هل يمكن تخيل نظام حكم ديمقراطي, دون وجود معارضة لمن يتولى زمام السلطة؟
قد يكون الجواب بديهيا, فلا يمكن وجود هكذا نظام, كل من فيه من أحزاب وتيارات وشخصيات,هي مشاركة في الحكم والسلطة.. لكن ما يحصل في العراق, هو هذا المستغرب, فكل من فيه يحكمون ويشاركون بالسلطة بطريقة أو أخرى, لكن بعضهم ” يتشاطر” فيحاول أن يدعي المعارضة, في مغالطة سمجة مكشوفة, لا يصدقها إلا أتباعه..
بعض من هذا البعض ذهب بعيدا, فصار يقاتل ويستخدم السلاح, ضد الحكومة التي هو جزء فيها وله مناصب, بحجة معارضتها.. في منطق لا يمكن فهمه أو تفسيره أو تبريره حتى.. وهذه المجابهة أدعيت لها توصيفات وتبريرات شتى, فمنها الجهاد ضد المحتل, ومنها المحتل, ومنها الدفاع عن حقوق المكون, أو حتى وصلت لحماية المذهب..
المعارضة بمفهوم بسيط بعيد عن “التفلسف” تعني ان تقوم جهة او شخصية ما, بالتصدي لأفعال الحكومة وسياساتها, وبيان الأخطاء والإنحرافات التي أرتكبتها, وتقديم الحلول البديلة لها, وتقديم مشروع وبرنامج سياسي, بديل لما قدمته الحكومة, مع إشتراط منطقي عقلاني, يحدد أن لا يكون المعارض هو جزءا من الحكومة التي ينتقدها..
حداثة تجربتنا السياسية, وجهلنا الإجتماعي بلعبة الديمقراطية وآلياتها, وبعدنا ونفورنا العاطفي أو المصطنع, عن العمل السياسي, وعدم فهمنا أهمية المشروع السياسي والوطني, جعلنا نعتقد ان السياسية والنيابة البرلمانية, تعني المناصب والنفوذ, وقضاء الحاجات وحل المشاكل, أو كما نحب ان نسميه “الواسطة”.. وهذا النفوذ لا تمتلكه إلا أحزاب الحكومة, بالتالي من سيكون في المعارضة, لن تقصده الناس “ليتوسط لها” وسيفقد حضوته ونفوذه عندها, أي انها لن تصوت له في أي إنتخابات, ولو قدم أفضل المشروعات والمبادرات, وكانت له نجاحات لافتة وهامة.. فهو لا يملك السلطة..
تجارب المعارضة في نظامنا الحديث ما بعد 2003, كانت فقيرة وخجولة وغير ناضجة, ولا يمكن توصيفها بأنها كانت معارضة حقيقية.. فأولاها تجربة كانت لتيار الحكمة عندما لم يشترك بحكومة السيد المالكي الثانية, لكنها لم تنجح عمليا في ترك أي أثر, لا على أداء الحكومة, ولا على وعي المجتمع بأهمية دور المعارضة, رغم دورها في منع تولي الرجل لدورة ثالثة.. وكانت الثانية تجربة التيار الصدري بالإنسحاب من حكومة السيد العبادي, لكن ما يشكل عليهم, أنهم إحتفضوا ببقية مناصبهم غير الوزارية الكثيرة, وبالتالي فقدت معارضتهم نفعها للتجربة السياسية, فيما سبق كل ذلك المعارضة الملحة التي ظهرت في المناطق ذات الأغلبية السنية, لكنها كانت نتاج تأثيرات جماعات مسلحة متطرفة, إنتفعت منها أحزاب محلية هناك, لكنها أثبتت فشلها وفساد بعض رموزها, ومشاركتهم بالمغانم الحكومية كغيرهم..
بروز معارضة حقيقية تفهم لعبة الديمقراطية, مرتبط كثير بوعي الجماهير بأهمية دورهم, في تقويم عمل الحكومة, وتنبه الجمهور لأهمية تصويته, لمن يمتلك مشروعا سياسيا ناضجا, يمكن تنفيذه وبشكل واقعي, بعيدا عن الخطب والشعارات الرنانة الفارغة.. وبديل ذلك هو الفوضى الموجودة حاليا, حيث غياب من يتحمل المسؤولية عند فشل الحكومة أو جزء منها, في تقديم ما يفترض بهم وما جيء بها لأجله, من إعمار وخدمات وتأهيل.. حيث يدعي عندها أغلبهم, أنه المعارضة المخلصة الأمينة والمصلحة الحريصة, فيما هم أول من كان ينتفع بمناصبها ومغانمها.
لا يتوقع أن تظهر معارضة سياسية حقيقية في المدى القريب, وسيظل الكل يبحث عن دور في الحكومة, وربما لن يجرؤ احد على طرح الفكرة حتى, لعلمهم أن من في المنصب سينال الأصوات, ومن خارجه لن تكون له نفس الحظوظ, وهذا راجع لنظرة المجتمع المنتخب, لمن في السلطة ومن خارجها.. وهي نظرة نحتاج لتغييرها عاجلا أو أجلا.