيحكمون ويتسلطون عليهم ويصادرون وجودهم المذهبي في العراق، بحيث راحوا يستنجدون بجهات سنية خارجية لأجل دعمهم وتأييدهم توقياً للخطر القادم . مقابل ما تتمسك به المقاومة الشريفة من متبنيات وطنية ودينية جهادية تبرر مقاومتهم الشريفة الساعية نحو إخراج المحتل ـ كما يصفون ـ . هذا النوع من المقاومة استنفد أغراضه بعد المعاهدة الأمنية المشتركة بين الحكومة العراقية والولايات المتحدة وخروجهم من المدن العراقية ، إذ وجه السيد مقتدى الصدر بتجميد نشاطات جيش المهدي الذي أسسه لهذا الغرض ، ومن ثم إيقاف نشاط المقاومة الإسلامية المتمثلة بعصائب أهل الحق بقيادة الشيخ قيس الخزعلي . ولم تبقَ أية جهة مستمرة بالمقاومة غير التنظيمات
السنية التي تعاطف معهم البعثيون الصداميون ، الذين لم يكتفوا بالنتائج الإيجابية التي آلت إليها القوات الأجنبية بخروجها من العراق ، فراحت تخطط للإطاحة بالعملية السياسية برمتها ، مالم تكن خالية من الحاكمية الشيعية على أرض الواقع السياسي ، فتطورت إلى دعم دولي ودخول مسلحين من خارج العراق لتعزيز هذا الهدف ، بعد أن تم التنسيق مع أبي مصعب الزرقاوي وأيمن الظواهري وترتيب أجندات إقليمية وعربية وإسلامية لهذا الهدف الذي يسعى إلى تقويض العملية السياسية في العراق والقضاء عليها ،مالم يتم الرجوع إلى المربع الأول .. إلى ماقبل أحداث 9/4/2003، ماجعلهم يستمرون بالعداء ، وبأساليب خبيثة شنيعة ، دفع الشعب العراقي البريء الثمن غالياً فيها ، من تفجير السيارات المفخخة والقتل على الهوية والتهجير والعمليات الإرهابية التي طالت العراقيين كافة .
لقد عانت العملية السياسية الأمرّين من جرّاء ذلك ، ما جعل الحكومة العراقية إبان حكومتي المالكي تعاني الكثير الكثير من مرارتين ؛ المرارة المرّة تنظيم القاعدة الذي اعتصم في الأنبار ثم تطوّر إلى داعش وظهور أبو بكر البغدادي في نينوى ، والمرارة الأمرّ ؛ معارضة السيد مقتدى الصدر والسيد عمار الحكيم للبرامج السياسية للسيد نوري المالكي . فالعداء بين تنظيم القاعدة وتطوراته داعش ليس غريباً من حيث الصراع المذهبي بين الوهابية والتشيع منذ أن تأسس المذهب الوهابي عام 1710م حتى هدم قبور أئمة البقيع (ع) وتهديدات النيل من النجف وكربلاء وسامراء والكاظمية المدن العراقية الشيعية المقدسة منذ عامي 1220هـ وعامي 1344هـ ، والجرائم التي أقترفها التمدد الوهابي في المنطقة العربية ، والتي أنجزت مشاريعها في المملكة العربية السعودية ، والتي لم تزل حتى يومنا هذا ، ومنها ما يعانيه شيعة المملكة من اضطهاد مذهبي وسياسي ، وآخره محاولة التعرض إلى حياة الزعيم الشيعي الروحي الشيخ النمر رعاه الله وحفظه ، وما يعانيه شيعة البحرين بدعم سعودي مباشر من حكومة القمع البحرينية من قبل قوات درع الجزيرة الذي تشكل لهذا الغرض .
والحالة هذه ؛ لابد لنا أن نذكرَ معلقة الشاعر العربي الجاهلي طرفة بن العبد حيث قال :
((وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ً على المرء من وقع الحسام المهندِ )) ..
فليست طعنة العدو تؤلم المرءَ كما تؤلمه طعنة أخيه أو قريبه أو رفيق دربه ونضاله. بمعنى أن الطعنة التي يسببها الصدّاميون والداعشيون على نوري المالكي هي طعنة متوقعة يترقبها عند أية لحظة (سيّما وإنه هو الذي وقـَّع على قرار إعدام صدام حسين) ، لكن الطعنة التي تأتيه من أبناء جلدته .. السيد مقتدى الصدر والسيد عمار الحكيم بطبيعة الحال تكون أكثر مضاضة عليه من أية طعنة تأتيه من الأعداء الغرباء.
لقد أوجدت ظروف حكمي السيد نوري المالكي مابين (2006 ـ 2014) التي كانت تحدق به خلال دورتيه في حكم العراق أزمات يصعب عليه التخلص منها ، ولعل عداء السيد مقتدى الصدر له ناجم عن تقاطعات في البرامج السياسية وحراكاتها الدولية الخارجية والداخلية عراقياً .. بين نوري المالكي الذي أبرم معاهدة أمنية مع الولايات المتحدة، وأن لأمريكا الفضل عليه ، فهي التي أوصلته إلى الحكم من خلال إسقاطها لصدام حسين الأسطورة الدكتاتورية التي لا تقهر، وبين السيد مقتدى الصدر الذي يرفض الحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى الخلافات على مستوى نظرية الحكم والعمل السياسي بين المجلس الإسلامي الأعلى الذي يؤيد نظرية ولاية الفقيه ، خلافاً لحزب الدعوة المؤمن بنظرية شورى الأمّة ، والتي تمخض عنها انشقاقات سياسية أدت إلى ما أدت إليه في مطلع ثمانينات القرن الماضي ، بحيث
هجرت قياداتٌ من الدعوة إيرانَ إلى دمشق ولندن ، بينما بقيت قياداتٌ منه لتؤسس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق فيها بزعامة آية الله السيد محمد باقر الحكيم (رحمه الله).. بجناحه العسكري الممثل بفيلق بدر، الذي تحوّل فيما بعد في العراق إلى منظمة بدر التي يقودها حالياً السيد هادي العامري المناصر والمؤازر للسيد نوري المالكي،بينما تغيّر المجلسُ المذكور إلى عنوان جديد( المجلس الإسلامي الأعلى) بقيادة السيد عمار الحكيم .
ولم يقف السيد نوري المالكي عند كل هذه المواقف المضادة والمعادية له .. من تنظيمات القاعدة وتفرعاتها ، ومن البعثيين الصدّاميين ومرتزقتهم ، أو من السيد مقتدى الصدر قائد جيش المهدي والسيد عمار الحكيم رئيس المجلس الإسلامي الأعلى ، بل تفاقم العداءُ حيال السيد نوري المالكي ليشمل أطراف غير سياسية ، تلك التي لم يرق لها شعار دولة القانون الذي رفعه السيد نوري المالكي ، ومنها كشف ملفات الفساد الإداري والمالي والأمني في الدولة العراقية ، ومنها مابقي معلقاً ، فلو استمر السيد نوري المالكي في الحكم لأستمر في كشفها وفضحها . إضافة إلى الأكراد الذين وضعهم السيد نوري المالكي في دائرة الضوء ، من خلال إلزامهم بإخضاع الموارد الاقتصادية لنفط كردستان تحت سلطة حكومة المركز . فأمست رماحُ دائرة الكراهية المحيطة بمركز السيد نوري المالكي كثيرة ومتشابكة ومحاصرة وخانقة ، ما جعله مقيّد الحراك ومقيد الأداء ، إذ ليس بمقدور أي حاكم سياسي أن يحكم دولة تحكمها عملية سياسية معادية ، ولها قناعات متباينة ومختلفة تماماً ، بحيث لم يكن أمامه إلا أن يخضع لإرادات الآخرين أو يصمد ويثبت،فتكسرُ هذه الأطرافُ قوائمَ كرسي حكمه ليسقط .
والطامّة الكبرى ؛ إنَّ المرجعية الشيعية ممثلة بالمرجع الديني الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني (دام ظله الشريف) أصدر فتواه بحاجة العراق إلى ((رئيس وزراء جديد)) ، فكانت هذه الفتوى هي الضربة الأخيرة التي قصمت صلابة آخر قوائم كرسي المالكي !!!
لم تشخّص المرجعية الشيعية العليا من هو رئيس الوزراء الجديد المطلوب ، بل؛ تركت الحبل على الغارب (وهو الصحيح) ، بحيث تتولى سفينة العملية السياسية اختيار ربّانها الذي سيمسك بالحبل ويسير بالسفينة العراقية نحو بر الأمان .
اليوم ؛ يعلن السيد نوري المالكي موقفه المتغيّر بالتخلي عن كافة مسؤولياته الرسمية ، تلبية لنداء العملية السياسية وخيارات المرجعية الرشيدة والرأي العام خدمة للصالح الوطني العام ؛ آملين من ((رئيس الوزراء الجديد)) أن لا يذوب في نيران الحمم البركانية المتصاعدة من غليان الطود العراقي العتيد ، وأن لا تجرفه السيول الحارقة الآتية من خارج حدود الوطن إلى حيث الإرادات التي لا تريد الخير للعراق وشعبه ، وأن يكون بمستوى الأمانة التي مُنِحَتْ له ،
والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه ؛؛؛