22 نوفمبر، 2024 7:24 م
Search
Close this search box.

المعارضة وتقويم الأسنان

المعارضة وتقويم الأسنان

عندما نهم برسم خط مستقيم، نرجوه ان يكون مستقيم فعلاً، لكن عند النظر اليه من زاوية أخرى، نكتشف انه مائلاً يميناً أو يساراً، فنضطر للاستعانة بمسطرة لرسمه مرة أخرى للحصول على خط مستقيم جداً٠
هكذا هي الفطرة الإنسانية تسعى إلى الكمال والاستقامة، لان الحياة لا تسير الا وهي مستوية!
لذلك وجدت أدوات تُصلح الاعوجاج ان وجد، لانه حاله طارئة، فالأصل هو الكمال وليس العكس، لذلك كثيراً ما نصادف أناس يضعون تقويم الأسنان لفترة طويلة، ويتحملون جراء ذلك الألم النفسي الذي يسببه والجسدي، على أمل الحصول على ابتسامة جميلة كلها ثقة في نهاية المطاف٠
ان مجرد الفكرة ان تكون مسروراً، لكن لا تستطيع ان تضحك ملئ الفم وبصوت عالي، لاعتقادك ان منظر أسنانك ليس لطيف، هو أمر محزن حقاً٠
وقبل الشروع بوضع تقويم الأسنان، قد يجبر الطبيب المريض على قلع أسنان سليمة، الا انها متراكمة!
لتفسح المجال لبقية الأسنان ان تأخذ موقعها الصحيح٠
كلامنا الطويل هذا والمفصل عن تقويم الأسنان، ليس درساً لطلاب الطب المتخصصين بجراحة الأسنان وتجميلها مطلقاً، وإنما محاولة لأيصال فكرة بمثال حي وواقعي جدا، لأهمية التقويم في مجمل المجالات وليس في الأسنان فقط ٠

من هذا المدخل تتبلور فكرة المعارضة، التي تقوم على أساس التقويم وتصحيح المسار، فهي ليست العصي التي توضع في الدواليب، بل على العكس هي مرحلة متقدمة من النضوج الذي وصلت له العملية السياسية في العراق٠
بعد سلسلة تجارب ومعاناة أوصلت المواطن إلى حالة أشبه باليأس من ما يدور حوله بشكل عام ومن العداء الحكومي بوجه خاص، فأصبح اشبه بكائن كسيح لا يقوى على السير، فصار لزاماً ان يستعين بدعامات حديدية يستند اليها ويستعين بها عند المشي والركض والهرولة!
إذن الهدف الأساسي من المعارضة العراقية الحالية ليس إسقاط الحكومة واشاعة الفوضى، كما يشاع عنها
وان كان إسقاط حكومة فاشلة من مهامها، الا انها لا تسعى لذلك في الوقت الحالي ٠
ولكي تأخذ المعارضة شكل مؤسساتي منضبط يجب ان تحدد أهدافها ورؤيتها وغايتها، كما انها يجب ان تقسم جهودها، وإلا ستكون معارضة لأجل المعارضة٠
عندما يعلن رئيس الوزراء برنامجه الانتخابي ويطلق أرقام الإنجاز الخيالية، يجب ان تكون هناك جهة بقوة ومساحة (رئاسة الوزراء) لمتابعة صحة هذه الأرقام والبيانات، وتبيان نسبة النجاح والفشل فيها، وهذا ما يعرف بالنظام العالمي للنظم السياسية ب “حكومة الظل” وظيفتها مراقبة اداء الحكومة الأساسية وتشخيص مواضع الخلل، والوقوف على الأخطاء بهدف إصلاحها وبنفس الوقت تهيئ وتعد برنامج بديل حكومي٠
ان ظاهرة الاستغفال وتجاهل الأزمات، بل إيهام المواطن بأرقام غير صحيحة لنسبة الإنجاز الحكومي، لها عواقب وخيمة مالم تنتبه الحكومة الحالية لحجم الهوة بين الواقع وبين ما تدعيه من ارقام في تقاريرها الرسمية٠
فاخذ المسكنات لا يلغي المرض وليس هو العلاج الناجع له، كذلك إطلاق نسب للإنجاز بتلك الأرقام الهرمية، بدون ان يلمس المواطن أي تغيير إيجابي على ارض الواقع، إنما هو بسمار تدقه الحكومة في نعشها، من حيث تدري أو لا تدري٠
خصوصاً ونحن نشهد بين حين وآخر تظاهرات غاضبة هنا وهناك، لمجموعة من المواطنين يطالبون بحقوقهم الأساسية، تجابه أما بالقمع أو التكتيم الإعلامي، فالتعيم على مثل هكذا حراك شعبي، لا يلغيه بل قد يؤدي إلى قيام تظاهرات اكثر جماهيرية، رداً على التجاهل الحكومي لمطالب الناس٠
لذلك على الحكومة الحالية ان تستوعب انها بحاجة ماسة لتقويم الأسنان، حتى لا تجبر على قلع أسنان سليمة مستقبلا٠

أحدث المقالات