22 نوفمبر، 2024 10:49 م
Search
Close this search box.

المعاني الدقيقة في كشف الحقيقة (ج2)

المعاني الدقيقة في كشف الحقيقة (ج2)

اختلف الكثير من المفسرين والفقهاء ومن كلا الفريقين على تفسير قوله تعالى ” بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ” الواردة ضمن سياق الايات القرآنية التي يخاطب  فيها نبي الله شعيب (عليه) السلام قومه بعد ان فسدوا في الارض وبخسوا الناس اشيائهم ولم يقسطوا في الميزان ، فخاطبهم الله تعالى على لسان نبيهم قائلا ” وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (86) إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) … وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93) “
هذه الايات باجمعها توصف حال نبي الله شعيب مع قومه ونصحه لهم ولم يختلف المفسرون عليها كثيرا باستثناء الاية السادسة والثمانين التي تذكر بقية الله، فاختلف مفسروا اهل السنة فيما بينهم حول المعنى المراد منها كما اختلف معهم مفسروا الشيعة بذلك .وقد تناول المحقق العراقي المرجع الصرخي الحسني في محاضرته السادسة ضمن بحثه الاسبوعي الموسوم ( الدولة المارقة في عصر الظهور منذ عهد الرسول ) والتي القاها عبر قناة اليوتيوب التابعة لمركزه الاعلامي ، حيث كشف التزييف والتدليس والحقد الذي يكنه اتباع المذهب التكفيري ممن ينكرون الحقائق ويعتموا عليها ، حيث اورد الصرخي الايات المتسلسلة في سورة هود التي تذكر تلك الاية محل الخلاف مستشهدا بتفسير ابن الجوزي الذي يعتبر المرجع الاول لابن تيمية واستاذه ابن الجوزية اصحاب الفكر التكفيري الاقصائي ، وقال المرجع الصرخي في تعليقه على الاية السادسة والثمانين (بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) : “عن أي أيمان يتحدث نبي الله شعيب عليه السلام؟ فهل خفي عليه أمر قومه في الكفر والاستكبار والاستخفاف به وبالله تعالى وبكل ما جاء به من أحكام إلهية؟، بل وإصرارهم على إتباع وعبادة  ما جاء به آباؤهم؟ ، هل يعلم بأنهم يملكون الإيمان؟ أو يوجد احتمال للإيمان؟، أم كان كل ما عندهم هو استكبار في استكبار واستخفاف في استخفاف وظلم في ظلم وقبح في قبح وفساد في فساد؟، فعن أي إيمان يتحدث؟ كيف يتحدث عن الإيمان؟ كيف يحتمل فيهم الإيمان؟ كيف يجعل الإيمان شرطًا في الكلام؟ كيف يعلق الأثر على وجود الإيمان؟ أليس هذا من اللغو؟!! أليس هذا من اللغوية؟!! ويستحيل على الله اللغوية ويستحيل على النبي العاقل اللغوية.
وهنا ابطال تام لما وصفه بعض المفسرون من اهل السنة بان الخطاب كان لقوم شعيب لعدم وجود الايمان اصلا عندهم ، اذن لمن الخطاب ؟ وكيف وضعت هذه الاية ضمن سياق بقية الايات ؟ 
يقول المحقق الصرخي ” وبعد تثبيت المفسرون من اهل السنة عمومًا صفة الإيمان لقوم شعيب فإنهم اختلفوا في معنى الإيمان بصورة عامة، ففي تفسير ابن الجوزي قوله تعالى: (بقية الله خير لكم) قال ابن الجوزي: فيه ثمانية أقوال: (أحدها): والذي أبقى لكم الحلال ما أبقاه الله من حلال؛ أي ما أبقى الله لكم الحلال بعد إيفاء الكيل والوزن خير من البخس، (الثاني) قاله ابن عباس. ويقصد ببقية الله رزق الله خير لكم، أيضًا روي هذا عن ابن عباس، وقال به ابن سفيان. (القول الثالث) طاعة الله خير لكم (بقية الله أي طاعة الله)، قال به مجاهد والزجاج، (الرابع) بقية الله أي حظكم من الله خير لكم، يقول: قاله قتادة. (الخامس) رحمة الله خير لكم، قال ابن زيد. (السادس) بقية الله أي وصية الله خير لكم، قاله الربيع. (السابع) ثواب الله في الآخرة خير لكم، قاله مقاتل. (الثامن) مراقبة الله خير لكم، ذكره الفراء، وقرأ الحسن البصري (تقية الله خير لكم) … قال تعالى: (إن كنتم مؤمنين) شرط الإيمان في كونه خيرًا لهم لأنّهم إن كانوا مؤمنين بالله عز وجل عرفوا صحة ما يقول. “
هذه ثمانية اقوال لمفسرين يذكرهم ابن الجوزي وكلها تختلف عن بعضها البعض ، ولكن يلفت المرجع الصرخي الى امر جدا مهم يكشف فيه حقد وبغض التكفيريين لبقية المسلمين وخصوصا الشيعة وائمتهم من اهل البيت عليهم السلام حيث يقول الصرخي متسائلا : ” إذًا لماذا نكفَّر؟ لماذا يُكفَّر الشيعة؟ لماذا يُستخف بالشيعة عندما يأتون بقول تاسع، بمقترح تاسع، باحتمال تاسع، وأنه يقصد ببقية الله هو المهدي عليه السلام، ليس مهدي الشيعة، وإنما عنوان المهدي، المهدي الموعود سواء كان مولودًا أو سيولد، ما هذا الحقد؟ وما هذه الأنانية؟ وما هذا التكفير الفكري؟ وما هذه الدكتاتورية الفكرية؟ وما هذه الألغام الفكرية والعبوات الناسفة الفكرية؟ لماذا يمنع الشيعة من طرح هذا العنوان ومن طرح هذا المحتمل، خاصة أن هذا المحتمل ينسب إلى إمام من أئمة أهل البيت سلام الله عليهم، والجميع يقر بالفضل لأئمة أهل البيت؟”.
اذن هل اتبع المفسرون التكفيريون الاسس الصحيحة وهل وضعوا شروطا لقبول صحة رواية هذا او ذاك من تلك الاراء الثمانية التي طرحها ابن الجوزي في تفسيره واخرج منهم ائمة اهل البيت لعدم وثاقتهم ؟؟ وعلى ماذا استند هؤلاء المفسرون في اعتبار قوم شعيب مؤمنين ؟ …
سنكمل ان شاء الله في الحلقة الثالثة .

أحدث المقالات